مقالات

الإمامة والحقائق المُرَّة .. دعوة إلى مراجعة تاريخية شاملة

14/01/2025, 12:12:11

كم يتمنّى المرأ لو أن ما يعتمل الآن في صنعاء واليمن عموماً يكون باعثاً على النظر بعمقٍ وموضوعيةٍ في جذور الموروث الاجتماعي والثقافي لليمن بوجهٍ عام، وخصوصاً في عصور "الإمامة"، التي حكمت البلاد لما يزيد عن ألف عام، وذلك كـ"فكر" متحجرٍ، وليس مجرد "سُلطةٍ" يتداولها أصحابها من عهدٍ لآخر فحسب، ولكن شريطة أن لا يكون في هذه المراجعة، إن أردناها أن تكون بناءةً وموضوعية، ما يدعو إلى مواجهة عنصرية الموروث الإمامي البغيض بعنصريةٍ عرقية أو ثقافية مماثلة.

ربما تحتاج الحقيقة إلى تبيانٍ وتوضيح حتى نفهم لماذا نريد هذه المراجعة. 

منذ ما بعد ظهورها كحركة دعوية وتحولها إلى سلطة، كان أول ما انتهجته الإمامة هو فرض تقسيمٌ طبقيٌ قبيح على المجتمع اليمني، قام على أساسٍ من الاستعلاء المقيت لفئةٍ على غيرها من فئات المجتمع، والنظر إلى هذه الفئات بنوعٍٍ من الازدراء والدونية، لا يقبله عقل أو ضمير لديهما ذرة من السوية والفطرة الطبيعية للإنسان، وترتبت على ذلك ممارسات أفضت إلى دوراتٍ من العنف والصراع الدامي، التي كان وقودها دائماً، وفي الأغلب، أرواح ودماء الفئات، التي استضعفتها الإمامة على قاعدة التجهيل والتجويع، فضلاً عن البطش والإرهاب المذهبي العنيف. 

خاطب المرحوم محمد محمود الزبيري الإمام "يحيى" بعد رفضه دعوات الإصلاح السياسي خشية على "إسلام" اليمنيين بقوله:  

"من أين يأتيك الفساد وأنت في أرضٍ تكاد صخورها تتشيعُ؟".

 وناداه وابنه أحمد كذلك، كل رعيل الحركة الوطنية من جيل الأربعينيات والخمسينات بالتي هي أحسن، لكن أحداً منهما لم يرعو. 

 كان ثمة عقلاء وحكماء وعلماء وقفوا ضد هذا النهج، وكانوا في طليعة من تصدى له بالنصح أولاً، ثم بدفع النفس والنفيس ثمناً لمبادئهم وحرصهم على منع بعض الحكام الأئمة من الانحراف برسالة الاسلام عن جوهرها النقي والصحيح. 

جنت الإمامة على غالبية انصارها والمحسوبين عليها قبل غيرهم؛ عندما أرادت تمييزهم عن سواهم من شركائهم الآخرين في الدين والمذهب والأرض والحياة والمصير، وعندما اصطنعت بينهم برزخاً عميقاً من الفوارق في الحقوق أدَّى من جملة ما أدى إلى نقمةٍ على هؤلاء المؤيدين لها، بل وإلى تشكيك البعض في سلامة نوايا العقلاء منهم.  

زاد من ذلك أن شهوة السلطة عند بعض الأئمة قادت إلى الاصطراع في ما بينهم، وبلغت حدٍَ أن يقتل بعض الأئمة إخوته لمجرد أنهم كانوا له من الناصحين بالحكمة، لتوخي العدل والإنصاف في ممارسته الحكم.  

لا أريد، في هذا السياق، النبش كثيراً في أضابير الإمامة والتذكير بأمثلةٍ مؤلمة لا تخدم سياق هذه الدعوة الهادفة إلى مواجهةٍ مسؤولة مع موروث الإمامة والشروع الجاد في مراجعةٍ شجاعةٍ لرأب الصدوع الرأسية والأفقية العميقة، التي أحدثتها ممارسات الأئمة، وهي الممارسات التي أصابت الكيان المجتمعي لليمن، وأهله في أكثر من مقتل، خصوصاً بعدما تحولت، منذ البدايات الأولى للجارودية إلى اليوم، من إرث مزعومٍ مكتسب لكل الهاشميين إلى حكرٍ على سلالة البطنين (أحفاد الحسن والحسين)، وباتت تتصادم اليوم بقوةٍ مع متغيرات العصر، ومتطلبات التعايش والاستقرار والسلام فيه حتى بين أبناء الطائفة الهاشمية نفسها. 

 من المؤسف أن ما عاناه اليمن واليمنيون، في السنوات الأخيرة، استدعى عصبيات وضغائن ظننا بعد واحد وستين عاماً من قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المباركة 1962 أنها أصبحت من ذكريات ذلك الماضي الأسود، وأننا تجاوزناها بمبادئ الجمهورية الستة، وبالمصالحة الوطنية الناجزة في مؤتمر حرض في فبراير/شباط 1965، وبالإصلاح السياسي والمشاركة السياسية الواسعة، وبالإنجازات التنموية الشاملة في عموم البلاد، التي لا ينكرها إلاَّ مريض أو جاحد. 

 لقد دفعت محاولة استعادة الإمامة البائدة، خلال السنوات القليلة الماضية، بعض الشباب وحتى الناشئة، إلى الإلحاد والكفر بكل أشكال التمظهر بالدين، واستغلاله لمآرب فئوية أنانية مريضة، كما شجعت بعض الشباب من الهاشميين، أو مناصريهم على ترك التعليم وحمل السلاح، والشطط والتطرف في ادعاء الحق الإلهي في الحكم.

 ما يجدر باليمنيين فعله اليوم هو العمل على إسدال الستار على هذه الحقبة الكئيبة بحيث لا يكون هناك بعد اليوم "أخيارٌ ولا أطهارٌ" دون سواهم، ولا قناديل وزنابيل، ولا وهْمٌ بالاصطفاء والتميّز لأحد على أحد، بل مواطنون متساوون تشد أيدي بعضهم أيادي البعض الآخر. 

ما يجب أن يعيه جيل اليوم هو أن الإمامة -بحسب أغلب المراجع والمصادر التاريخية الموثوقة- لم تكن تمثل أي شكل للحكم العادل والرشيد، بل سلسلة من الأنظمة السلالية الكهنوتية القروسطية الأقرب إلى اللاهوت، حاولت الاستحواذ على السلطتين الدينية والدنيوية، سادت ثم بادت بكل إرثها من التدجيل والخرافات والأساطير، ولم تترك بعدها أي أثرٍ حضاري، أو إنساني ذا معنى. 

كما يستحيل اليوم على حَمَلة هذا الإرث والمتشبثين بتلابيبه أن يقدموا نموذجاً في الحكم جاذباً أو مقبولاً طالما هو مبنيٌ على التجهيل، وتزييف الوعي والاعتماد على منطق السلاح والعنف والتجويع.

مقالات

"إكرام المعلم دفنه"

لا أحد يمكنه تخيُّل حجم الدّمار الذي لحق بالتعليم في اليمن؛ بسبب الانقلاب على الدولة، والحرب الممتدة والمتواصلة بلا هوادة..

مقالات

" الزوامل " في اليمن من زمن " دُق يانوس " إلى أحمد بن غودل!

شعر " الزوامل " اليمنية قديم ويعود إلى ما قبل الإسلام ، لكن أول ذكر لهذا النوع من الشعر الشعبي الحماسي الذي يشبه شعر الرجز العربي ورد في الجزء الأول من كتاب " الإكليل " للمؤرخ والعالم الموسوعي اليمني الأكبر أبو محمد الحسن الهمداني ، إذ كتب يقول :

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.