منوعات
بين الخردة والكتب.. معركة يومية للأطفال من أجل البقاء
لم تترك الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها عشرات الآلاف من الأسر اليمنية خلال السنوات العشر الماضية مجالاً للطفولة للاستمتاع بمرحلتها، إذ دفعت تلك الظروف المئات من الأطفال للعمل في جمع الخُردة كوسيلة لمساعدة أسرهم في مواجهة متطلبات الحياة.
في الشارع الرئيس بمنطقة صبر في مديرية تبن بمحافظة لحج، يجمع مريال علي سعيد (14 عاماً) – الذي تسرب من المدرسة – العلب البلاستيكية ويقوم بتجميعها لعدة أيام من أجل بيعها لأحد أماكن الخُردة في ضواحي تبن، وتسليم المال لوالده الذي يعمل هو الآخر حمّالاً في السوق.
يقول مريال: «ما دفعني لهذا العمل هو وضع أسرتي وعدم قدرة والدي على تحمل مصاريف دراستي، خاصة أننا نعيش في منزل مستأجر.
وفي ظل الوضع القاتم والمزري اضطررتُ لترك الدراسة قبل عامين تقريباً، عندما كانت الإضرابات موجودة في المدارس.
وكان بعض زملائي يجمعون هذه العلب البلاستيكية كل يوم من الحوافي والأسواق ويبيعونها نهاية الأسبوع. ويختلف الكسب حسب الكمية التي يتم جمعها؛ فالبعض يكسب في الأسبوع سبعة آلاف، والبعض عشرة آلاف، وآخرون أكثر أو أقل أحياناً، وهذا يعتمد على ما يتم جمعه».
أما محمد عبد الله (15 عاماً)، الذي يقوم بجمع الخُردة من علب بلاستيكية وأدوات ومعدات خارج الخدمة، والذهاب بها إلى أماكن شراء الخُردة، فلم يترك الدراسة مطلقاً.
فهو يرى أن التعليم ضرورة، ويجمع هذه العلب أو المعدات التالفة في المساء أو كلما سنحت له الفرصة.
يقول لبلقيس: «جمع هذه المعدات ساعدني في توفير مصاريف أحتاجها للمدرسة، وخفّف العبء عن أسرتي، خاصة أن والدي يعمل في الجيش اليمني وراتبه غير منتظم، ويتم صرفه بعد عدة أشهر، وهذا دفعني للاعتماد على نفسي من خلال بيع الخُردة».
ويضيف: «العمل بالنسبة لي كطفل مُرهق، خاصة أنني أضيّع أحياناً ساعات على حساب مراجعة الدروس، لكنه أصبح ضرورياً.
ولستُ وحدي في هذا العمل؛ فهناك زملاء آخرون، بعضهم ترك الدراسة وتفرغ له، وبعضهم يعمل ساعات محددة ويبيع الخُردة متى ما توفرت لديه كمية تساعده على توفير مصاريف المدرسة أو مساعدة أسرته».
ووفق مسح أجراه الجهاز المركزي للإحصاء بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في أكتوبر 2023، فإن 29% من أطفال اليمن في الفئة العمرية بين 12 و14 عاماً منخرطون في العمل.
ويُقدّر عدد الأطفال بين 5 و17 عاماً بنحو 8 ملايين طفل وطفلة، وتحتل اليمن – وفق منظمة العمل الدولية – المركز الأول عربياً في عمل الأطفال بنسبة 12.6%.
وبحسب تقارير حقوقية، فإن قرابة مليون ونصف طفل يمني منخرطون في أعمال متعددة، يشكّل بعضها خطراً على حياتهم، فضلاً عن حرمانهم من التعليم.
ويقول الناشط الحقوقي محمد ثابت لبلقيس إن عمالة الأطفال تفاقمت خلال سنوات ما بعد الحرب وتضاعفت خمس مرات عمّا كانت عليه قبلها، نتيجة الظروف الاقتصادية وفقدان آلاف الأسر لمُعيلها.
ويشير إلى أن نحو 13 مليون طفل تعرضوا لصدمات نفسية ونزوح خلال الحرب، وهم بحاجة إلى مساعدة إنسانية، ناهيك عن تعرض البعض للاستغلال من أرباب العمل، والتحرش، ومخاطر الأعمال الشاقة.
ويضيف أن ظاهرة جمع الخُردة بين الأطفال تنامت بشكل لافت خلال العامين الأخيرين، خصوصاً مع انقطاع المرتبات، ما دفع آلاف الأطفال الذين كانوا ينتمون لأسر متوسطة الدخل إلى العمل والاعتماد على أنفسهم، وهو ما يشكّل تهديداً لمستقبلهم الدراسي في ظل انشغالهم بهذه الأعمال.
كما تم تسجيل عشرات الحالات من تسرب الطلاب خلال الفترة الماضية ممن امتهنوا جمع الخُردة، نتيجة غياب برامج حقيقية من المنظمات الإنسانية لاستهداف أسر هؤلاء الأطفال وتقديم المساعدة اللازمة لتخفيف عمالة الأطفال وتوجيه الجهود لإعادتهم إلى المسار التعليمي.