منوعات
الزي الشعبي التعزي ..امتداد للجمال والألفة والحضور
قناة بلقيس- هشام سرحان
يستمد مراد قاسم (45 عاماً) الجمال من إرث أسلافه، فيُحيي شجنه وشغفه بالزي الشعبي، الذي كانت ترتديه جدته ووالدته ونساء قريته، الواقعة في أحد أرياف محافظة تعز ، وذلك برؤية ابنته مرام (5 أعوام) بقميص وسروال ينتهي بنقش يدوي وربطة رأس ومشقُر جمعته والدته من نبات "الريحان" و"الكاذي".
وأضحى يدرك أن والدته قد أهدته السعادة بهذا اللباس التقليدي، والذي خلق في نفسه شعوراً دافئاً واستثار في أعماقه قصة جمال معتق وفطري، يتجدد كلما شاهد طفلته بحُلة أكثر إشراقاً وبهاءً، ما يشده لإمعان النظر إليها والاحتفاء بها وكأنها ولدت من جديد.
ويقول لموقع "بلقيس": "أحس بفرحة كبيرة وأنا أرى الانسجام بين ابنتي والزي المتوارث، والذي تربطنا به علاقة حميمة وألفة منقطعة النظير".
ويبدو قاسم كعاشق يلقى معشوقه بعد فراق طويل، فيتحدث كالمُتيم باللباس التقليدي، والذي يعده جزءاً من حياة الشخص وماضيه وذكرياته وموروثه الشعبي، وامتداداً تاريخياً لثقافته وهويته وعنواناً له للمكان الذي وُلد وترعرع فيه.
ويعاني الموروث الشعبي، بشقيه الثقافي والاجتماعي في تعز، تراجعاً يثير قلق المهتمين ومخاوفهم من اندثاره في ظل غياب رسمي ومجتمعي وتدنٍ للجهود والمساعي الرامية لحفظه وتوثيقه، الأمر الذي ينعكس سلباً على حضور التراث الإنساني والشعبي الأصيل، وذلك في مدينة تُعرف ب"عاصمة الثقافة".
*مخاض
وتوارت، خلال السنوات الماضية، الكثير من الأزياء الشعبية، كما تراجع حضورها، حسب ريم الأثوري, التي أرجعت ذلك إلى العادات والتقاليد العصرية والتشدد الديني والإيدلوجيات العقائدية، والتي خلطت بين الدين والمعتقدات الخاطئة، وحالت بين الشخص وذكرياته، كما جعلته ينسلخ عن ماضيه وثقافته.
وتضيف "منذ طفولتنا كنا نشاهد أمهاتنا يلبسن الزي الشعبي بأبهى حلة، وحالياً يصعب علينا إرتداؤه واستدعاء تاريخنا وعقود من البساطة والتواضع وأجواء الريف الجميلة".
وتتعدد في الحالمة الملبوسات التراثية والأزياء الفلكلورية، مُشكّلة حلقة وصل بين الماضي والحاضر، ومسترسلة في تفاصيل حياة مفعمة بالعفوية والروحانية الفريدة والمطرزة بتقاليد وشجون عابرة للأزمنة والأمكنة.
وتعد هذه المدينة غنية بتراثها وموروثها وأزيائها، التي تتنوع و تختلف بين مديرياتها، فضلاً عن المحافظات الأخرى، حسب مصادر رسمية تؤكد على وجود قاسم مشترك بين الأزياء رغم اختلافها.
ويذكر مدير مكتب الثقافة، عبد الخالق سيف، لموقع "بلقيس": "رغم اختلاف الزي الشعبي إلا أن هناك ما هو سائد ومتداول لدى الجميع"، موضحاً "دسمال تعز (ربطة الراس بالنسبة للرجال) والمكونات المرتبطة به هو الزي السائد، والذي توسد وتتوج جميع الأزياء التعزية الرجالية".
وتختلف طريقة ربط "الدسمال"، في شرعب، عن صبر و الحجرية، والتي تتميز بنكهات متعددة ومشهورة على مستوى البلاد.
وفيما تحتفظ بعض الأرياف بزيها التقليدي حتى اليوم، تستنشق المدينة جزءاً من ماضيها رغم انتشار الموضة والملابس العصرية.
* حضور
وعاد مؤخراً "الدسمال" وبقوة إلى واجهة المشهد، وتربّع عليه بعد غياب سنوات، حسب سيف، والذي قال "استطعنا، منذ العام 2017 وحتى اللحظة، أن نعيد الدسمال ليصبح زي الفرحة التعزية، بعد أن كان مندثراً ومنسياً ومهملاً".
"وكان أبناء تعز يفرحون بأزياء المحافظات الأخرى، في حين كان زيهم مغيباً تماماً" والحديث هنا لمدير مكتب الثقافة، الذي نوّه إلى الحضور الكبير للزي التعزي، وتمسك الناس به خلال السنوات الأخيرة، والتي أصبحت فيها الأعراس تستحضر وتجسد التراث الشعبي بشكل جميل وجلي، كما تتوج أفراحها بالدسمال والزي الشعبي، التعزي حد تعبيره .
ويرتدي بعض الأطفال والشباب اللباس التقليدي في المناسبات والأعياد والفعاليات الرسمية والمجتمعية في مسعى لاسترداد إرثهم وكسر نمط الحداثة المُخيم على حياتهم.
ويدل ذلك على عودتهم لهويتهم وتشبثهم بها، ليستهلوا قصة جميلة، وجدت لكي تنموا وتكبر، حسب سيف الذي عرّج على زي المرأة، وتنوعه الكبير واختلافه من مديرية إلى أخرى، رغم تكوينه من: قميص وربطة راس مكللة بالمشاقر والحلي والفضيات.
ويتخذ الزي النسائي تسمية خاصة في بعض المناطق، أبرزها: “عرج النخلة” والذي يتواجد في أرياف مديريات الحجرية، وزي “رجل الحمامة” في مديرية حيفان، و”المدرجات” في أرياف صبر، و”سلاسل المطر” في مديريتي صبر وشرعب، والنخيل في الزعازع، و “غرز الرياحين” وهو زي سائد في معظم الأرياف، طبقاً لباحثين لفتوا إلى أن الزي التقليدي قد يختلف في نطاق المنطقة الواحدة، كما في “بني شيبة” التابعة للحجرية، والتي تتفرد فيها الجهة الشرقية عن الغربية بزي خاص، يُعرف ب"المجدر".
* إمتداد
ويعد جمال الزي الشعبي عابراً لمختلف الحقب الزمنية، إذ يرسم بعد عمر طويل تجاوز مئات السنين لوحة فنية جميلة وغنية بمكنوناتها، والتي تجعل تعز تذهب نحو مهرجان مرتقب للتراث والفنون، ومن المقرر أن يسلط الضوء على ما كان منسياً فيها من أزياء تراثية وغيرها، وهو ما يشير إليه "سيف"، مشدداً على أهمية استعادة كل هذا التنوع والثراء، وذلك في فعالية لم يحدد توقيتها ومكان إقامتها.
إلى ذلك تزدهر تجارة الأزياء الشعبية في تعز، وهي نشاط قديم ومتوارث، كما هي الحال في بقية محافظات البلاد، وخصوصاً صنعاء، التي تزخر بأنواع مختلفة من الموروث الشعبي.
وتعد الأزياء التقليدية صناعة محلية ١٠٠% ، في حين يتم استيراد موادها الأولية من الخارج، وبيعها في الأسواق المحلية كالخيوط والأقمشه، طبقاً ل"أشرف الحارث" وهو صاحب أحد محلات الأزياء الشعبية, والتي تبرّع في صناعتها أسر بعينها، توارثت العمل والخبرة وجودة الإنتاج.
وتعيش معظم الأسر على عائدات صناعة تلك الأزياء، والتي يمارسونها بشغف وبدافع حبهم للتراث، وذلك رغم إمكانياتهم المتواضعة وحاجتهم للدعم، وتوفير المواد الأساسية.
وفيما يملك الحارث محلاً في أشهر سوق شعبية بالمدينة القديمة، يبدي إصراراً عجيباً في مقاومة مغريات الحداثة، كما يحرص على تقديم الموروث الثقافي لليمن بحُلة تليق بمكانته، وتعكس أصالته وجودته وجماله.
ويشير إلى ظهور منافسين جدد، وقيامهم باستغلال إقبال المواطنين الجيد على الأزياء الشعبية، فيحتكرونها ويعرضونها للبيع بالتدريج، كما يستبدلون بعض المنتجات المحلية بأخرى مستوردة ورديئة، وهو ما يقلل من القيمة المعنوية للتراث الشعبي الأصيل.
ويقول الحارث "صارت الأزياء الشعبية في متناول الجميع، وتتوفر بأسعار تتناسب مع القيمة المعنوية والملموسة لكل منتج".