حسن عبد الوارث
كاتب وصحفي
كاتب وصحافي يمني من مواليد عدن في 1962. درس الفلسفة وعلم الاجتماع، ثم الصحافة. عمل في عدة صحف ومجلات منذ 1977. له عدة كتب في الصحافة والسياسة والأدب
كاتب وصحافي يمني من مواليد عدن في 1962. درس الفلسفة وعلم الاجتماع، ثم الصحافة. عمل في عدة صحف ومجلات منذ 1977. له عدة كتب في الصحافة والسياسة والأدب
يمتاز المثقف عن السياسي في مضمار التعاطي مع القضايا العامة (القضايا المتصلة بالدولة والمجتمع) أن السياسي قد يُغلِّب حالةً من الديماغوجيا أو البراجماتيا في اتخاذ هذا الموقف، أو إبداء ذلك الرأي تجاه هذه القضية أو تلك المسألة، أما المثقف فالمتوقع منه، أو المفترض فيه أن يكون أكثر احتكاماً إلى صوت العقل والضمير في مواقفه وآرائه؛ لأنه أكثر التصاقاً بالغالب الأعظم من الجماهير من جهة، ومن جهة أخرى يكون أكثر قلقاً وحذراً تجاه أحكام التاريخ والأجيال بهذا الصدد.
كان العرب يضعون الكتاب في مرتبة رفيعة من الاهتمام والتوقير.. حتى جاء عصر صار فيه العربي إذا شرع في دخول المستراح، أخذ معه كتاباً للمؤانسة.. ثم بعد أن يشد ذراع السيفون، ينسى الكتاب هناك.
في التاريخ - القريب منه والبعيد - يتقاتل كل الخصوم والأعداء، لزمنٍ طال أو قصر، ثم يلتئمون حول طاولة الحوار بُغية الوصول إلى نقاط الحل أو سبيل الوفاق.
كان الكهنة في الأديان القديمة - ولا زالوا - يخاطبون أتباعهم، أو أتباع دياناتهم، لا فرق، باِسم الله (اللات، الرب، الإله، القدير.. الخ) في كل الأمور المتصلة بالأرض والسماء على السواء، وفي أمور المعيشة وشؤون الناس وعلائقهم.
منذ أن عرف أبو يمن لعبة السياسة وهو يزاولها في غير ملعبه، بل في ملاعب مملوكة للآخرين!
نشرع في قراءة الوثائق والأدبيات السياسية التاريخية، التي خلّفها لنا روّاد الفكر السياسي والمؤرخون وزعماء الوعي الوطني والقومي والإنساني، ثم نحفظها في إضبارة التاريخ إلى حين يأتي موعد القراءة التالية، إنْ لم نرمِها أصلاً في مزبلة التاريخ كما هو ديدنُنا!
فَقدَ العيد نكهته وفرحته في هذا البلد، في ظل تكالُب آثام الحرب وآفات الوباء وهجمات الطبيعة. وفاحت رائحة الموت في الأرجاء، وصارت في كل بيت نائحة، وسادت مشاهد الجنائز والمقابر والبكاء.
قد تُقابِل شخصاً محدود التعليم، أو ربما لا يقرأ ولا يكتب، لكنك لا تستصغر مقامه لديك، أو تحطّ من شأنه.
كان أجدادي القدماء يحرصون على أن تظل أسرارهم تكتنف ثلاثة أمور في حياتهم على نحوٍ حتميّ مطلق: ذَهَبهم.. ذِهابهم.. ومَذْهبهم. أما أنا فلا ذهب لي، ولا مذهب. وأما ذهابي فلا يأتي ولا يذهب، وإنْ كان، فلا يؤول إلى نفعٍ على الإطلاق.
أدري أن القضايا والموضوعات المرشّحة للكتابة كثيرة، بل غزيرة، أو كما يُقال بالعامية: "أكثر من الهمّ على القلب".. ولذلك، لن يعدم كاتب أو راغب في الكتابة، أو كل من تحكُّه يده للقبض على لجام القلم والشخبطة به، موضوعاً للكتابة مما تتقافز من موضوعات حواليه.
للمدينة ذاكرة لا تمحو ولا تُمحى؛ ذاكرة المكان والزمان والناس والأشياء والمشاعر والألسنة.
لطالما ردّدتُ أنني لا أخشى السلطة بقدر خشيتي من كلابها! وعلى القارئ الكريم أن يستبدل مفردة الكلاب بأية صفة أخرى يراها ملائمة. ولعلّ من الأمثلة الساخرة على هكذا صورة مقيتة:
حين خلق الله المرأة جمعها - لأسبوع ويوم - في قنينة السماء، ورشّ عليها عطراً وخمراً وماء.
وحده جيش الأرامل والثكالى واليتامى سيقود هذا البلد عمّا قريب؛ لأنه وحده المتبقّي في شرفات الانتظار، وطرقات الانكسار، ومنعطفات الرجاء الذابل كأقحوانة الملح.
يومَ أعلن علي سالم البيض بيان الانفصال، في خضم حرب صيف 1994م، تنصَّلت جُل - إنْ لم يكن كل - قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي عن مسؤوليتها تجاه هذا الإعلان المقيت، الذي لم تقوَ حُجَّته أمام كل ذي عقل بأنه كان اضطرارياً، كما حاول البعض الزعم به يومها، إذْ لم يجرؤ أحد على القول إنه يتفق مع مشروع الانفصال.
قرأتُ مرةً لكاتب مصري شهير أن هذه الظاهرة لها جذور في السيرة السياسية الفرعونية؛ فقد كان كل فرعون يأتي إلى العرش يقوم بالاستئثار بالمجد كله لنفسه دون سواه من الأسلاف، وربما شوَّه تاريخ أولئك، ومحا آثارهم في السياسة والاجتماع والفن، وغيرها من ميادين الحياة العامة.
عندما تُقرَع أجراس القيامة.. ويتنادى العشاق إلى الصراط المُفترَق بين السلامة والندامة، حينها اكتبي بدمي على الجدار الأخير في اِيوان الرب:
ذات يوم، ظنّ الثوار اليمنيون (في أكتوبر جنوباً، وفي سبتمبر شمالاً) أنهم يقطعون بشكل حازم جازم في تشكيل لوحة التاريخ السياسي اليمني الحديث والمعاصر، غير أنهم كانوا مُخطئين تماماً.
وفي الحروب تزدهر أمور وأحوال كثيرة، تكون بمثابة حقول تجارب ومرايا اكتشاف لعلماء النفس والتربية والاجتماع.
إنهم يعتذرون عن عدم قدرتهم على صرف راتبك، أو نصفه، ثم يصروُّن على الاستمرار في حكمك، برغم أنهم يقدرون، وهم يدرون أنهم يقدرون، وأنت تدري أنهم يدرون أنهم يقدرون، والعالم كله يدري.
لا تستطيع حين يحضر اسم الأستاذ عمر الجاوي إلاَّ وتتواتر قُبالتك مفردات جمَّة، أبرزها: الوحدة اليمنية، اتحاد الأدباء، مجلة الحكمة، حزب التجمع، حصار صنعاء، وأسماء مثل: د. عبدالرحمن عبدالله، حامد جامع، القرشي عبدالرحيم، حسن الحريبي، أحمد كلز، عبدالله العالم وآخرين.
لا أدري من أين يأتي البعض بكل هذا التفاؤل أو الأمل في انفراج كرب الحرب في زمن قريب؟ لا المعلومات ولا الأخبار الصحيحة تُشير إلى ذلك البتة.. ولا المؤشرات والتجليات تُفصح عن هذا التفاؤل.. ولا المقدمات ونتائجها تقول بصواب ذاك الأمل.. ولا أية علامات أو شواهد على الإطلاق!
لا يزال العرب يُثرثرون عن ماضيهم التليد. وأظنهم سيظلون على هذا النحو إلى يوم النشور. فليس لدى بني يعرب غير التغنِّي بأمجاد الأجداد، بعد أن عجزوا عن تحقيق ما يستدعي الفخر، ويستوجب الاعتزاز.
كان من المفترض أن أكتب اليوم شيئاً عن سيرة الدم في اليمن.. أو عن بروفايل القتل في عدن.. أو عن دفتر الذكريات الكئيبة جداً إلى الحدّ الذي لا يوصف.. فاليوم تحل الذكرى 38 لمذبحة 13 يناير.. هل لا يزال أحد يتذكرها؟
يشاء الشتاء أن يأتي خلسةً كضيفٍ غير مدعوٍّ إلى المأدبة، أو كقَدَرٍ ثقيل الخطوة وكئيب المنظر، أو كخبرٍ يُنبئ بكارثةٍ فادحة.
من أين جاء كلُّ هذا السُّخام؟ من بؤرةٍ سوداء في ضميرنا، أم من نوايا كالحةٍ لدى الحُكَّام؟
لغتنا العربية هي أكثر اللغات تحدُّثاً ونطقاً بين مجموع اللغات السامية، وإحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم، وإحدى اللغات الرسمية الست المعتمدة في منظمة الأمم المتحدة، وهي لغة مقدَّسة باعتبارها اللغة التي نزل بها القرآن.
لم أكن أظن أنني سأعيش بين قرنين.. القرن العشرين، قرن الثورات والحروب.. والقرن الحادي والعشرين، قرن الثورات والحروب أيضاً.. وما خفيَ منه - وفيه - أعظم!
حين ألتأمنا - نحن الصحافيين اليمنيين - يوم 9 يونيو 1990 في صنعاء؛ لنعقد المؤتمر التأسيسي (أو التوحيدي) لنقابة الصحافيين اليمنيين، عقدنا العزم (مجموعة قليلة من منتسبي نقابتَيْ الشطرين) على عرض مشروع قرار على المؤتمر للموافقة عليه وإصداره، ولم نكن نتوقّع أنه سيؤلّب علينا سخط السلطات..
حياتنا نصفها سياسة ومشكلاتها، ونصفها الآخر دين وتلاوينه. ما دون ذلك "شغمة" من التوافه والتوابل والتوابع، التي لا تُسمن ولا تغني من جوع.
صحافة هذي البلاد مثل جدار مستشفى الثورة العام، مَن جاء كَتَب.. وسُلطة هذي البلاد مثل حمار الحاج سعيد بن سعيد، مَن جاء رَكَب..
فرملْ خُطاك يا صديقي، الجمْ جموح لهاثك واغلق صنبور خطاياك.. فجميع السلطات في هذا البلد عاهرة، وعهود الحكام عابرة، غير أن عبور الحكام في هذا البلد يكون دائماً على كومة من الجثث، قد تكون بينها جثتك!
لا يوجد زعماء عرب على الإطلاق. مجرد حُكّام. محض بيادق. يُحكى أن جمال عبدالناصر كان الزعيم العربي الوحيد الذي راح وانقضى، حسب الست نجاة.
برز دُهاة كثيرون بين العرب، منذ ما قبل الإسلام، ليس في الجزيرة العربية وحدها، بل في شتّى البلاد. غير أن قليلين هم الذين خلَّدتهم كتب التاريخ كمثال أنموذجي على حدَّة الذكاء، أو شدَّة الدهاء، أو التفوق في سرعة البديهة، وصواب الأحكام.
لم تكن نكبة اليمن وأهلها يوماً في لحظة دين أو ومضة دنيا، ولا في ابتلاء سماء أو عناد أرض، ولا في فيضان نهر أو بركان جبل، ولا في انهيار سدّ أو دمار حاضرة، ولا في انكسار جيش أو انحسار مجد، إنما كانت في عرشٍ مأبون مأفون، استعلى فوق الوطني، واستحلى تحت الأجنبي!
في كُتب التاريخ، ووثائق الأجهزة، وذاكرة الشعوب، تتضارب المعلومات والتحليلات حول أحداث ووقائع الفترات الماضوية في حياة الدول والمجتمعات، وعلى وجه الخصوص والأهمية: فترة الاحتلال الأجنبي.
في بلد ما، في زمنٍ ما، توافرتْ حكومةٌ ما على منظومة مراقبة لشعبها بالصوت والصورة، آناء الليل وأطراف النهار.
تعرَّفتُ ذات يومٍ بعيد إلى بحار يوناني، كان يعمل على متن باخرة ترسو في ميناء عدن كل بضعة أشهر.
كان ثمة شاب ينتمي إلى الحزب الحاكم في ما كانت تسمى بدولة "الاتحاد السوفياتي"، حتى أوائل العقد التسعيني من القرن المنصرم، تحت مسمى الحزب الشيوعي.
على مرِّ التاريخ، انتحر عديد من الأدباء والمفكرين والعلماء والفنانين وسواهم من المثقفين والمبدعين في شتى بلاد الشرق والغرب؛ احتجاجاً أو إحباطاً أو تعبيراً عن موقفٍ ما تجاه سوءات المجتمع أو سقطات الفكر أو أحقاد البشر، أو سواها من حالات شواذ الفكرة، أو شُذَّاذ الأفق.
1 - لا أظن أحداً قضى عمره - أو ردحاً منه - في صنعاء، في إمكانه أن يعشوشب ذهناً وفضاء مع أعمال أرنست هيمنجواى أو حنَّا مينا. فصنعاء جبل بلا بحر، ورصيف بلا ميناء. بَيْدَ أن المرء في عدن - مثالاَ - أو الحُديدة أو المُكلاَّ، لقادر على أن يعيش أجواء تلكم الروايات التي نسجها هذان الروائيان من رمال الشاطئ وأصدافه، وزَبَد البحر وأمواجه، وصدى العاصفة ينشقّ في قلب المحيط الهادر عن عروس أُسطورية تنام على ضفافه الدافئة، مزدحمة برنين الذكريات وأنين الصواري وحنين العذارى.
منذ ما قبل جاليليو الأرض دائرية، بحسب جاليليو.. والكرة تدور، بحسب بيليه.. والدنيا دوَّارة، بحسب جِدَّتي زعفران. والدوران بالضرورة يعني الحركة، لا السكون.. حركة الزمان والمكان والبشر والأحداث.
في لحظة فارقة، بالغة الجبروت في صِدَاميتها بين جمرة الذات ورماد الواقع، أقدم الأديب الفيلسوف الفذّ أبو حيان التوحيدي على تكديس كتبه وأوراقه ومخطوطاته في كومة واحدة، ثم أضرم فيها النار!
في زمن مضى ، كنا نجد متعة في المناكفات والملاسنات التي تنشأ بين المثقفين . كان زمناً هانئاً .. وكان يمناً هادئاً .. وكنا نطرب لمثل هذه الصغائر - التي تبدو كالكبائر حين تبدر من المثقفين ! - من منطلق كسر الرتابة وهدم السأم .
الصينيون اليوم يكتسحون العالم عبر الذكاء الاصطناعي الذي يحذّر منه رُوّاده وعباقرته قبل الآخرين وهو الخطر الفادح الذي يهدد البشرية بزوالها تماماً
أبتلانا الله بموقع طبيعي إستراتيجي يُغري الغُزاة ويُسيل لُعاب اللصوص فاستحالت النعمة لدينا إلى نقمة
أَتعرف يا صديقي من هو ذاك الذي جاء اليوم ليُعلّمني ويُعلّمك معنى الوطنية؟ طبعاً لا تعرفه؛ لأنه نكرة: صفرٌ صغيرٌ قَصِي على شمال الأفق البعيد.
ليس أخطر من الكتابة الساخرة، مثلما ليس أعسر من الكتابة عن السخرية. والسخرية - التي أقصد - ليست تلك الفكاهة التي لا تزيد عن كونها مبعثاً للضحك فقط
في الإعلام - اليوم - تتجلَّى مشاهد الحياة اليومية النابضة بأنفاس الناس والإحساس بقيمة اللحظة الفارقة بين الحلم والواقع، أو بين الذات والآخر.. أو اللحظة الكامنة بين تخلُّق الفكرة واكتمال الرحلة، في كل زمان ومكان، وفي كل حدث وحديث.. للصورة موقع الصدارة.
كثير من قضايانا ومشكلاتنا ومفاهيمنا وقوانينا وآرائنا ومعتقداتنا تنام على سرير بروكرست
أصدر الصديق الشاب صقر الصنيدي - مؤخراً - كتاباً روائياً، لم أستطع الحصول عليه؛ لأنني أقيم في بلد كالجزيرة المعزولة عن العالم. وفي هذا البلد - الجزيرة لا تصل الكتب؛ ولكن تصل كل صنوف البضائع الممنوعة والمُتاحة، المُحرَّمة والمُباحة: المخدرات والشعارات، الخمور والسجائر، الإرهاب والملابس.
1- كم يخذلني قلمي كثيراً، مؤخراً.. وكم يفتُّ في عضدي، كلما هممت بالكتابة في شأن يتصل بالهمّ العام أو التراجيديا التي تعصف بالبلد والناس.
أحتاجُ إلى فُسحةٍ من التبصُّر الذاتي، أو قَدْرٍ من السلام الروحي، لتبيان الفرق بين الوطن والوثن، فقد تشابه الوطن عليَّ (أَمْ تُراه تشابه الوثن!) حتى بات الأمر ضرباً من الهُلام المتداخل بين قرص الشمس المجوسية وروث البقرة الهندوسية، يسقط هذا في نتن ذاك، أو ينأى هذا في الوعي ليصبح في هيئة ذاك في الوجدان!
عدن، مدينة قديمة قِدَمَ التاريخ، رابضة بين البحر، الذي همدَ هيجانه والجبل الذي خمدَ بركانه.
سمعت عن شيخ قبيلة يمنية كان لا يمتلك الأراضي والعبيد والحيوانات فقط، بل كل شيء.. كل شيء، بلا تحديد ولا تمييز!
هذي اعترافات يُمكن نشرها من دون حرج ولا خدش، لا للذات ولا للآخر، برغم حصارنا بكثير من التعقيدات التي تكتظ بها القواميس والنواميس معاً: لم أعُد أكتب الشعر. ولا عادت تهمُّني الفلسفة، ولا تجذبني السياسة، ولا تهُزُّ خيالي الرواياتُ ولا السير الذاتية. وأنا لا أفهم قدراً كثيراً - ولا حتى قليلاً - في الفن التشكيلي، ولا أعرف التفريق بين مدارسه ومناهجه، فيختلط عليَّ الكلاسيكي منها بالواقعي، والرومانسي بالتجريدي، والرمزي بالتكعيبي، والسوريالي بالانطباعي، وهلُمجرَّا.
خلال الأعوام الثمانية الماضية، وجدتُ ستة من أساتذتي، إما يموتون بالسكتة القلبية أو الدماغية، وإما ينكسرون عميقاً في أغوارهم النفسية أو العصبية، وإما يشحذون في الطرقات أو المقاهي أو على موائد اللئام
لا أذكر فترة طال أمد استقرارها وازدهارها في اليمن - منذ ثورة 1962 واستقلال 1967 - من دون أن تُعكّر صفوها أحداث وحوادث ومشاهد الدم والبارود!
مات شيخ مشايخ النُّحاة وبحر اللغة "سيبويه" وفي نفسه شيءٌ من "حتى". وأظنني سأموت وفي نفسي شيءٌ من عدن.
اختلف اليمنيون طويلا منذ الأسود العنسي حتى علي عبدالله صالح. اختلفوا حول السلَّال والزبيري والنعمان والثلايا وابن الوزير وحميد الدين وحول قحطان وفيصل ورجالهما...
كلما أوغل المرء في أغوار العمر وعميقه ازداد تفلسُفاً، وكلما ازداد تفلسُفاً ازداد تساؤلاً، وكلما ازداد تساؤلاً ازداد بصيرة - ربما - أو ازداد حيرة!
عدتُ مؤخراً لإعادة قراءة بعض الكتب التي سبق لي قراءتها، علّي أجد فيها النجوى وبعض السلوى وزاد رحلة ولو مؤقتة خارج حدود الزمكان
يتحدثون اليوم عن مصالحة مُرتقبة بين إيران والسعودية، بفرحة غامرة، وكأنهم يتحدثون عن نهاية خالصة للحرب القائمة في اليمن.
أنا لا أفهم في ثلاث: لا السياسة ولا العسكرة ولا اللغة الصينية.. ولكن تفسير بعض الأمور لا يحتاج إلى كبير مقدرة أو شديد جهد.. بَيْدَ أن ثمة حالات في مسيس حاجات إلى استبصار داخلي بالذات.
يحتفل أهلنا في الكويت في الخامس والعشرين من فبراير من كل عام بالعيد الوطني الكويتي.
ذات مكان، ذات زمن، ذات يمن... كانت ثمة مدينة تُدعى: عدن. كانت قِبلة العشاق، وقُبلة المشتاق، وقبيلة المسافرين في رحلة الأشواق صوب أرحب الآفاق.
اختار المقالح صنعاء مصيراً، لا إقامة.. هوية، لا منامة. وصار كلٌّ منهما وجهاً للآخر
لا يزال العرب يُثرثرون عن ماضيهم التليد. وأظنهم سيظلون على هذا النحو إلى يوم النشور. فليس لدى بني يعرب غير التغنِّي بأمجاد الأجداد، بعد أن عجزوا عن تحقيق ما يستدعي الفخر ويستوجب الاعتزاز.
جمعت تعز غزير المال وعزيز الرجال وظلت مسالمة وحالمة ومثالاً على المدنية والتحضُّر والعصرنة
كيف يَعِنُّ لك أن تُجازِف بذبح الدجاجة التي تبيض لك ذهباً ! أو لماذا تُفكِّر - مجرد التفكير - بسَدِّ بئر نفط تتدفق في أرضك !
أكتب هذه السطور قبل عدة ساعات من اندلاع أكبر معركة كروية بين فرنسا والأرجنتين ، لنيل تحفة كاس العالم التي تزن أكثر من ستة كيلوجرام ، بما تُقدّر قيمتها بنحو 18 مليون يورو .
تجد رجل العلم أو الفكر يترك مجاله الرفيع ليستدير نحو الساحة السياسية، كوظيفة مباشرة، وليس مجرد موقف عام أو منشط جانبي أو حراك موسمي. ولم أفقه حتى هذه اللحظة أهمية أن يسعى رجل العلم للاتّكاء على وظيفة سياسية، في ظل مجتمع موغل في التخلف الشامل!
حتى هذه اللحظة ، لا أقوى على الالمام بنواصي القلم و لملمة حواشي الكلِم . فقد صدمني النبأ ، بالرغم من معرفتي الأكيدة بتدهور صحته الجسدية على نحوٍ يومي فادح ، منذ عدة شهور . وبالرغم من توقُّعي سماع هذا النبأ بين حينٍ وآخر ، منذ فترة ليست بالقصيرة !
كل المسافات قصيرة غير أن المسافة بين القصر والقبر طويلة جداً بالنسبة للحكام العرب
لم أعد أدري كم من السنين مرت منذ إقلاعي عن تعاطي القات . كل ما أدريه أنني شُفيت - والحمد لله - من الاصابة بهذه الجرثومة التي لا تقل أثراً ولا ضرراً عن الإصابة بالسرطان . ولعمري ، أن القات ليس بسرطان يُصيب الشخص ، بل المجتمع والأُمة بكاملها !
أحب مصر ، وأعرف أنك تحبها أيضاً ، وأعرف أن ملايين العرب يشاطرونني وأنت هذا الشعور . ولدى اليمنيين تتعاظم المحبة والاحساس بالجميل تجاه مصر والمصريين ، فلمصر ورجالها فضل فاضل في نقل اليمن وأهلها من حقبة مظلمة الى فترة مزدهرة ، على غير صعيد وغير ميدان ، بالدم والعرق والنبض العروبي .
احتفى اليمنيون مؤخراً بأعياد الثورة اليمنية المباركة (سبتمبر - أكتوبر)، فيما يحتفون في الغد القريب بأعياد الاستقلال الوطني المجيد. وفي مجرى الاحتفاء ومسرى الانتشاء بهذه المناسبات، يتناسى الناس العِبرة الكبرى منها، متغافلين أنها ليست مجرد أعياد للفرح ومناسبات للاحتفال، إنما ذكرى لملاحم سطّرت تاريخ شعب، وخلّدت بطولات أُمّة، وعمّدت قيمة حضارية لازالت ماثلة.
سعيد الجناحي علمٌ آخر من الأعلام الوطنية التي تأسست على مداميكها خيمة الوطن
تساقط اللاهثون في الدرب العسير، لا يدرون إلى أين المسير، ولا يتراءى لهم ما يكون المصير؟
أصل الحكاية السقطرية هذي يعود إلى أواخر ثلاثينات القرن الماضي - وبالذات بين ديسمبر 1938 ومايو 1939 -
تقارير صدرت مؤخراً تؤكد أن عدوان التحالف الخليجي ضد اليمن أباد أو بدَّد أو نهب أو هرَّب ما يتجاوز 80 % من آثار البلاد
مذبحة 13 يناير 1986 هي الضربة القاضية في جسد اليسار اليمني كتجربة سياسية عريقة في النضال وفي الحكم
كان الشعار القديم: محو الأمية.. صار اليوم: نحو الأمية! لا نهضة حقيقية لأُمَّة أو دولة أو مجتمع من دون تعليم حقيقي. حقيقي لا مغشوش، ولا مخدوع!
في لحظة فارقة، بالغة الجبروت في صِدَاميتها بين جمرة الذات ورماد الواقع، أقدم الأديب الفيلسوف الفذّ أبو حيان التوحيدي على تكديس كتبه وأوراقه ومخطوطاته في كومة واحدة، ثم أضرم فيها النار!
يموت الكثيرون كل يوم، غير أن قليلين هم الذين يؤثر موتهم لدى كثيرين - وليس أقاربهم فقط - ويغرس رحيلهم شتلات حزن وأسى، لا تذبل ولا تُنسى.
لطالما فخرَ اليمنيون بتاريخهم الذي يرونه موغلاً في المجد ومُكلّلاَ بالهيلمان وفائضاً بالسؤدد، وتأسيساً على هذا الفخر يتعاطى اليمنيون حشيشة الاعتزاز وأفيون الاطمئنان. وبالتالي لا يجرؤ أحد على أن يهزّ هذا الاعتقاد الراسخ لدى اليمنيين بعظمة تاريخهم، بأن يشير إلى أن جزءاً حميماً من هذا التاريخ زائف من الأساس .
لم تستطع المعارضة السياسية في هذا البلد - ومنذ السبعينات - أن تقود الجماهير يوماً، ولا أن تُقيّد الجماهير يوماً. والسبب الرئيس في هذا المشهد يكمن في أن هذه المعارضة ابتعدت كثيراً عن الشارع الشعبي -كحال الحكم تماماً- فصار كل منهما في جزيرة نائية جداً عن الآخر.
من ذا الذي يتذوَّق طعم العيد اليوم؟ لا أحد. حتى الأطفال فقدوا كل مشاهد الفرح وشواهد البهجة، إلاَّ ما بقيَ من شغف دفين في روح الطفولة.
قبل نحو عامين أو أكثر قليلاً، كتبتُ مقالاً عن ظاهرة أطلق عليها المجتمع المحلي الساخر تسمية "عبدو فشفشي"، التي أظنُّ بأن أغلبنا يعرفها كمسمى، مثلما يعرفها كوقائع وأسماء ونماذج لا ينضب لها معين.
لازالت قافلة الزملاء والأصدقاء تتنازل عن أثقالها يوماً اِثر يوم ، في مشهدٍ لا أدري اذا كان يدعوالى البكاء أم التأمُّل !
نشرع في قراءة الوثائق والأدبيات السياسية التاريخية التي خلّفها لنا روّاد الفكر السياسي والمؤرخون وزعماء الوعي الوطني والقومي والإنساني، ثم نحفظها في إضبارة التاريخ إلى حين يأتي موعد القراءة التالية، إنْ لم نرمها أصلاً في مزبلة التاريخ كما هو ديدننا!
كم يخذلني قلمي كثيراً ، مؤخراً.. وكم يفتُّ في عضدي، كلما هممت بالكتابة في شأن يتصل بالهمّ العام أو التراجيديا التي تعصف بالبلد والناس. أجدني كالمحموم أو المسموم من هول ما أراه على شريط الواقع ومشاهده المكتظة بصور الدم والدمار والرماد والدموع.. فأعزف عن الكتابة فوراً.
تجاوز بنا الزمن - قبل بضعة أيام - ذكرى قيام دولة الوحدة اليمنية. هذا ما تذكّرته فجأة مؤخراً، وكأنّني لم أكن ذا علاقة البتة بما حدث ذلك اليوم! ثلاثة عقود وعامان مرت على ذلك اليوم، وتلك الوقفة المتوهّجة تحت حرارة الشمس وجلالة الموقف، ونحن نتطلَّع إلى علمٍ جديد معلناً عن دولةٍ جديدة، لطالما تاق اليمنيون لمرآه ومرآها.
شكا لي أحد الأصدقاء الأعزاء في عدن من انتشار أصناف شتى من المخدرات في صفوف شباب هذه المدينة، على نحوٍ يثير الرعب والدهشة معاً. والحق أن هذه الظاهرة ليست محصورة بمدينة دون غيرها من مدن البلاد. حتى حضرموت التي كانت لزمنٍ طويل جداً بعيدة كل البُعد عن هذه الآفات - بما فيها القات - صارت إحدى ضحايا المخدرات.
منح الشهادة النضالية لمن لا يستحقها كمنح الشهادة الأكاديمية لمتحرّر من الأُميَّة
كان أجدادنا يحرصون على تعليم أبنائهم السباحة والرماية وركوب الخيل. بعدها انقلب بعض آبائنا على أجدادنا، فعلّموا أبناءهم الحَرْف والحِرْفة. غير أن آخرين كانوا أشطر بكثير، فوضعوا المسدسات في أيدي أبنائهم وكتاب ميكافيللي في مخادعهم!
لا يكون البحر بحراً إلاَّ إذا خاضت فيه السفن وإلاَّ فهو حمَّام سباحة أو بانيو
هل تستوي كتابة من يدري ماذا ولماذا يكتب بكتابة ذاك الذي لا يريد من الكتابة إلاَّ تحبير الورق أو نيل شهرة مزعومة؟!
يُثير المشهد السياسي اليمني كثيراً من الأسئلة، التي تحمل إجاباتها في طيّاتها، بصدد ما يُسمّى بالتحالف العربي لمحاربة الحوثي، وإعادة الشرعية في اليمن، وما تمخّض عنه من فئران الحلول العقيمة والمعالجات السقيمة.
وإثر كل تلك الأحداث الكبرى لا يتبدى أن ثمة فرقاً واضحاً قد طرأ على الحياة والأشياء في شتى الصعد والمجالات، وإن حدث فهو للأسوأ بالتأكيد، على العكس تماماً من كل نواميس الطبيعة وبدهيات المجتمعات والدول وقواعد الفكر الإنساني!
الكتابة - أو حتى مجرد الكلام - في الشأن السياسي المحلي عيب أسود. أما في رمضان فمنكر نكير. هذا ردّي على من يتساءل عن سرّ عزوفي عن ذلك.
شُكِّلتْ فرقة أُنيطت بها مهمة إِحراق الكُتب وقتْل الكُتّاب. وفي غمرة قيامها بمهامها، أصاب الفضول أحد عناصرها، فإِذا به يختلس كتاباً قبل أن تطاله ألسِنة اللّهب.
اتّخذ الإنكليز شكسبير رمزاً لهم.. واتّخذ الفرنسيون فولتير.. والطليان دانتي.. والألمان جوته.. والأسبان لوركا.. والروس بوشكين.. والهنود طاغور.. ويكاد الأمريكان يتفقون على والت ويتمان. واحتار العرب - كعادتهم - في رمزهم.. حتى المتنبي قالوا فيه ما لم يقله مالك في الخمر!
تبدو لي هذي الحرب، أحياناً، حُمّى ليلٍ مسعورة، أطاحت بالسكينة الزائفة في منطقة الحياد، بين غبار الخنادق.. وملاءات الفنادق.
يحتفل أهلنا في الكويت، في الخامس والعشرين من فبراير من كل عام، بالعيد الوطني الكويتي.
قامت الدنيا ولم تقعد، في مصر مؤخراً، ضد الكاتب المعروف إبراهيم عيسى لمجرد اعتقاده بعدم حدوث واقعة المعراج.
كأيّ حدث في تاريخنا السياسي والوطني - الحديث والمعاصر - يحتدم الخلاف، وتتناقض المواقف تجاهه، بين مؤيّد ومعارض، غير طرف ثالث يقف في منزلة بين المنزلتين في غالب الأحيان.
"بعض الناس يتكلمون لأن أفكاراً هامة تتزاحم في رؤوسهم.. أما آخرون فيتكلمون، فقط لأن أطراف ألسنتهم تحُكُّهم"!
لازال الحاكم يرى أقرانه يتساقطون في الوحل والخريف والمقابر، لكنه لايزال يُقامر، يحتقر شعبه، يهين إضبارة التاريخ ويستهتر بأحكامه.
لا صنعاء اليوم في صنعاء ولا عدن في عدن.. ثمة جهل فقط، وحقد فقط، وسلاح في الأيدي والرؤوس!
لا أفهم قدراً كثيراً - ولا حتى قليلاً - في الفن التشكيلي، ولا أعرف التفريق بين مدارسه ومناهجه، فيختلط عليَّ الكلاسيكي منها بالواقعي، والرومانسي بالتجريدي، والرمزي بالتكعيبي، والسوريالي بالانطباعي، وهلُمجرَّا.
هل انقضت السنون السبع العجاف؟ ... أم تُراها ستبلغ عشراً، وربما أكثر؟ يوماً عن يوم، تزداد الفاجعة اليمنية فداحةً وضراوة، فيما تزداد تبعاتها وتداعياتها قُبحاً ونتانة، أما أُضحياتها فبلغت أرقاماً مهولة من القتلى والجرحى والمفقودين والمعوزين والمرضى والمختلين..