منوعات

رغم الغلاء وانعدام الدخل.. اليمنيون يحاولون صنع فرحة العيد من العدم

22/03/2025, 18:01:59

في أحد أسواق صنعاء المزدحمة، وقفت أمٌ أحمد تُمسك بيد طفلها الصغير، تتنقل بين المحلات وعيناها تراقبان الأسعار بقلق. كان الصغير يشد قميصها بين الحين والآخر متحمسًا لشراء ملابس العيد، لكنها كانت تدرك أن ميزانيتها لن تسمح بالكثير. 

بعد عدة دقائق من التردد، اشترت له قميصًا واحدًا فقط، وأخفت دمعة كادت تسقط وهي تعتذر له عن عدم قدرتها على شراء الحذاء الجديد الذي كان يحلم به.

 مشهد هذه الأم ليس استثناءً، بل هو انعكاس لما يعيشه اليمنيون هذا العيد بعد عشر سنوات من الحرب التي أرهقت الجميع، وألقت بظلالها على تفاصيل الحياة اليومية.

في الأسواق، الازدحام يوحي بأن الجميع يستعد للعيد، لكن إذا دققت النظر ستجد أن معظم المتسوقين يكتفون بالمشاهدة أكثر من الشراء. الأسعار المرتفعة حرمت الكثير من العائلات من الفرحة التي اعتادوا عليها في مثل هذه الأيام.

فرصة ناقصة

 في أحد محلات بيع الملابس  يشير صاحب المتجر إلى الرفوف الممتلئة ويقول بحسرة: “الناس يأتون ويسألون عن الأسعار ثم يغادرون، لم يعد أحد قادرًا على شراء شيء”.

 في تعز وبقية المدن أيضًا، الوضع ليس أفضل. الباعة يشكون من قلة المشترين، والمواطنون يشكون من ارتفاع الأسعار وانعدام القدرة الشرائية.

السنوات العشر الماضية تركت الاقتصاد اليمني في حالة انهيار تام. فقدت العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها، ما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الأساسية. المواد الغذائية، الملابس، وحتى أبسط الحلويات التي كانت تزين موائد العيد، أصبحت اليوم بعيدة المنال للكثيرين. 

محمد، وهو موظف حكومي في تعز، لم يتسلم راتبه منذ شهور، ويقول بحزن: “كيف يمكن أن نحتفل بالعيد وأطفالي ينامون جائعين؟ حتى شراء كيلو من التمر أصبح عبئًا”.

بينما يحاول البعض التأقلم مع الوضع عبر تقليل النفقات والبحث عن بدائل أرخص، هناك من وجد نفسه عاجزًا تمامًا. حسن، الذي كان يعمل في قطاع البناء قبل أن يفقد وظيفته بسبب الحرب، اضطر إلى بيع بعض أثاث منزله ليتمكن من شراء مستلزمات العيد لأطفاله. يقول بحسرة: “لم أتخيل يومًا أنني سأصل لهذه المرحلة، لكن الحرب لم تترك لنا خيارًا”.

المعاناة لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد إلى كل تفاصيل الحياة.

وفي تعز، حيث الطرق الرئيسية لا تزال مغلقة بسبب الحرب، يجد السكان صعوبة في التنقل بين مختلف المناطق لقضاء العيد مع أقاربهم.

ولعل أبرز الكوابيس التي تؤرق حياة اليمنيين هي الحوادث المرورية التي تحول فرحتهم إلى مأساة نتيجة انقطاع الطرقات وتمنع رغبتهم في التنقل إلى قراهم لقضاء العيد.

كفاح للحصول على فرحة

ويعتبر شهاب الصغير "طالب جامعي" ويعيل أسرته، أن الأوضاع الاقتصادية وتفاقمها هذا العام شديد أكثر من أي عام مضى.

ويؤكد أن ذلك أثر على غالبية الأسر التي تجد صعوبة في الحصول على احتياجاتها، في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، وانعدام مصادر الدخل.

ومن مدينة ذمار  يقول إبراهيم محمد، أن الوضع أشد مأساوية لدى منتسبي السلك الحكومي، لا سيما فئة المدرسين الذين يمثلون النسبة الأكبر من موظفي الدولة، والذين أصبحوا بلا رواتب منذ 6 أعوام، إلا من نصف راتب تصرفه جماعة الحوثي كل ستة أشهر.

ويشير إلى أن ذلك يجعل من مهمة الحصول على متطلبات العيد لإدخال الفرحة على أسر هؤلاء الموظفين باتت مستحيلة، باستثناء من بحثوا عن مصادر رزق أخرى.

ويضيف أن تداعيات الحرب بالبلاد والتدهور الاقتصادي، والمناخ العام في مناطق الحوثيين، جعل من الحصول على مصدر رزق آخر "أمرا مستحيلا".

بينما يصف الكاتب "أحمد النويهي"، في حديث للأناضول، أجواء العيد في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب) بكفاح اليمنيين المعتاد في السلم والحرب.

ويرى أن "تشكيل المجلس الرئاسي وعودته إلى العاصمة عدن ضرورة لإنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة"، كما يأمل.

ويقول النويهي إن ذلك يمنح الناس آمالًا بكسر رتابة الانتكاسة التي حصلت للعملية السياسية والعسكرية خلال الأعوام الماضية.

ويعتقد أن كفاح اليمني واحتفالاته في المناسبات هو بُغْية التماسك الاجتماعي، ما يسدد عوز الكثيرين الذين تقطعت بهم سبل العيش.

وفي ظل هذه الأوضاع القاتمة، تحاول بعض المبادرات الإنسانية تخفيف العبء عن الناس. جمعيات خيرية في صنعاء وعدن وتعز تقوم بتوزيع سلال غذائية وملابس للأطفال في الأحياء الفقيرة، في محاولة لإدخال البهجة إلى قلوبهم. 

خالد، أحد المتطوعين في صنعاء، يقول: “الأوضاع صعبة، لكننا نحاول بقدر المستطاع أن نساعد، ولو بشيء بسيط”. في بعض المناطق، لجأ السكان إلى تبادل الملابس القديمة بين الأسر كحل بديل لشراء الجديد، وهي عادة بدأت تنتشر بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.

ورغم كل هذه التحديات، يظل العيد مناسبة تحمل بعض الأمل.أحد الآباء يقول: “الأطفال لا يفهمون الحرب ولا الغلاء، هم فقط يريدون أن يفرحوا، ونحن نحاول أن نصنع لهم هذه الفرحة ولو بالقليل”.

ويبقى السؤال الأكبر الذي يشغل اليمنيين: إلى متى ستستمر هذه المعاناة؟ بعد عشر سنوات من الحرب، أصبح واضحًا للجميع أن الحل ليس في التكيف مع الأزمة، بل في إنهائها. 

ورغم كل الألم، يبقى لدى اليمنيين أمل بأن يكون العيد القادم مختلفًا، عيدًا بلا حرب، بلا غلاء، عيدًا يحمل معه شيئًا من الحياة التي افتقدوها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.