مقالات

الحوثي على الساحل

07/09/2022, 17:41:06

يستعرضون جيشهم في الحديدة؛ لكأنّهم يريدون القول: نحن ما نزال أقوياء.

أنتم أقوياء نعم؛ لكن ذاك لا يعني أي شيء جديد، ولا يمثل أي فارق في القيمة، أو يؤثّر على تعريفكم وجوهر وجودكم. تلك الحشود في توصيفها العام هي تتطابق تماما مع حشودك، وأنت تطوّق العاصمة صنعاء قبل 8 سنوات.

لو أن القوة تستطيع أن تعوّض غياب المشروعية؛ لاختلت كل معايير الحياة في وجه الكوكب. ولصار كل قاطع طريق يملك سلاحا، وقادر على إعاقة حركة الناس، له الحق في ذلك، ما داموا غير قادرين على إزاحته.
صحيح، يمكن للقوة استدامة سلطة غير مشروعة؛ لكنها لا ترمم وجودها الفاقد للأساس القيمي، ولا تهدّئ قلق المشروعية لدى السلطة المفروضة بطريقة اعتباطية وقسرية، كسلطة الحوثي بالطّبع.

وعليه، لا شيء مفاجئ في هذا الاستعراض الحوثي الواهم للقوة، سوى تأكيده لنفسه أنه جماعة تصرّ على عنادها، ومستعدة للذهاب نحو ما لا نهاية من الصلف الغبي والقطيعة الشاملة مع هذا الشعب.

نحن أمام قوة عارية، تقف على طرف نقيض مع مصير شعب لا يعترف بها ولا تمثّله، هي ماضية في القبض على واقعه وهو تائه ومتحفّظ، متوجّس منها، ويراقب أي نافذة للخلاص.
 فلا الحوثي تمكّن، عبر سنوات حكمة، من إقناع الشعب بالقبول به والرضا عن سلطته، ولا الشعب يشعر بإمكانية التعايش معه ولو كنوع من تجريب التسليم الواقعي له، لتلاشي أي خيارات بديلة أمامه.

يمضي الحوثي في طريقته العبثية، وبالموثوقية نفسها التي كان عليها في البداية، معتقدا أن طول بقائه، قد محى أصل المشكلة، وما عاد الناس يشككون في أحقيّته في مصادرة مصيرهم.
 إنه لا يفهم شيئا حول مفهوم "الإرادة"، إرادة الناس؛ كمنهج وحيد لحكمهم.
هو يعتقد أن بمقدوره إلغاء هذه الإرادة والاستمرار بادعاءات تمثيلها، تماما كخطابات المشاط وزعيم الجماعة، وهم يكررون قولهم: إن القوة التي ما يزالوان يحتفظون بها، وتضاعفها، دليل يؤكّد تمثيلهم لإرادة الشعب وهي قوة تعاظمت بفعل عظمة الشعب والتفافه حولهم.
ولا تكفي هنا مليون علامة تعجب على هذه الوقاحة الصلبة، المستمرة منذ سنوات في خطابهم.

الحوثي ينظم عرضا عسكريا في الساحل، دعكم من مشاعر الذهول أو الانبهار بما فعلت وتفعل هذه الجماعة. بل إن أي شعور بالرهبة أمام حدث كهذا هو مؤشر إلى تفسّخ الوعي البشري، وتشوش الضمير الأخلاقي لدى المصدومين من الحدث، وأكثر من هذا المنبهرين به.

هل حدث تبدل شعوري لديكم قبل مشاهدة العرض وبعده؟ لماذا أنتم منصدمون أو منبهرون؟ ما الذي يبرر هذا الإحساس الخاطئ تجاه سلوكيات الجماعة الحوثية..؟ لا شيء، سوى تراخي المنطق الأخلاقي لدينا، إنها مشاعر نابعة من رواسب بدائية، تهاب القوّة وتضمر نوعا من القبول الممكن بها وحقها في الوجود. لكأنّ النتيجة، التي توصلنا إليها بعد ثماني سنوات حرب، تمنح نوعا من المشروعية الممكنة لهذه الجماعة، التي تحاول تسويق نفسها كقوة لا تتضرر، بل وتزداد تضخما بفعل الحرب.

حتى لو كشف لنا الحوثي في الغد أن لديه نواة لمفاعل نووي، يتوجّب أن نبقيه محاصرا تحت التعريف نفسه "وجود غير مشروع"، ليس على المستوى النظري، بل وعلى صعيد الرفض الداخلي، نفسيا ومعنويا ومستوى التفاوض معه، وينطبق هذا على أي حالة يتجلى بها، سواء انهارت سلطته في الغد أو صار قوة لا تقهر.

الخلاصة: هدف الحوثي، منذ البداية، فرض حل على أساس مختل، حيث تتحوّل القوة كمعيار لتقاسم السلطة، وبهذا نكون أمام أكبر ورطة تاريخية، إذا قبلناها ستكون بمثابة خيانة لمستقبل الأجيال وحقها في تأسيس وجودها بشكل صحيح.
 بصيغة لا تتواطأ مع منطق القوة؛ بل تخضعه لمعيار أخلاقي وسياسي مختلف، هو المعيار الذي تؤسس به الدول، حيث القوّة تحت تصرف الإرادة العامة للشعب ومحكومة بمبادئ المنطق منطق الدولة - حتى لو تجاوزنا الديمقراطية مؤقتا هنا، وتحدثنا عن فكرة الدولة المجردة - فطريقة تأسيسها تتطلب قدرا من الشروط المبدئية المؤسسة للمصير العام، وبالتأكيد ليس من بينها هذه الطريقة البدائية التي يحاول الحوثي تمريرها.

إنه يحشد قواته من أجل فرض طريقة مختلة لتأسيس الدولة، يستعرض؛ ليوحي لخصومه بما يريد. كما أنه جمّع تلك الحشود في ساحل الحديدة والبحر الأحمر؛ كي يبث إحساسا باليأس لدى الناس من إمكانية إزالته، ويدفعهم إلى التسليم به كحقيقة وجودية، تحت مبرر الواقعية السياسية وإكراهاتها. وتلك بالطبع طريقة مغشوشة لطالما دفعت الشعوب، التي قبلت بها، ثمنا فادحا، كنتيجة طبيعية لقبولها هذا النوع من المساومات الكارثية، وتراخيها أو شعورها بالتعب وعدم قدرتها على مواصلة الرفض حتى النهاية.

مقالات

الخيانة بلباس الجمهورية

يتشدّق أتباع طارق صالح "بالجمهورية"، كما لو أنهم استيقظوا فجأة ذات فجر على صوت المعركة، وقرروا أنهم أرباب الدولة وورثتها الشرعيون، وأن الشعب لا يُؤتمن على تاريخه، ولا يحق له أن يحدد هوية من يمثله، أو من يتكلم باسمه. يتحدثون عن الجمهورية كما يتحدث الكهنة عن كتبهم المقدسة، لكنهم ينسون أو يتناسون أن أول خنجر غُرس في جسد الجمهورية لم يكن بيد الحوثي، وإنما بيد من تربّى طارق في بيته، ورضع من ثدي سلطته، وتكوّن في دهاليز خياناته.

مقالات

أساليب حوثية تعزز ما يفعله سلاحها

لا تستند الحركة الحوثية في استمرار هيمنتها وسيطرتها في صنعاء إلى السلطة والقوة العسكرية وحدها، فالسلطة وقوة السلاح لا يكفيان لضمان استمرارها في موقع الهيمنة، من دون اتباع أساليب وحيل من شأنها إنهاك المجتمع، وإشغال الناس، وإغراقهم في قضايا كونية ومعارك وهمية كبرى تُفرض عليهم دون أن يخوضوها فعلياً. لكنها، من ناحية أخرى، فعالة في صرف الناس عن التفكير أو الاهتمام بمسائل حياتهم اليومية، وما يتصل بشؤونهم الشخصية والعائلية والمهنية والعلمية والاقتصادية، وتأخذهم بعيداً عن القيام بأي نشاط أو فعل مستقل عن الجماعة، أو حتى معها، ما لم تكن هي من حددت فكرة النشاط وطبيعته وحجمه ومجاله والحاجة إليه.

مقالات

حق المرأة في الولاية وحقها في الدية ( 1-2)

هذا هو الجزء الثاني من الندوة التي أقامها «منتدى التنمية السياسية»، و«منظمة صحفيات بلا قيود»، في صنعاء، فندق «تاج سبأ»، في 27 / 5/ 2007. والجزء الثاني مكرسٌ للرد على أوراق الأساتذة: عبد الملك التاج، والشيخ عارف الصبري. في البدء ألقت الأستاذة توكل كرمان- رئيسة «منظمة صحفيات بلا قيود»، كلمةً حَيَّتْ الحاضرين، وتحدثت عن التخلف في البلدان الإسلامية، وأنَّ خروج المرأة مسئولية المرأة والرجل مَعًا. داعية كُلَّ صاحبِ فقه، ومِنْ أوتي حظًا من العلم الشرعي إلى دعوة المرأة للمشاركة في الحياة والنهوض، وإلى نهج واجتهاد جديدين يرفدان إعلان حقوق الإنسان والعهد الدولي؛ تنير الطريق، ولا ترى في الانتخابات بدعةً وَضَلالاً، ولا في مشاركة المرأة فِسْقًا وفجورًا.

مقالات

تعز... الوجه الذي كان يودّعنا!

لم يكن أيُّ مسافرٍ يطيب له السفر إلَّا من خلال مدينة تعز، أو أن تكون تعز آخرَ ما تقع عليه عيناه، يكحّلهما بها حتى تقرَّ نفسه في رحلة قد تطول أو تقصر، داخل اليمن أو خارجه.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.