مقالات

الدلع في ذروة الإبداع: أحمد بن أحمد قاسم وميلاد الحداثة الموسيقية اليمنية

18/10/2025, 06:09:36

في ذروة الإبداع يكون اللعب. هناك، في أقصى الإجادة للحن والعزف والغناء، ستجد الفنان وكأنه يلعب متخففًا من كل جدية. ما قرأته في فلسفة نيتشه، شاهدته في أداء الموسيقار أحمد بن أحمد قاسم. ملامحه وحركاته. عزفه ونغماته.

أكتب عنه، وفي رأسي يشتغل فيديو أغنيته "صدفة التقينا على الساحل ولا في حد". تحديدًا تلك المعزوفة على العود بدون موسيقى، وعوده، إذا ما أصغيت السمع، ستجده يثير في وجدانك نشوة، توازي ما تفعله فرقة موسيقية بكامل آلاتها.

يتلفت، يتلاعب بنغمة صوته، يفري أوتار عوده بخفة أنيقة، وبكلمة واحدة: يتدلع.

يعزف ويغني، مازجًا إحساسه وعوده وأداءه، وفي لحظة ما تنتبه لصدره يبرز إلى الأمام، وفي حضنه العود، كأن قلبه ينبض بقوة، وروحه تندفع إلى الأمام تفاعلًا مع اللحن وتوقًا للطيران بجانب نغماته.

ليس فحسب الموسيقي المبتكر للألحان الجديدة، لكنه أيضًا العدني النابض بالإحساس العذب، تجري نغمة عدن وروحها في نبضات قلبه ووجدانه. في أعماق تلك الروح العدنية اشتغلت الموسيقى، وتشكل اللحن، واستوت الأغاني قبل أن تتجسد بأوتار صوته ومعزوفاته. عاش الفن من الداخل.

وصل الفنان أحمد بن أحمد قاسم إلى أعلى مرتبة في الإجادة الموسيقية في تاريخ الأغنية اليمنية، لكنه لم يبحث عن الغريب المبهر في اللحن. لم يتنطع بنغمات موسيقية خالية من روحه ونبض قلبه وبيئته العدنية وبلده اليمن.

لم يتوكأ على تراث سبقه، لكنه جدد الغناء اليمني، وأضاف له قائمة طويلة من الأغاني والألحان الجديدة ستغدو تراثًا ثريًا وملهِمًا لأجيال من الفنانين الشباب من بعده.

ذهب إلى منتهى المعارف الموسيقية في زمنه، وتجاوزها عائدًا إلى عدن، ليقلع من بيئته وأرضه وناسه، وقد مزج معارفه الموسيقية بنبض القلب ورائحة الأرض، موج البحر وهواء الأعالي في جبال العدين، تجارب العشاق في ساحل أبين، ومواويل حقول البن في خدي اليمن الكبير.

درس الموسيقى في قاهرة المعز وغنى في أفلامها، ذهب بعيدًا في استكشاف آفاق الموسيقى ودراستها في باريس ولندن، واستطلع نكهتها في سينما هوليود، في ترحالات دراسية متتالية، جمع فيها بين الدراسات الموسيقية ومواصلة التلحين والغناء في مسيرته الفنية.

أضاف معارف موسيقية جديدة في روسيا، وفي ديسمبر 1980 أطل على جمهوره من تلفزيون موسكو، مقدمًا أول سيمفونية - رسالته للدكتوراه في الموسيقى. أسماها "سيمفونية اليمن"، ونقلت في بث حي ومباشر على الهواء للمشاهدين في مؤسسة من أعلى المؤسسات الموسيقية التعليمية في العاصمة الروسية حينها.

ذهب إلى أقصى المعارف الموسيقية الحديثة، لكنه لم يغرق فيها وينسَ موهبته ونبضه ونسغه الحي: ناسه وعدنه ويمنه.

عاد بمعارفه الموسيقية بعد كل ارتقاء ليؤسس تجربة غنائية موسيقية جديدة، وضعته في ريادة المجددين للأغنية اليمنية.

التجديد ليس المعرفة الموسيقية وحدها، ولا الآلات الجديدة. التجديد هو الموهبة. موهبة أحمد بن أحمد قاسم، وقد امتلك التأهيل الموسيقي والقدرة على إدخال آلات موسيقية حديثة، واستخدامها في ألحان جديدة مبتكرة.

لم يتخلق الجديد عنده في موسيقى ينتجها تجريد ذهني. ولا ابتكر اللحن بتركيب متعالٍ يأخذ مسافة من مجتمعه ونغمات الناس الحية من حوله.

التجديد في تجربة الموسيقار أحمد بن أحمد قاسم تأسس على حشد معرفته بالموسيقى وموهبته وقدرته على التلحين، مانحًا لها إحساسه، وقدرته على استخدامها في انتظام هرموني ينغرس في أرضه وبيئته، ليقدمها للناس الذين نشأ بينهم، واستلهم تجاربهم، وأعاد لهم تفاصيل حياتهم اليومية وقد غدت ألحانًا وأغاني، نغمات ومعزوفات موسيقية.

التجربة الغنائية الجديدة للفنان أحمد قاسم، للأغنية اليمنية، تشبه التجارب الأولى للشعر الحديث "تفعيلة ونثر" في تجديدها لكتابة الشعر وكسر قوالبه القديمة.

لا أحد يستطيع أن يتحرر من القوالب التراثية الجاهزة، بدون أن يمتلك موهبة فارقة. هو كان هذه الموهبة الفذة التي غنت وأجادت خارج قوالب التراث.

ابتكر ولم يكرر القديم.

لم يقلد ولم يكرر أحدًا. غنى بألحان جديدة وإحساس استقاه من هاجس يمور في عالمه الداخلي. جدد الغناء اليمني، لكنه لم يكن أسير نجاح قديم.

تشكلت أغانيه، كلمات وألحانًا وأداءً، من الحياة اليومية لليمني وتفاصيلها الصغيرة. المبدع هو الذي يجدد من داخل بيئته وناسها ولغتها. وهذا ما فعله أحمد قاسم.

لمع نجم أحمد قاسم في مدارس عدن. عرف الموسيقى في وقت مبكر في الفرقة المدرسية، برعاية مكتشفه الأول أستاذ الموسيقى يحيى مكي. الموهبة المبكرة مكنته من تأسيس فرقة موسيقية في بدايات معرفته بالغناء، قبل أن يذهب إلى مصر ويلمع نجمه هناك.

في منتصف الخمسينات التقى الفنان الواعد الشاب أحمد قاسم بالموسيقار فريد الأطرش، الذي زار عدن حينها، واستمع له وأُعجب به، ورتب له منحة السفر إلى مصر لدراسة الموسيقى في "معهد الموسيقى العربية".

كانت مصر شغفه الأول في بداية تفتح وعيه بالحياة والموسيقى. ولم لا؟ مصر كانت - وما تزال - مثالًا للحياة المدنية، وبيئة حية يزدهر فيها الغناء والسينما، وجامعات ومعاهد يذهب إليها من يتطلع لدراسة الفن والموسيقى.

في فيلم "حبي في القاهرة"، ذهب فضوله إلى حده الأقصى في السينما، مع محمود المليجي، وتوفيق الدقن، وعبد المنعم إبراهيم، والنجمة الصاعدة حينها زيزي البدراوي.

أحمد قاسم ليس ممثلًا. فعل كل ما بوسعه، لكنه خلق للغناء لا للتمثيل.

غنى في الفيلم ثلاثًا من أجمل أغانيه: مش مصدق، يا عيباه، مش عيب عليك. وبجانبها: مستحيل، أنت ولا أحد سواك. لكن الذائقة المصرية لم تكن البيئة الملائمة.

تأثر أحمد قاسم بالغناء المصري، وغنى بالمصري، نغمةً ولحنًا في بداياته، وأُذيعت أغانيه من إذاعة صوت العرب، لكنه غادرها مبكرًا ليكتشف ذاته الحقيقية في نغمة عدن وقصائد لطفي جعفر أمان وأحمد الجابري وسعيد الشيباني.

عاد ليقدم نفسه من خلال الأغنية اليمنية، ويستقي أغانيه الجديدة من بيئته ومدنها وناسها ولهجاتها.

هذا الامتزاج بين الجملة اللحنية الجديدة وحياة الناس هو ما يميز أحمد قاسم.

- حين يلتقي الموسيقار الفنان مع كبار شعراء الأغنية اليمنية

العقود الذهبية للغناء اليمني عرفت شعراء غنائيين كبارًا، إلى جانب جيل الرواد من الفنانين.

ثلاثة شعراء غنائيين متميزين كان لهم بصمتهم في مسيرة الفنان أحمد بن أحمد قاسم: لطفي جعفر أمان، أحمد الجابري، وسعيد الشيباني. ثلاث قامات سامقة تختزل اليمن وهواءها، أدبها وثقافتها، بحرها وبرها، سهلها وجبلها، شمالها وجنوبها، نغمتها ولهجاتها.

كان هؤلاء على ثقافة عالية، وجزءًا من وسط ثقافي أصيل وثري في عدن واليمن عمومًا في زمن الثورات والأحزاب والتيارات الثقافية، والفن، والحيوية التي عمّت كل مجالات الحياة.

أجمل أغانيه كانت من كلمات الشعراء الثلاثة.

فاتحة الغناء القاسمي كانت ثمرة اقترانه بالشاعر والأديب والرسام والتربوي والشخصية الوطنية السامقة لطفي جعفر أمان.

غنى من أشعاره: صدفة التقينا، يا عيباه، أسمر وعيونه، خايف أحبك، في جفونك، مش عيب عليك .. إلى آخره.

وإلى هذه الأغاني، قدّم الموسيقار أحمد بن أحمد قاسم، من كلمات لطفي جعفر أمان، ملحمة "موكب الثورة – يا مزهري الحزين"، عمل غنائي كبير لم يحظَ بالاهتمام في بلد يعاني من ضعف الذاكرة، ويغرق في اهتمامات لا تستحق الالتفات، متجاهلًا ما يستحق أن يُرفع إلى مقام الأيقونة الغنائية الوطنية.

كتب الفنان الجميل عصام خليدي عن هذا العمل الغنائي يقول:

"كلمة أقولها بملء فمي وقناعاتي، يكفي المكتبة الفنية اليمنية فخرًا واعتزازًا ما قدمه الثنائي بن قاسم/لطفي أمان في الملحمة التاريخية الشعرية الدرامية الغنائية الموسيقية يا مزهري الحزين، ملحمة موكب الثورة، من نتاج وعطاء إبداعي متميز وخارق غير مألوف، استطاعا من خلاله ترجمة ومواكبة المراحل النضالية والوطنية إبان الاحتلال الاستعماري البريطاني لجنوب الوطن أثناء أزمنة التشطير.

قام بصياغة أشعارها وطرّز أبياتها بصياغة لغوية رفيعة المستوى وسرد تاريخي، وأسلوب وطني راقٍ فني وثائر، يحاكي الزمان والمكان؛ الموسوعة الأديبة والفكرية، المناضل والشاعر والتربوي والملحن والرسام المتألق لطفي جعفر أمان، ونجح الموسيقار أحمد قاسم في ملحمة موكب الثورة ببراعة واقتدار، في توظيف واستخدام وثبات وتنويعات مقامية مختلفة، منها: مقام الدو ماجـيير، ومقام الحجاز على درجة الصول، ومقام الحجاز كار كورد .. وغيرها من المقامات الشرقية والغربية، إضافة إلى تعاطيه مع إيقاعات متنوعة مثل: الفالس، المصمودي 4/4، المارش، الكراتشي، والرومبا... إلخ".

ملحمة يا مزهري الحزين، بما تخللته وتضمنته من دلالات وصور ومشاهد وتراكيب وجمل (ميلودية وهارمونية) متناغمة، وبناءات معمارية موسيقية هندسية شاهقة، ثرية، مكثفة، أرّخت وسجّلت بحرفية إبداعية شعرًا ولحنًا، سيناريو الكفاح المسلح والمعاناة والظلمات التي عاشها، وكابدها، وتجرع مرارتها وقهرها الشعب اليمني، إلى أن تحقق الاستقلال الوطني في 30 من نوفمبر عام 1967م.

تقصّدتُ أن أقتبس مقطعًا مطوّلًا من مقالة الفنان عصام خليدي، بالقرب من مناسبة الاستقلال، للتنبيه إلى تهميشٍ مقيت تعرض له عمل غنائي وطني ملحمي، كان نتاج جهد قامَتان سامقتان في الشعر والغناء اليمني.

ذكر هذه الملحمة الغنائية يستدعي أغنية وطنية بديعة، دمجت الإبداع اللحني المتفرد بالمضمون الوطني. في لحنها امتزج الحب بالوطنية، والموسيقى الرفيعة بالكلمات البسيطة المعبرة عن اكتمال المعنى، وهي من كلمات الشاعر ناصر الحميقاني:
"من كل قلبي أحبك يا بلادي."

غنّى الموسيقار أحمد قاسم لثورة أكتوبر، وقدم الكثير من جهده وخبرته الموسيقية للفنانين في عدن واليمن عمومًا.

كتبتُ في مقالة سابقة عن الفنان أحمد فتحي، الذي التقاه في الحديدة منتصف سبعينات القرن الماضي، وكان عمره حينها 13 عامًا. عاد أحمد قاسم إلى عدن، ومعه الشاب الواعد أحمد فتحي، ليُطلقه من هناك نجمًا في سماء الغناء اليمني والعربي. وهو إلى اليوم علامة فارقة تُثري الفن بالأغنية والعزف والموسيقى الرفيعة.

محمد عبده الزيدي فنان كبير له شخصيته المتميزة، تدرب على الموسيقى والغناء في فرقة الفنان أحمد بن أحمد قاسم التجديدية التي أنشأها في عدن بعد عودته من القاهرة. بدأ في الكورال، لكن قربه من الموسيقار بن قاسم طبع فيه الانجذاب إلى الجديد في الموسيقى واللحن والأداء، وعرفته الحياة الفنية في اليمن واحدًا من كبار الفنانين المجددين، موسيقى ولحنًا وغناءً.
لأقل إنه مضى على خطى أستاذه ومعلمه الأول.

مع الشاعر أحمد الجابري، وجدت خبرة الموسيقي وموهبة الفنان تجربة شعرية جديدة يمزجها بإبداعاته:
يا مركب البندر، المي والرمله، شبكني الحب بسنارة، عدن عدن، وغيرها من الأغاني.

ومع سعيد الشيباني، انتقل إلى أفق أوسع في أغاني شهيرة:
من العدين يالله، حقول البن، وا عشي وا صبح، وابن عمي الليل، والله ما أروح إلا وقاهو ليل، اليوم والله واليوم دايم، صدقت كلام الناس، يا طالعين الجبل – وقد اشتهرت بصوت الفنانة فتحية الصغيرة زوجة الفنان أحمد قاسم.

توسيع الأفق الموسيقي واستخدام الآلات الحديثة يسمح بتنوع أكبر في الألحان والإيقاعات، وهذا ما ميّز ألحان بن قاسم، ومكنه من ابتكار تجارب موسيقية جديدة تعكس الهوية الثقافية بطريقة معاصرة، دون التخلي عن الجذور الأصيلة.

أقل ما يوصف به أحمد بن أحمد قاسم، الذي قدم والده إلى عدن من منطقة "حمنة" في مديرية حيس التهامية، موطن الشعر الحميني ومنبته الأول، أنه موسيقار رائد، أسهم بشكل كبير في تحديث الأغنية اليمنية، من خلال إدخال الآلات الموسيقية الحديثة وتطوير الأسلوب الغنائي، ما أحدث نقلة نوعية في الصوت الموسيقي التقليدي، ونقل الأغنية اليمنية إلى مرتبة موسيقية طربية جديدة ومختلفة لم تعهدها من قبل.

طوّر البنية اللحنية للأغنية، واهتم باللازمة الموسيقية، مع تنويع اللحن والانتقال المقامي، حتى إنه أدخل إيقاعات عربية وغربية، وكانت ميزته الاحتفاظ بالبناء الأساسي للأغنية اليمنية، من خلال استيعاب التجديد المقامي والإيقاعي دون أن يفقد الهوية العميقة للأغنية اليمنية ويعبث بها.

أثراها بالتجديد الموسيقي دون أن يفقدها روحها ونغمتها الأساسية كأغنية معبرة عن ناسها وأرضها، والروح الساكنة في حياتهم اليومية ووجدانهم.

مستوى جديد من النغم تسمعه في أغاني أحمد قاسم. تجربة موسيقية وغنائية فارقة، رفعت الذائقة الموسيقية لدى المستمع اليمني، عبر توزيع موسيقي جديد، وألحان غير مألوفة، أثرت الموسيقى اليمنية، ومكنتها من التعبير عن نغمة عدن ومدنيتها، مثلما أعطتها أجنحة للوصول إلى أجيال جديدة من اليمنيين، على اختلاف بيئاتهم المحلية وأمزجتهم. وتجاوزت المحلية لتصل إلى الخليج والبلاد العربية في مصر وغيرها.

الموت المبكر: الحوادث الأكثر سوءًا في تاريخ الفن اليمني

لم يكن رحيل الفنان أحمد بن أحمد قاسم في حادث سير على طريق صنعاء – تعز، في أبريل 1993، مجرد فاجعة شخصية، بل خسارة فنية فادحة، في لحظة كان فيها في أوج عطائه ونضجه الإبداعي.
توفي عن خمسةٍ وخمسين عامًا، في منتصف العمر، وفي ذروة عطائه المجدد للأغنية اليمنية، التي استغرق سنوات عمره في إعادة صياغتها، مانحًا إياها روحها الجديدة.

حياة المجدد الأعظم للموسيقى والغناء اليمني توقفت فجأة، في لحظةٍ عبثية، في معبر، في طريق صنعاء – عدن.

في الفن اليمني، يبدو الموت المبكر كأنه يدٌ غادرة تقصف عمر الفنان في أوج عطائه.
سلسلة من الحوادث المشؤومة أودت بأرواح فنانين كبار وهم في ذروة العطاء:

الموسيقار فضل محمد اللحجي، اغتيل في عدن نوفمبر 1967، وسط اضطراب سياسي، وكان من أكثر من أغنى المكتبة الفنية اليمنية بالألحان.

الفنان الكبير علي عبد الله السمة، قُتل في صنعاء عام 1984، وهو في التاسعة والأربعين من عمره.

ثم تتكرر الفاجعة لتكتم صوت فنان واعد: علي ذهبان، الذي طوى حادث سير صوته في أكتوبر 2007.
صوته في أغنية "لي في ربى حاجر" كان يطير بمن يسمعه في البراري، كأنه يأخذه إلى زمن الرسوليين، زمن ميلاد الموشحات الحمينية.
ولو امتد به العمر، لكان من علامات الغناء اليمني الحديث.

حتى الأجيال الأحدث لم تسلم من المصير ذاته؛ نادر الجرادي قُتل في صالة عرس بصنعاء عام 2015، وهو في الخامسة والثلاثين من عمره، في حادث عبثي آخر، يختزل مأساة الفنان اليمني.

ولا تتوقف الكارثة عند الغناء وحده، فالموت المبكر حرم الأدب اليمني أيضًا من أحد رموزه المعاصرة، الروائي الكبير محمد عبد الولي، الذي سقط في حادث طائرة الدبلوماسيين عام 1973، ولم يتجاوز عمره حينها الخامسة والثلاثين.
رحل باكرًا، بعد أن وضع العناوين الأولى للرواية اليمنية الحديثة.

الموت المبكر هنا أكثر إيلامًا. يغدو انقطاعًا في المسار الجمالي للفن، أكثر من كونه نهاية بيولوجية لفنان أو أديب.

وفاة أحمد قاسم في منتصف العمر، كان بهذا المعنى، رحيل الفنان وهو في أوج عطائه.
انطفاء الروح وهي في أقصى وهجها.

هذا التذكّر للرحيل المبكر، يبهت ويتلاشى معناه مع تذكر آخر لما أنجزه الموسيقار أحمد بن أحمد قاسم.
وما أنجزه، كثير بكل المعاني:
موسيقى، ألحان، وأغانٍ تنتظر من يتعلم منها، ويستكشف مكنوناتها، وأعاجيبها، وفراداتها.

أكتب خاتمة هذا المقال، بينما أستمع إلى أحمد بن أحمد قاسم، الموسيقار الذي كان موته اكتمالًا لمعناه، بوصفه "ظاهرة فنية"، يترنّم ويتدفق صوته وعوده، محولًا كلمات عادية إلى معزوفة آسرة، تجذبك وتملؤك بنشوةٍ جذلى، تنعش روحك، وتبث فيك حيوية الحياة، بمعناها الأكثر جمالًا:

حبيب روحي
حبيب قلبي
هجر سافر
وأنا ما أدريش
ما ودّعنيش
ما قلبش أي شيء والله
ما كلّمنيش
غريبة ..
إيش جرى له إيش؟
وليش ما قل لي بالله ليش؟
تقولوا غيبته با تطول؟
ذا مش ممكن، ولا معقول.

مقالات

يهودية وعادها تنخط .. (سيرة ذاتية 19)

بقيت في المستشفى الجمهوري مدة أسبوع ولم أعرف ما هو مرضي بالضبط، وعندما ترجم لي المترجم كلام الطبيب الروسي وقوله إنني أعاني من سوء التغذية، خطر في بالي أنه قرر رقودي في المستشفى لكي أتغذى، وأنني سأبقى هناك لفترة. لكن الذي حدث هو أنهم بعد ثلاثة أيام أبلغوني بالخروج، وخرجت إلى الشارع قبل الغداء

مقالات

عودة العليمي إلى عدن: بين زيارة العمل الخاطفة ومشروع تأسيس دولة النظام والقانون

تشكل عودة فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، إلى العاصمة المؤقتة عدن محطةً للتحليل والقراءة المتعمقة، تتجاوز السؤال السطحي حول كونها مجرد زيارة روتينية

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.