مقالات
أشياء لا تُشبه نفسها!
إذا جرجرتْ الحرب أذيالها، وأظهرتْ لك من عوراتها وأنذالها، ما يهيب له الإنسان ويشيب له الولدان، فأبشر بموت حياة واندحار حضارة، واعرف أن كلَّ مكسبٍ يومها محضُ خسارة.
تجيء القبائل إلى موائد السلطان، فتنزع - عند عتبة الباب - مقبض السيف ومربض الكرامة. وحين تجلس إلى صولجان العرش، لا تتكلم لغتها البتة، ولا تتكئ على تراثها..
حينها، السلطان وحده يتكلم اللغة التي يريد ويجيد، وهو الذي يتكئ حينها على رؤوسهم.
لا قطرة ماء في وجه فارس قايضَ خيله بتويوتا، وباع رمحه بدرهم فضّة، ونزع عنه بدلة الحرب ليلبس كلسوناً أحمر اللون بشراشيب صفراء..
ولا يُسمى الميدان ميداناً إلاَّ إذا ازدحم بالأفراس وممتطيها، وإلاَّ فإنه ساحة "سيرك"..
ولا يكون البحر بحراً إلاَّ إذا خاضت فيه السفين، وإلاَّ فهو حمَّام سباحة أو "بانيو".
يقولون: احذر، فإنّ الأرض مزروعةٌ بالشِّراك..
يقولون: حاذر، فإنّ الخطر يحوم في ذرّات الهواء..
- الحذر ولا الشجاعة..
- لا حذر مع قَدَر!
ويستمر الموّال.. ويتكرّر المنوال..
ورحم الله مخترع الحرف.
كلما أطلقتُ ضحكةً، قهقهتْ مدافع الجهل، وتشظّتْ في الآفاق قنابل الرعونة.
وكلما أطلقتُ صافرتي للريح، نعقتْ أسراب الغربان، ونعبتْ طوائف البوم، ونقنقتْ ضفادع المستنقعات.
وكلما أطلقتُ نكتةً ساخرةً، أطلقتْ جيوش قراقوش نابالم الحقد وسيانيد التخلف.
إنني أطلقُ الكلمة والبسمة، وهم يُطلقون ما في جوفهم من قيح وغُثاء قبيح.
إنني أنسجُ سخريّتي من رُقَع الفاقة وأسمال العدم، وهم ينسجون نهايتهم الكالحة من ذنوبهم وأذنابهم.
إنني أدّخر حزني لأُذخّر مُزني، وهم يدّخرون كآباتهم ليُذخّرون نكباتهم.
وفي آخر الشوط..
أكونُ في موقع الصدارة.. ويكونون في أسفل درك الانحطاط.