منوعات
الأغنية في مواجهة بشاعة الحرب.. يمنيون ينجحون في إحياء تراثهم ويصنعون الفرح
من سيمفونيات الموسيقار اليمني محمد القحوم في العاصمة باريس إلى جولات الفنانة الواعدة ماريا قحطان وهي تجوب عواصم الخليخ يمكن قياس مدى تشبث اليمنيين بالفن والغناء رغم ظروف الحرب التي تعصف ببلادهم.
صحيح فقد اليمنيون الكثير من مظاهر الاحتفاء والأخبار السارة، ولكن الأغنية بقيت وبرزت كأحد أهم مظاهر الفرح والهروب من المجهول في حياة اليمنيين وإحدى أهم وسائل مقاومة اليأس.
يوصل خلال الأيام الأخيرة الفنان القحوم نشر المقطوعات التي احتضنتها حفل باريس، بمشاركة 70 عازفاً يمنياً ومن جنسيات أخرى، حيث تُعدّ حفلة «نغم يمني في باريس» هي الثالثة من نوعها، بعد حفلتي الأوركسترا الحضرمية، في ماليزيا، و«نغم يمني على ضفاف النيل» في مصر، وذلك ضمن مشروع السيمفونيات التراثية الذي تتبناه «مؤسسة حضرموت للثقافة»، والذي يهدف إلى تقديم الفنون التراثية بأسلوب أوركسترالي، وإبرازها على المسارح العالمية.
إنه لأمر يستحق التوقف إذا ما يفعله القحوم وماريا وغيرهم العشرات من الشباب الهواة اللذين نجحوا في صناعة البسمة وإسعاد الجمهور أينما ذهبوا على امتداد البلاد، جنباً إلى جنبٍ، مع حضور مضطردٍ يسجله المطربون اليمنيون الجدد على الصعيدين المحلي والإقليمي، في محاولة لتجاوز التحديات وبالاستفادة من التراث اليمني الثري في هذا المجال.
وقد تمكنت ماريا قحطان وحدها من إحياء العديد من الاحتفالات الغنائية والجماهيرية في اليمن والسعودية وسلطنة عمان والبحرين والإمارات، وخلال العام الجاري طافت ثلاث مدن رئيسية هي عدن والمهرة وسيئون في حضرموت، وأينما ذهبت يظهر التفاعل المجتمعي، قدرة الإبداع والصوت الفني على تجاوز الحواجز التي تصنعها الحروب والأزمات السياسية.
تؤكد قحطان أن سر نجاحها هو تشجيع الأسرة وتقول:" دائما تشجعني وتقف بجنبي" وكذلك "طاقم العمل له جهود كبيرة من تسجيل وتصوير وكل شيء".
في بعض المناسبات ظهرت ماريا وهي تتحرك داخل المحافظات اليمنية رفقة سيارات الشرطة، لكنه للشابة صاحبة الصوت الساحر الأكثر حضوراً في مسامع الصغار اليمنيين، وتضيف "أكون سعيدة جداً عندما أزور المدن وأرى جمهوري كبير وأكون أكثر سعادة لما أرى أطفال في الجمهور يعني لتقارب السن بيني وبينهم"، وكذلك فإن "الجمهور دائما يكون الرصيد الحقيقي لأي فنان".
طفرة غنائية وخصوصية يمنية
لا يمكن فصل الحضور الذي تسجله الأغنية اليمنية عن نظيراتها العربية في بلدان أخرى وعن المساحة التي أتاحتها شبكات التواصل الاجتماعي، للمطربين الشباب والهواة بعرض أعمالهم والتواصل مع الجمهور. ومع ذلك، فإن الغناء اليمني، يمتلك خصوصية، تستند على مخزون ضخم من التراث الفني في بلد تعددت فيه ألوان الغناء بين الصنعاني والحجي والحضرمي وغيرها، وشهد ولادة عدد من أبرز نجوم اللحن والغناء على مستوى بلدان الخليج العربية بشكل خاص، مثل أبوبكر سالم، محمد مرشد ناجي، وحتى بالنسبة لفنانين كبار في السعودية، مثل محمد عبده، فإنهم يتفاخرون بتأثير التراث اليمني في بدلاياتهم وأعمالهم الفنية بمراحل مختلفة.
وعلى الرغم من ظروف الحرب الإنسانية والأمنية والاقتصادية الصعبة التي توقفت معها الفعاليات الفنية وتفشت حتى القيود والنظرة المتشددة تجاه الغناء في بعض المناطق، إلا أنها فرضت نفسها وأصبح هناك للمرة الأولى ما عُرف بـ"يوم الأغنية اليمنية"، بدأ كمبادرة من نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تقره رسميا وزارة الإعلام والثقافة في الحكومة المعترف بها دولياً منذ العام الماضي. وتصادف المناسبة الأول من يوليو/تموز كل عام.
ويقول متابعون فنيون بان مبادرة يوم الأغنية اليمنية "كانت في البداية ردة فعل تجاه التصرفات الظلامية التي قامت بها مليشيا الحوثي بفرضها قيوداً على فناني الأعراس وحبس بعضهم وفرضها لنمط محدد في إحياء الأفراح، ووصل بهم الأمر إلى منع الغناء وتحريمه في بعض المدن كعمران وصعدة وحجة حيث حواضنهم الأيديولوجية والقبلية".
وهذه المبادرة صارت مع الوقت فعل مقاومة مكتمل بحسب المتابعين، ضد محاولات تجريف ذاكرة اليمنيين الطربية"، إذ بدأ الكثيرون يفتشون عن فنانين مطمورين وأغانٍ منسية وترويج السماع لها"، كما أنه بعد عامين من هذه المبادرة يمكن لأي متابع أن يرى كيف أن التنوع الموسيقي والغنائي في اليمن صار حاضراً وبقوة في فضاء التواصل، وأن مهتمين كثر بدأوا بإتاحة محتويات (أراشيفهم) الموسيقية النادرة للمتابعين".
فعاليات وأعمال فنية
واتخذ الحضور مسارات عدة، بصدور أعمال فنية تجمع العديد من المطربين والمطربات الشباب ومهرجانات في الغالب خارج البلاد، ومع ذلك وجدت طريقها إلى مناسبات محلية، كما حصل في مدينة تعز خلال عيد الأضحى، حيث احتضنت مهرجانا جمع مطربين من مختلف أنحاء اليمن، وللمرة الأولى بحضور فنان وملحن كبير مخضرم وهو محمد محسن عطروش. وبالتزامن مع ذلك شهدت حضرموت عرساً ثقافياً هو مهرجان "البلدة" الذي تتخلله فعاليات غنائية.
هذا الحضور يتجسد أيضاً على صعيد أعمال فردية، حصدت ملايين المشاهدات على موقع يوتيوب ومواقع أخرى، كما هو حال أغنية قدمها المطرب الشاب أيمن قصيلة، الذي اشتهرت إحدى أغانيه وتجاوزت 30 مليون مشاهدة.
"الفن علاج نفسي"
ترى المطربة الشابة رحاب قطابر أن المطرب اليمني واجه صعوبات حقيقية في الوصول بمراحل سابقة، ولكن التحول حدث منذ ثلاث سنوات تقريباً، وقد ساعد في ذلك، شبكات السوشيال ميديا، وترى أن الجمهور اليمني بطبيعته ناقد، إذ يتناول أي أغنية بطريقة ناقدة قد تؤثر كثيراً في المطرب أو المطربة.
والذي يواجه تحديات عديدة، أبرزها العامل المادي، إذ أن تقديم عمل غنائي متميز كما يحصل في دول عربية أخرى، يتطلب تكلفة لا تتوفر لدى المطرب اليمني، كما تقول قطابر.
وعما إذا كان يمكن للفن اليمني أن يؤدي رسالة يمكن أن تسهم في تخفيف معاناة الناس، تشدد قطابر على أن الفن في طبيعته علاج نفسي في الفئات المتضررة نفسياً من الحرب، ومع ذلك، فإن الوضع النفسي والمعيشي الصعب للناس وصل مراحل كبيرة جداً، يصعب الحديث عن معالجتها دون تظاهر العوامل الأخرى.
"لا تطور من حيث النوع"
في المقابل وعلى الرغم من الحضور والذي برز معه المطربون والمطربات والفعاليات، ما يزال الأداء يواجه نقداً، ويرى الناقد اليمني د. قائد غيلان إن "هنالك تزايداً في عدد المغنين، لكن ليس هنالك تطور نوعي، هو في معظمه تقليد للموروث الفني وبطريقة مشوهة"، حيث "لم تشهد الساحة ملحنا مختلفا ولا كاتب أغنية مميز، وليس هنالك حتى أصوات تدهشك، هنالك فنان يزعم أنه يجدد وهو لا يفعل شيئا غير أنه يسرع باللحن ويدخل آلات جديدة، وبدلا من أن يغني وهو قاعد ويعزف على العود، يغني وهو يتقفّز". وبرأي غيلان "ليس هنالك من الأصوات الجديدة تستحق الإعجاب غير ماريا قحطان وفاطمة مثنى، هاتان الفنانتان تسيران بخطى ثابتة وحتما ستحققان شيئا".