مقالات

أرض الجبايات…!

16/03/2024, 10:58:00

كتب شاعر يمني كبير قصيدة جميلة عن اليمن بعنوان "أرض المروءات"، وللأسف الشديد أن هذا الشاعر الكبير مات منذ وقت ليس بطويل، ولكن كانت قد بدأت معالم اليمن تتغيّر نحو الأسوأ قبل وفاته.

ولأنه ببداهته، التي لطالما رافقته طوال مسيرته الأدبية والسياسية، استطاع استقراء معالم القادم، وخاصة أنه صاحب مقولة "لكل زمان دولةٌ ورجال"، وأن القادم أسوأ من السوء، فقد كتب في قصيدة بعنوان "معبد الأوثان":
كم تساءلتُ ولم ألقَ جواباً
أين عن أرضي وجهُ الصدقِ غابا
أيُّ أرضٍ هذه لم تُبقِ بها الآثامُ للخير حسابا
شبعتْ كلُّ الحقارات بها
ومضتْ كلُّ الطهارات سغابا
كم فؤوسٍ فوقها جاءت تُعمل في الأخلاق قصلاً واحتطابا
كلَّما قُلتُ انتهى السوءُ عليها تبدَّى هرمُ السوء شبابا
……..
ولذلك اتهام طرف واحد من أطراف الحرب في اليمن بأنه الفاسد الوحيد أصبحت تهمة لا تنطلي على أحد، فقد انخرط الجميع في الفساد والإفساد والجبايات بشكل يفوق تصوّر أي عالم اقتصاد أو عالم اجتماع.
فقد اتضحت الحقائق، وأننا كشعب يمني ككل، وأرض يمنية قد وقعنا في فخ لن نستطيع الخلاص والفكاك منه بسهولة، أو في بضعة أعوام، بل أجيال.
لقد نسي العالم اليمن، وتركوه لمصيره الأسود، ولقد نسينا الله بعد أن نسينا أنفسنا وحقوقنا، نحن اليوم شعب مستسلم للمظالم بأنواعها وأنماطها..
لايمر يوم إلا وهناك ابتكارات جديدة لسحق هذا المواطن اليمني الغلبان، وهذا الشعب المسكين الذي قُدِّر له أن يدفع بلا توقف، ولا يمل من الدفع لجميع الظالمين، سواء كانوا في الشمال، أو الجنوب، أو الساحل، أو الشرق، أو الغرب، بل ويدفع التاجر اليمني لطرفين أو أكثر  في وقت واحد، والضحية دوما هو المواطن المطحون والمسحوق والمكبّل بكل قيود القوة والديكتاتورية والعنجهية والبلطجة.
جبايات لا تنتهي ولا تتوقف، ولعل الأسابيع الماضية كانت حُبلى بفضائح وزير ما يسمى بالتجارة والصناعة، أو وزير الفرزات، وعلى العكس زادته هذه الفضائح مكانة إلى مكانته، ورفعت من شأنه، وتمثل ذلك في حفل تكريم كبير أقامته الهيئة العامة للزكاة - وهي أكبر ثقب أسود  للجبايات - لتكريم أكبر عدد من رموز ورؤوس الفساد،  ومنهم وزير الفرزات، الذي أباح للجميع الاستيلاء على وكالات الجميع.

نعود هنا للشاعر الذي أعاد صياغة بعض ما كتبه في الوطن بأثر رجعي، في أواخر أيامه هكذا:
هذه الساحةُ ليست ساحتي إنْ فشى السوءُ بها واستعلنا.
هذه الرايةُ ليست رايتي طالما كانت لحقٍ كفنا
هذه الأمةُ ليست أمتي ما جثى الرفضُ بها أو أذعنا..

وهي أبيات فيها ما يُسمى بالمعادل الموضوعي لتلك الأبيات الخالدة التي تقول:
رايتي رايتي .. يا نسيجاً حكته من كلِّ شمس
أُخلدي خافقةً فوق كل قمة
أمتي أمتي امنحيني البأس يا مصدر بأسي
واذخريني لك يا أكرم أمة
وحدتي وحدتي يا نشيداً خالدا يملأ نفسي
أنت عهدٌ عالق بكلِّ ذمَّة

لكن نباهة الشاعر عبد الله عبد الوهاب نعمان أنه لم يمس إيمانه بالوحدة اليمنية، ولكنه قرأ المستقبل بعين الشاعر السياسي المحنك، وأن انتكاسات الوطن ليست مستبعدة بحال من الأحوال، ولكن العودة إلى الحق والعدل والجمال هي مسألة وقت وزمن ورجال.

واليمن اليوم يعيش أبشع ما يمكن تصوره، أو تسميته بالحياة السياسية، وقد صار ممزَّقاً  مقطع الأوصال، ولعل آخر محاولة حدثت من أجل ربط الوطن ببعضه هو ما حدث في دمت والضالع قبل يومين،  ومحاولة فتح طريق صنعاء - عدن ورفع المعاناة عن الناس من الطرفين، ولكن اتضحت حقيقة جديدة كليا، وهي أن هولاء الذين كانوا يتصلبون أمام فتح الطرق تحولوا إلى حملان وديعة، وتلك المليشيات في الانتقالي وغيرها، التي كانت تدعو في أدبياتها إلى فتح الطرق، كشَّرت عن أنيابها…
وكذلك الأمر..
حيث يتضح للجميع أن الجميع متواطئون في معاناة اليمنيين، ومستفيدون من استمرار الحرب والحصار وقطع الطرق.

وليس أدل على ذلك من جيش تحرير تعز، أو ما يسمى تنكيتا وتبكيتا ب"دولة المقر" إلى نقاط جبايات ومجموعة عصابات للاستيلاء على أراضي الناس، واحتلال الأسواق، وتقاسم أسواق القات، والتقاطعات، والنقاط، ومنافذ الجبال والوديان، وترك التحرير في شارع التحرير.

ولعل الفوضى والفساد، الذي يضرب تعز، وغياب الأمن والأمان لأكبر دليل على أن الشعب وقع في أكبر كمين للصوص وتجار الحروب.

مقالات

الرؤية الرومانسية للمصير...!

"يبدو المجال واسعًا لدراسة الشعر الذي ارتبط بالمصير الإنساني، والتعرف على وجود رومانسيته باعتبار الموت أحياناً يكون ملاذاً آمناً أكثر من الحياة، وهو ما أثبتته الحروب والصراعات والأمراض اليوم، وكما قال المتنبي: كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكُنَّ أمانيا".

مقالات

عندما يكون اليمنيون مجرد كرة!

لا شيء يشير إلى أن اليمنيين يتحرّكون بمحض إرادتهم. لا السلام يتدحرج إلى الأمام ضمن مسار أولويات يمنية، ولا الحرب وضعت أوزاها تحقيقاً لرغبة ومصالح داخلية.

مقالات

حكاية غرام

كان الوقتُ عصراً، حين انتهى أعضاء فريق المشي وتسلّق الجبال من تناول طعام الغداء في مخيمهم، الذي أقاموه عند منابع المياه الدافئة في "عيون سردد" بمحافظة المحويت.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.