مقالات

الريال الهزيل

08/08/2025, 15:49:33

كثير من التفاؤل المخلوط بالمخاوف والمحفوف بالتكهنات عاشه اليمنيون خلال الأيام الأخيرة وهم يتابعون التعافي المفاجئ للريال أمام العملات الأجنبية. 

السؤال الأكبر، كيف تحسن بهذه الصورة المتسارعة بعد سنوات من التهاوي الذي لا تعرف نهايته؟ ما الذي حدث؟ وما العصا السحرية التي استخدمها محافظ البنك أحمد المعبقي؟ الجواب: ما حدث أن البنك المركزي قام بدوره بعد أن وجد القرار السياسي، وما جرى هو إجراءات إدارية وتنظيمية.

في بلد كاليمن، لا شيء يحدث ببساطة، حتى حين يتحسن الريال فجأة، لا تنزل البهجة بردا وسلاما على الأسواق، بل تشتعل الأسئلة وتتكاثر المخاوف.

خلال الأيام الأخيرة، كان تحرك الريال غير متوقع ولا حتى مفهوم على نطاق واسع، وبدا المشهد للوهلة الأولى وكأنه صحوة نقدية تأخرت كثيرا، أو ربما خدعة جديدة في سياق الارتباك المزمن الذي يلف السوق المصرفية.

لقد تحسن سعر صرف الريال اليمني بشكل ملحوظ، إذ انخفض سعر الدولار من حوالي 2900 ريال إلى 1633 ريالا، ما يعادل تحسنا بنحو 44% خلال فترة قصيرة.

 أنا لا أحبذ التهويل، لكني لا أثق بالصدف كثيرا حين يتعلق الأمر بالسياسة والاقتصاد، ولهذا تابعت ما جرى بشيء من الحذر، مثل الكثيرين، ووجدت نفسي أمام مشهد مركب.. الريال يتحسن.. نعم، لكن دون قاعدة إنتاجية أو صادرات نفطية عادت إلى مسارها، ودون إصلاحات جوهرية بدأتها الحكومة، سوى بعض الإجراءات الإدارية والتنظيمية التي تشبه الضمادات على جرح مفتوح. المواطن لم ينتظر كثيرا، فهو يرى في هذا التحسن وإن بدا مفاجئا، فرصة أخيرة ليتنفس مجددا من الأسعار التي طحنته لسنوات، وهو محق في ذلك، لكن التاجر لا يرى الأمر بنفس العين. 

وبينما تتوعد الحكومة بمحاسبة المتلاعبين، يخشى التجار من انتكاسة جديدة، ومن إجراءات تضبطهم دون أن تحميهم أو تحمي السوق نفسها من موجة اضطراب قادمة، فالقطاع الخاص للأسف، حين تنهار العملة يسارع إلى رفع الأسعار بسرعة ومبالغة، لكنه حين يتحسن الريال يتباطأ في خفضها، متذرعا بأنه اشترى بضائع بسعر أعلى، ونحن هنا لا نمنعه من حقه في مناقشة الحكومة حول آليات تخفيض الأسعار وضمانات توفير العملات الصعبة للاستيراد، ولكن يكون ذلك في غرف مغلقة دون أن يواجه الشارع ليصبح خصما في لقمة العيش.

كرد على مخاوف القطاع الخاص برز دور اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات التي باشرت عملها مؤخرا، وإذا ما أحسن تفعيلها فهي قادرة على ضبط عملية الاستيراد وتمويلها بالعملة الصعبة، ما يحد من فوضى الأسعار والمضاربات، ويمنح التجار والمستهلكين على حد سواء أرضية أكثر استقرارا. 

من الإجراءات التي قادت إلى التحسن أيضا أن الحكومة أغلقت أكثر من 50 شركة صرافة خلال أسبوع واحد، وأعادت تنشيط دور البنك المركزي في عدن، إلى جانب نقل المنظومة المصرفية من صنعاء، صاحب ذلك تدشين لجنة للموازنات العامة وهي خطوة تأخرت أكثر من تسع سنوات، في بلد تصرف فيه الأموال بلا موازنات، وتنهب الإيرادات بلا حسيب.

لكن كل هذا لا يلغي حقيقة أننا أمام تحسن هش، لا يستند إلى معطيات اقتصادية ثابتة، فالنفط ما زال خارج الحسابات، والموانئ لا تعمل بطاقتها، والموارد تذهب إلى حسابات خارج سيطرة الدولة، ناهيك عن العجز المزمن في الرقابة والمساءلة، فقد كان إنتاج النفط يصل قبل توقفه في العام 2022 إلى نحو 60 ألف برميل يوميا، وهو رقم كبير قياسا بالاقتصاد الوطني المتعثر، وغيابه يترك فجوة هائلة في مصادر العملة الصعبة. 

ما نشهده الآن إن لم يبن عليه بإصلاحات شاملة لن يكون سوى انتعاشة عابرة، مثلما تقول النظريات الاقتصادية، وربما يتحول إلى خدعة لامتصاص غضب الناس، قبل أن تنهار العملة مجددا تحت وطأة الطلب على الدولار، وعودة المضاربين بعد أن تنتهي موجة العقوبات أو تتلاشى موجة الرقابة. 

الواقع أن الحكومة اليوم أمام معادلة صعبة، عليها حماية المستهلك دون قتل السوق، وضبط الأسعار دون تخويف التاجر، وإقناع المواطن بأن التحسن حقيقي، دون أن تخفي عنه هشاشة الوضع.

وهذا لن يتحقق بشعارات حماية المستهلك وحدها، بل بخطة اقتصادية متكاملة تشمل تأمين إعادة تصدير النفط والغاز، وتفعيل الجهاز الضريبي والجمركي وفق آليات شفافة، إلى جانب إعادة توجيه الإيرادات إلى البنك المركزي لا إلى الحسابات الموازية، فضلا عن إطلاق سياسة نقدية تحمي السوق من تقلبات المضاربين وتغول التجار.

الريال الهزيل يمكن أن يستعيد عافيته، لكن ليس وحده، بل نحتاج أن يتعافى الوطن كله، من أمراض الفساد، والارتهان، والتشظي المالي والإداري، ما لم فسيظل الدولار سمينا يسرح في الأسواق، بينما الريال يصارع النحول، والمواطن وحده من يدفع الثمن دائما.

مقالات

دوار الحب ودوار البحر 7

في الاجتماع سألني المسؤول الحزبي عن البنت تغريد وهل وافقت على دخول الحزب؟ وحين قلت له بأنها لم توافق شعرت من تعابير وجهه كما لو أنه يدينني لعجزي عن استقطاب بنت أمية وغير متعلمة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.