مقالات
أفيون الشعوب !
أكتب هذه السطور قبل عدة ساعات من اندلاع أكبر معركة كروية بين فرنسا والأرجنتين ، لنيل تحفة كاس العالم التي تزن أكثر من ستة كيلوجرام ، بما تُقدّر قيمتها بنحو 18 مليون يورو .
لا أدري من سيفوز ، ولا يهمني . ولا من سيخسر ، ولا يعنيني .
فمنذ أن تصاعدت وتيرة كاس العالم في قطر منذ أسابيع ، وأنا نائم ملء جفوني عن شواردها ، لا أدري من فاز اليوم ولا من سيخسر غداً ، الى أن تقلّصت الفرق الى ثمانية ، حينها فقط صحوت . وقد صدمتني المفاجأة حين أكتشفت عدم تأهُّل أيطاليا ، وكانت الاجابة قاسية بأن الخُبرة لم يشتركوا من الأساس !
في هذي المعمعة كلها : البرازيل عندي مثل موزمبيق ، وانجلترا مثل هونولولو ، والانجرتين مثل السنبلاوين .. كلهم في الهمِّ فول مدمس . لا أعرف التحمُّس - ناهيك عن التعصُّب - في كرة القدم . ولا أجيد التشجيع حتى . أشاهد مبارأة حاسمة وعالمية ، وجميع من حولي يصطرعون كالثيران الأسبانية ، فيما أنا أشاهدها ببرود شديد ، وكأنّني أستمتع برقصة على ايقاع الفالس بأنغام " ليالي الأُنس في فيينا " !
بعد هنيهات ، ستكسب فرقة وتنكسر أخرى ، ويهلل جمهور ويولول آخر ، ويتنطط جمال حسن وعبدالقادر سعد ، ويتزبط صدام أبو عاصم ويعيط راغب القرشي ، ويستشيط زكريا الكمالي ( حلوة يستشيط هذي ) .. طُز بعارهم كلهم ، لا يهم ، المهم أن وميض شاكر وتوكل كرمان ما يقرحش لهم عِرق ، حرام ، مابهنش سخى ، معهن جهال زي الورد .
ورحمتك يا اِلهي . حتى ياسين سعيد نعمان وحسين الوادعي ومروان الغفوري ، تركوا الفكر والأدب والفن والفلسفة والسياسة والميثافيزيقا ، وراحوا يُنظّرون في مسائل كرة القدم ومجاهلها ، ولا محمد لطيف والمستكاوي في أيام مجدهم !
زماااان ، في عدن - وهذا آخر عهدي بالكرة - كنا ما نَسْلَم من هيجان الحارات والقارات والغازات ، اذا ما تقابل فريقا شمسان والتلال . أما يوم أن يكسب الوحدة الدوري ، يا ساتر استر ، تعُم الغوبة في البلاد كلها ، وحبيب عبدالرب سروري يصقع عشرين قصيدة ، وأيامها كان يكتب شعراً حلمنتيشياً مش روايات ، وحمزة هبّ الريح - الله يرحمه حياً كان أو ميتاً - يندع تسع قصص من حجم دفاتر أبو ثمانين ورقة .
انما اليوم صارت الكرة أفيوناً بحق وحقيق . كلها ماااال ومؤامرات وفسااااد ومافيوز . روائح عطنة تفوووح من ردهات الفيفا والاتحادات القارية ، وحتى الاتحادات المحلية ، بل وادارات الأندية . وأحاديث الرشاوى تسد عين الشمس .. آخرها عن منح تنظيم دورة كاس العالم الأخيرة .. والله يعلم أين تكمن الحقيقة في هكذا موضوع !
باختصار : كرة القدم صارت تجري تحت الطاولة الخضراء وليس في المستطيل الأخضر . وآخرها ما أخبرتني به عاتكة أُمّ البخور عن أسرار اللقاء السريّ السار بين ليو ميسي وتركي آل الشيخ ، وما أسفر عنه من نتيجة " تاريخية " في مبارأة الفريقين الحبيبين !
الله يرحم أيام زمان ، لما كان اللاعب يذهب الى المبارأة أو الى التدريب وجيبه بالكاد يحمل نص شلن ثمن تذكرة الباص المجري أو التاتا الهندي ، مش تاكسي حتى ، والله يعلم اذا كان قد تغدّى يومها أم أنه أكتفى بفول الفطور !
ولا أنسى أن أُحيّي الأشقاء المغاربة الذين رفعوا القدم العربية ، أما الرأس العربية فلم تعد تُرفع منذ زمن طوووويل جداً ، لا بالكرة ولا بالكرّ .. فكله فرّ في فرّ !