مقالات
الراتب.. عميد الأسرى!!
سنوات طويلة مرّت على مرتبات الموظفين اليمنيين بسبب الحرب، وبسبب تعنّت أطراف الحرب جميعاً.
بدأت تباشير انقطاع المرتبات مع انطلاق الشاصات، التي بدون ريوس، نحو مدن اليمن بلا استثناء، وكانت هناك مؤشرات كبيرة على ذلك، مع بداية الحرب يوم 26 مارس 2015م، وموت حركة الحياة والناس شبه الكلي في اليمن، وانعدام المشتقات وانطفاء الكهرباء الكلي، كانت هناك مؤشرات مهمة، ومخيفة حول قضية المرتبات، فقط كانت المليشيا تنتظر وتتحيّن سبباً أياً كان.
وكما هي عادة الشرعية، منذ البداية، قامت بإصدار القرار، الذي قصم ظهور الموظفين، وذلك بنقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، وهنا وجد الحوثيون أنفسهم أمام فرصة سانحة وفَّرتْهَا لهم الشرعية (ومن غيرها)؟، فتوقفت رواتب الموظفين في عموم اليمن.
والسؤال: هل كانت حركة الحوثيين سوف تستمر بصرف المرتبات لكل اليمنيين من صنعاء، لولا هذا القرار الغبي بنقل البنك، الجواب: كانت حركة الانقلاب ستظل تتحيّن الفرص لاتخاذ هذا القرار الخطير، الذي يتماشى مع سلاليتهم وعنصريتهم ومنهجهم الإمامي في الحكم، حيث تريد جيشاً من الموظفين العبيد والسخرة المجانية.
ظلت المليشيا، طوال السنوات الماضية، ترد على كل من يطالبها بالرواتب بقصة نقل البنك المركزي، تتحجج بأن البنك المركزي عندما كان في صنعاء كانت تصرف رواتب لليمن كلها، وأصبح هذا الموضوع الشمَّاعة التي تتحجَّجْ بها لوقت طويل.
بعد مُضي عدة أشهر من انقطاع الرواتب، حاولت ابتكار طريقة وسخة في مناطق سيطرتها للاستيلاء على رواتب الموظفين، وذلك بتحويل الموظفين، وخاصة المعلمين، إلى "هايبرات" و"مولات" ليستلموا مواد غذائية مقابل مرتباتهم، وذلك مقابل عمولات كبيرة وأسعار غالية ومرتفعة جداً، فأثرى عدد كبير من مشرفيها بهذه الطريقة، التي استمرت عدة أشهر، ثم توقف الراتب تماماً، ما عدا نصف راتب قبل العيد.
وظلت، لسنوات، تبتكر أكاذيب وأكاذيب، وخاصة مع بداية كل عام دراسي، بأن هناك دعما من منظمة اليونيسف للمعلم اليمني، وكانت تتقطع لها فلا تصل إلى أحد، ثم ابتكرت ما يسمى بصندوق المعلم الفاشل، ثم قالت في عام جديد إنها ستقوم بتسليم حوافز شهرية، وبمجرد بداية العام قامت بتسليم حافز واحد، وبشروط مجحفة، ثم توقفت.
أكاذيب المليشيا لا تنتهي، أليس الحوثيون من "يكذبون كما يتنفسون".
وطوال هذه السنوات، كان هناك تهديد ووعيد مستمر لا يتوقف للمنقطعين؛ بسبب أنهم يغيبون؛ لأن ليس بحوزتهم أجرة المواصلات ليذهبوا إلى وظائفهم.
بالنسبة للموظفين في المؤسسات الإيرادية تعاملت معهم بكل ديكتاتورية، وفتحت المجال واسعاً للفساد، مثل: الواجبات، والضرائب، والصناعة والتجارة، والكهرباء، والمياه، وغيرها.
بالطبع لعنة الراتب ليست خاصة بقطاع معين دون آخر؛ بل هي لعنة وحرب داخلية أصابت الجميع على الإطلاق؛ وأقصد موظفي الدولة، لكن هناك فئات محدَّدة ليست معتمدة على الراتب كلياً حتى قبل أن ينقطع، ولا شك أن الحرب ألقت بظلالها عليهم، لكنهم يعيشون أسوأ أيامهم مثل كل موظفي اليمن، عكس الكثيرين الذين يعيشون حياة طاحنة، ومات كثيرون منهم وهم ينتظرون مرتباتهم التي أصبحت مثل شعرة معاوية ما لهاش حل، كل طرف يلقي بتبعة الرواتب على الطرف الآخر، رغم الاتفاق السابق في عام 2018م، والمعروف باتفاق استكهولم، الذي يقضي بتوريد أموال ميناء الحديدة إلى البنك المركزي في المدينة؛ بإشراف المليشيا كل شهر، وتقوم الحكومة الشرعية بتتمة المبلغ لتسليم رواتب الموظفين في عموم اليمن، ولكن المليشيا استولت على كل الأموال التي كانت هناك؛ في نقض واضح للاتفاق، وهنا استمرت المأساة للراتب الأسير بين براثن أجشع وأوسخ وأفسد طرفين في الحرب، طرف متراخٍ وطرف يصطاد في الماء العكر بعقلية اللص، الذي لا يمكن لأي كتاب أو مقال وصف لصوصيته.
ليس الراتب كل ما في الأمر في مناطق المليشيا، بل التهديد بمصادرة الدرجات الوظيفية لمن لم يداوم بالقوة والإجبار، فقد حدث تصفيرات كثيرة لرواتب عدد كبير من الموظفين، ورفع بالانقطاع طبعاً بسبب النزوح، وحرمان الموظفين من الفتات المسمى "نصف راتب"، كل ستة شهور تقريباً.
وهذه الحرب طبعاً هي بنت الفساد القائم على مستوى المدن والمديريات، وكلما سلموا نصف راتب ظهرت توقيفات بالآلآف، ولا أحد يدري أين تذهب فيما بعد، بالنسبة للمشاركة المجتمعية، وهنا نتحدث عن صنعاء، حيث يتم أخذ ألف ريال كل شهر من كل طالب وطالبة، وتتم جبايات هذه المبالغ بواسطة مدراء المدارس على أساس أنها تصرف للمعلمين والمعلمات، والحقيقة أن هذي المبالغ تصل في كل مدرسة إلى ملايين كل شهر، يتم اقتسامها بشكل غامض، وبشكل هرمي من الأدنى إلى الأعلى والعكس.
وقد أصبح للمدراء جميعاً طرق كثيرة في الإثراء من الطلاب والمعلمين، وما تبقى يتم صرف ما بين عشرة آلاف إلى 15 ألفا للمعلمين والمعلمات أو أقل.
نختتم ما يتعلق بالراتب هنا بالقول: إن نصف الراتب الموسمي تتعمّد المليشيا إنزاله قبل رمضان بيومين، وقبل العيد بثلاثة أيام، فترى مكاتب البريد كأنها يوم الحشر من أجل هذا الفتات، في امتهان حقيقي لعامة الموظفين؛ سواء مدنيين أو عسكريين مع وجود تضييق رهيب على العسكريين خاصة.
المثير في الأمر أن الانحطاط في التعليم قاسم مشترك بين الطرفين؛ الشرعية و المليشيا، وتدني مستوى التعليم، وانعدام الانضباط، مع الفرق أن معلمي الشرعية يستلمون رواتبهم، لكنهم يعانون من تدهور سعر العملة، وهذا معناه أن التعليم وأجيالا من التلاميذ هم ضحية الحرب الكبرى.
باعتقادكم، كم سنحتاج لسنوات من أجل إصلاح ما حدث، وما يحدث من تجريف تام وكامل ومنهجي للتعليم؛ تحت سيطرة المليشيات؟
ولا شك أن جميع المعلمين والموظفين في اليمن يخشون كثيراً أن يتم صرف مرتباتهم في حال الاتفاق عن طريق المليشيا، ويعتبرون ذلك من الآن خسارة كبيرة، حيث يتوجسون خيفة، وقد غسلوا أيديهم منها بالفعل؛ خوفاً من سرقتها بكافة الطرق والأكاذيب، كما هي عادتها البشعة.
وفي الوقت نفسه، يخشون من حكومة عدن الضعيفة والمشلولة، ويتمنون لو يتم تسليم رواتبهم عن طريق جهات محايدة، حتى لو كانت الأمم المتحدة والصليب الأحمر والجني الأزرق، المهم ألا يشرف على تسليم مرتباتهم مشرفو صنعاء بكل مسمياتهم.
الراتب حياة يا أولي الألباب..
كان يفترض بالهيئة العامة للزواج؛ قصدي للزكاة، توجيه إمكانياتها نحو المعلمين والموظفين اليمنيين، وليس نحو النكاح!!!