مقالات

استباحة العرب بأموالهم!

11/09/2025, 07:41:40

عندما قرر ترمب القيام بأولى جولاته خارج الولايات المتحدة الأمريكية بعد إعادة انتخابه، أطلق ما يشبه الإعلان التجاري. تجاهل كل بقاع العالم، ومدّ بصره حصراً إلى منطقة الخليج العربي، ثم أدار إسطوانته: إذا أرادت الرياض أن تكون وجهة الزيارة الأولى، فعليها أن تستثمر 400 مليار دولار.

جاءته الإجابة أسرع من ارتداد صوته: لماذا 400؟ لتكن 600 مليار، ثم صارت إلى أكثر من تريليون دولار بعد تناول القهوة!

لم يكن أحد حريصًا على زيارة ترمب الأولى بعد انتخابه. معظم قادة دول العالم ينفرون منه، يشعرون حياله بالغضب وربما بالكراهية، ولا يريدون رؤيته يتنفس. أحدث الرجل ما يشبه الفوضى في العالم: أطلق سلاح التعرفة الجمركية في كل اتجاه، معيدًا تشكيل وهيكلة علاقات بلاده الاقتصادية مع العالم، وفي منطقتنا أطلق يد إسرائيل في حرب إبادة مفتوحة على غزة، واستباحة سماوات عواصم، وانتهاك سيادة دول وشعوب.

وحدها منطقة الخليج افتتحت ما يشبه المزاد: ثمن الزيارة الأولى تجاوز تريليون دولار. في الزيارة الثانية، كانت الإمارة الخليجية تود الفوز بقلب ترمب، فزادته إلى تريليون و200 مليار، أما الوجهة الثالثة، فقد كانت صوب عاصمة أخرى رأت أنها ستبدو في موقع أقل ولهاً بالأشقر، فصعّبت المهمة على أي "محب" آخر، ورفعت السقف إلى تريليون و400 مليار دولار!

مع ذلك، يبدو أن قيمة الصفقات المعلنة لم تشمل كل ما أبرمه ترمب مع الدول الثلاث.

وهو على ظهر طائرة العودة إلى بلده، صرّح الرجل مستعرضًا قدرته على جلب الأموال بصورة خاطفة.

قال ترمب: إن جولته السريعة عوّضت خسارة الولايات المتحدة في أوكرانيا بـ12 ضعفًا!

لاحقًا، قال إن مقدار ما جلبه من الدول الخليجية الثلاث يزيد عن 5 تريليون و300 مليار دولار، فتضاعفت الأضعاف!

أيّ متابع للوضع في المنطقة سيعتقد أن ضخامة هذه الأموال التي تُضخ إلى الولايات المتحدة الأمريكية لا تعكس الحاجة الحقيقية لهذه الدول في تنويع استثماراتها كما قيل، بل حاجتها الملحة للأمن في منطقة تغلي بالصراعات. هي بحاجة لذلك فعلاً، لكن هذه الطريقة أثبتت أن نتائجها عكسية، وأنها تفتح باب التهديدات أكثر من الحصول على الأمن، من الحلفاء قبل الأعداء.

ترتبط هذه الدول عمليًا مع الولايات المتحدة الأمريكية باتفاقات أمنية وعسكرية ثنائية. غير التزود بأنظمة الدفاع الجوي الأمريكية الأكثر تطورًا ومختلف الأسلحة الأخرى، تتوزع على الدول الخليجية، بتفاوت، قواعد عسكرية أمريكية، بعضها يُعد الأكبر في العالم.

وجود هذه القواعد له تأثيرات كبرى على القرار السيادي لأي بلد، لكنه في حده الأدنى يمكن أن يمثل مظلة حماية للتهديدات القادمة من خلف الحدود، وحتى الداخلية منها.

في عهد ترمب، صارت هذه القواعد أكثر إلى عبء خالص. لا تقدم منفعة للدول التي تحتضنها، كما أن الصفقات المُبالغ فيها لا تدفع أمريكا للوفاء بالتزاماتها، بل للجشع أكثر مع حلفائها المفترضين، والمزيد من الإخضاع والابتزاز!

أثناء فترته الرئاسية الأولى، لم يكد يمر وقت طويل على إبرامه صفقة مع ولي العهد السعودي بقيمة 450 مليار دولار، حتى أعطى ظهره للرياض في ذروة الهجمات التي استهدفت منشآتها النفطية الاستراتيجية، وأظهرت هشاشتها الدفاعية.

ما حدث مع الرياض، حدث بصورة ما مع أبوظبي، رغم انخراطها في ملفات كبيرة لخدمة استراتيجية واشنطن في المنطقة.

أما أحدث مثال على التخلي الأمريكي عن "الحلفاء"، فهو الهجوم الإيراني على الدوحة ردًا على القصف الأمريكي للمنشآت النووية لطهران. حيال هذا الهجوم، بدت أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، أشبه بمكان مهجور لم تنطلق منه رصاصة واحدة، رغم وجود واحدة من أكثر أنظمة الدفاع قوة في العالم.

في هذه الواقعة، قايضت أمريكا أمنها ورغبتها في التهدئة مع إيران، بأمن قطر!

وإذا كان الأمر قد حدث بهذه الصورة من التنكر مع التهديدات الإيرانية السابقة واللاحقة، فكيف ستتصرف مع ربيبتها التي تمدها بكل أسباب الفتك والإفناء والتوسع: إسرائيل؟

العدوان على الدوحة لا يبدو أنه سيكون آخر ما يفعله هذا الكيان اللقيط في عالمنا العربي المستباح.

في أعقاب العدوان، قال مسؤول إسرائيلي إن الهجوم على قطر رسالة لجميع دول المنطقة.
المعنى: أن كل دول المنطقة بلا استثناء، من يرفض التطبيع والمطبع، باتت تحت رحمة تل أبيب، التي أخرجت خريطة إسرائيل الكبرى من الأدراج ووضعتها على الطاولة.

من المهم الانتباه إلى أن هذا الهجوم وقع في وقت لا تبدو فيه قطر أكثر من وسيط، يلعب دورًا بطلب أمريكي ورغبة إسرائيلية أيضًا، في التفاوض مع حماس بأمل إنهاء الحرب الوحشية على القطاع.

وطوال السنوات الماضية، لم تكن أدوار الدوحة خارج المتاح لها أمريكيًا.

مع ذلك، لم يفكر ترمب بعواقب الغدر الذي مارسه بحق دولة "حليفة" لا زالت أموالها الساخنة تتدفق إلى محافظه المالية!

توقع الرجل أن الأمر لا يحتاج أكثر من سحنة وجه مخادعة، وتصريح كاذب، وكل شيء سيمر.

في ذروة المذبحة الصهيونية، ظنّ ذوو النوايا البيضاء أن هذه الأموال الخليجية الضخمة التي سلبها ترمب في جولته الخاطفة، ربما توظفها هذه الدول للضغط على تاجر العقارات الجشع، لإيقاف الحرب على غزة.
على النقيض من ذلك، تبيّن أن هذه الأموال لم تمنع الهجمات عن هذه الدول نفسها على يد شركاء حلفائها!

في إطار هذه العلاقة غير الطبيعية، لا ترى أمريكا أنها تحصل على هذه الأموال تجسيدًا للشراكة كما تفعل مع دول أخرى في العالم، بل كغنائم.

ستذهب الأموال الخليجية لتمويل مصانع الأسلحة، وشركات التقنية، والذكاء الصناعي الهائلة، وستعود إلى المنطقة على هيئة قنابل ضخمة، وبرامج تجسس، وأجيال جديدة من الذكاء الصناعي الذي سيدير أشكالًا أكثر حداثة من الحروب ضدنا، وسنكون نحن ضحاياه.

الآن وقد تجلّت الصورة، تبدو هذه الأموال، بالنسبة لأمريكا وإسرائيل، بمثابة دعوة لاستباحة البلدان الغنية نفسها، والإغراء بتجريب آخر ما أنتجه العقل التدميري فوق رؤوس شعوبنا مسلوبة الإرادة، بأموالنا!

مقالات

لا تصدقوه.. هذا يكره جمال عبد الناصر (سيرة ذاتية 12)

في صباح اليوم التالي خرجتُ من اللوكندة وأنا بدون نوم. وبعد أن فطرتُ في "مطعم النجاة"، ذهبتُ إلى مقر رئاسة الأركان لتقديم المذكرة بخصوص ترقيتي من عسكري إلى رتبة رقيب. وعند وصولي، كان هناك زحامٌ شديد، وجميعهم بالبدلات العسكرية

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.