مقالات

أبو الروتي (32)

28/04/2025, 11:40:12

كنت أضيقُ وأتألمُ من كل من يقول عني: أبو الرُّوتي، واعتبرها شتيمة. 

وأحيانا كنت أرد بغضب، وأشتم القائل. 

ومرة سمعت أحد الزبائن يقول لي:  "يا بو الرُّوتي لو سمحت...."، وقبل أن ينهي كلامه انفجرتُ، وقلتُ له، وأنا في حالة غصب:  "اسمي عبد الكريم، وثاني مرة تقول لي يا بو الرُّوتي با (....)".

وخرجت من فمي كلمة سفيهة، وتفاجأ الزبون، وراح يرد على شتيمتي بشتيمة أوسخ منها، وتطور الأمر بيني وبينه، وتحوَّل من تراشق بالشتائم إلى اشتباك  بالأيدي.

وفجأة ظهر أخي سيف، ونحن في حالة اشتباك، وقال لي:

"مالك أنت وهو، أيش في؟!".

قلت: "شتمنا يا سيف". 

قال لي سيف: "كيف شتمك، أيش قال لك؟".

قلت: "قال أننا أبو الرُّوتي".

وراح أخي سيف يوبِّخني، ويقول لي: 

"وايش فيها لو قال لك أبو الرُّوتي!! أنا أبو الرُّوتي، وأنت أبو الرُّوتي، وكلنا أبو الرُّوتي، ومش عيب لما واحد يقول لك: يا بو الرُّوتي، ولا هي شتيمة".

ولم يستطع أخي سيف أن يقنعني بمنطقه هذا، وبقيت على موقفي نفسه هذا، وعندي يقين بأن هؤلاء الذين ينادونني بتلك الطريقة إنما يسخرون مني، ويهزأون، ويعتبرونني أقل شأنا منهم، وأدنى مرتبة. 

وفي الأسبوع نفسه، حين ذهبت إلى دكان جارنا الحضرمي لشراء "جُبنَة كرافت".

قال لي الولد الذي يعمل عنده مستوضحا: "أيش من جُبن تشتي يا بو الرُّوتي؟!".

زعلت منه، وقلت له: "اسمي عبد الكريم، مش أبو الرُّوتي".

وتفاجأ الحضرمي من ردة فعلي، وعندما عرف بأنني أزعل ممن يقول عني: "أبو الروتي"، قال إن على كل صاحب مهنة  أن يفخر بمهنته، لا أن يخجل أو يزعل. 

وقال لي بصوت هادئ ومقنع: "أنت خباز -يا عبد الكريم- تصنع الخبز، ومفروض تفخر بمهنتك، ومهنة أخوك سيف، مش تخجل وتزعل".

وكان لكلامه وقع خاص في الأذن، خصوصا وانه استبدل كلمة "الرُّوتي" الغريبة بكلمة الخبز المألوفة والمحببة. 

وبعد كلام الحضرمي الطيب، تصالحت مع نفسي، ومع مهنتي كخباز، ولم أعد أخجل أو أزعل من كل من يقول عني أبو الرُّوتي، وحتى الذي كان يقولها متهكماً وساخراً كنت أرد عليه، وأقول له: -"أيوه أنا أبو الرُّوتي وأفتخر".

لكن الأمر كان يختلف مع الإناث، وكنت حين تقول لي امراة أو بنت: "يا بو الرُّوتي"، أخجل وأنكمش، وأشعر بأنها تحتقرني، وتعتبرني أدنى مرتبة من أولاد المدينة.

وذات مرة نادتني جارتنا اليافعية، وقالت لي وأنا أمر من جنب باب بيتها:"تعال -يا بو الرُّوتي- ساعدني".

وكانت جارتنا اليافعية امرأة جميلة ممشوقة القوام بطول النخلة، ولو أنها لم تقل لي "يا بو الرُّوتي"، لكنتُ أسرعتُ لمساعدتها، وتقديم خدماتي لها. أما بعد أن سمعتها تخاطبني بتلك الطريقة، فقد رفضت، وقلت لها: "أنا مشغول".

كانت تريد -بمناسبة قدوم العيد- أن تعيد ترتيب شُقتها، وتريد مني أن أساعدها في تحريك بعض الأثاث، وزحزحتها من أماكنها إلى أماكن أخرى داخل الشُّقة، 

وحين قلت لها إني مشغول، زعلت، وقالت لي متهكمة:  "مشغول -يا بو الروتي!! أيش معك من شغل؟!".

قالت لها جارتها العدنية: "أبو الرُّوتي يزعل من اللي يقول علوه أبو الرُّوتي".

قالت لها اليافعية: "وايش تشيني أقول له: يا مهندس.. يا دكتور".

قالت لها  العدنية: "قولي له يا عبد الكريم،  وبس". 

وعندئذ قالت لي بصوت رقيق وناعم: "تعال -يا عبد الكريم- ساعدني".

ولحظتها تبخر زعلي منها، ودخلتُ بيتها، وساعدتها في نقل وتحريك الأثاث من أماكنها، وإعادة توزيعها بما يناسب ذائقتها ومزاجها.

وبعد أن انتهينا، أخرجت لي آيسكريم من الثلاجة، وراحت تشكرني على مساعدتي لها، وقالت لي وهي تضحك:"شكرا لك -يا بو الرُّوتي".

وكانت ضحكتها الذَّ من الآيسكريم.

مقالات

مأرب.. عمود الجمهورية وكابوس السلالة الأبدي

حينما غرقت المدن في سُبات الهزيمة، كانت مأرب المدينة التي لم تستسلم لمراسم الانطفاء. تقاوم لا لأنها أقوى عتاداً أو أوسع عدّة، بل لأنها مشيَّدة من الإرادة، مصنوعة من جوهر الحُرية، ومدفوعة برغبة غامضة لا تفهمها جيوش الغزاة: الرَّغبة في البقاء ككائنات حُرة فوق هذه الأرض.

مقالات

حقوق المرأة في الولاية بين قادة السلف وبناتهم (1-3)

تَناولتُ، قبل بضعة أشهر، ندوة «مؤسسة فريدريش ايبرت»، و«منتدى التنمية السياسية» عن «الأعراف القانونية العالمية والقوانين اليمنية وحقوق الإنسان». وهي الجزء الأول، أمَّا الجزء الثاني من الندوة، فكانَ عن «حق المرأة في الولاية وحقها في الدية».

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.