مقالات
أحمد الجابري وأطروحته: العلوم السياسية.. مناهجها ومجالاتها
هذا عنوان رسالة دكتوراه مقدَّمة من الدكتور أحمد سنان الجابري، تقع في 279 صفحة، من القطع الكبير. تشتمل الرسالة على ثلاثة أبواب، كلُّ بابٍ عدة فصول. في الباب ستة فصول، ويحتوي الفصل عدّة عناوين.
يتناول الفصل الأول موضوع علم السياسة وظهور علم السياسة. ويتساءل: ما هو علم السياسة؟ ومتى ظهر علم السياسة؟ وما مضمون وموضوع البحث السياسي؟
يجيب الباحث: “يتشكّل مفهوم أو مصطلح علم السياسة من كلمتين يونانيتين؛ وتعني الشأن العام، أمورَ الدولة، لوجوس: علم/تعلُّم/دراسة…”.
ويرى أنَّ علمَ السياسة هو علم يدرس النشاط السياسي. أمّا في الولايات المتحدة والدول الأنجلوسكسونية فيستخدمون مفهوم Political Science.
يدرس الدكتور تطوّر الفكر السياسي تاريخيًا، ويدرس بدء تشكّل وتطوّر الفكر السياسي مع ظهور الدولة والسلطة السياسية؛ وقد وصلت إلينا عبر الأجيال التشريعات القانونية للفترة بين القرنين الثاني والأول قبل الميلاد.
أمّا الشرق القديم فقد كان التصور السائد حول السلطة والسياسة يتسم بطابع ديني أو خرافي؛ أي إنه غابت عنه المفاهيم السياسية.
في زمن الحضارة اليونانية حدث الانتقال من الوعي الخرافي إلى التفكير النقدي العقلاني؛ وذلك في منتصف الأولى قبل الميلاد. وظهرت الفلسفة نتيجة ذلك.
تُطلق تسمية بروتوبولوتيك على المعارف السياسية التي تطوّرت قبل ظهور العلوم السياسية المعاصرة.
إذن بروتولوتيك هو النشاط النظري للمفكرين السابقين لعلم السياسة المعاصر. ويرى أن عقلنة المعرفة السياسية في الشرق قد ارتبطت باسم الفيلسوف الصيني كونفشيوس. لقد تم تناول قضايا السياسة، والحق والقانون، والفلسفة في إطار المفاهيم الفلسفية الأخلاقية على ضوء العدالة والخير والمصلحة العامة.
كانت الدولة والبحث عن أفضل شكل للإدارة هو موضوع الدراسة الأساس؛ على أنه في ذلك الوقت لم يكن قد ظهر مفهوم الدولة.
يتناول الدكتور استخدام اليونان كلمة بوليس (حكومات المدن)، كما يتناول مؤلفات أفلاطون وأرسطو وقرّاءهم للتطور الأعلى للفكر السياسي اليوناني.
كما يدرس ما قام به المفكرون والقادة السياسيون الرومان وتطوّر الفكر السياسي للفلاسفة اليونان. ويدرس تأثير الفكر القانوني على السياسة الرومانية، وتطوّر النظريات في العصور القديمة التي درست جوهر وأصل الدولة وأنسب أشكال الحكم.
يدرس الباحث تطوّر الفكر السياسي في القرون الوسطى وفي عصور النهضة وفي العصر الحديث. ويدرس ظهور المفاهيم الاجتماعية للسياسة في القرن السابع عشر، وارتباط ذلك بالثورة الفرنسية، وترسخ المجتمع الصناعي، وبالتالي الشكل الجديد للدولة.
ويتناول ظهور الماركسية في أربعينيات القرن التاسع عشر، كما يتناول في رسالته موضوع السياسة، والسياسة كعلم وفن، والعلوم السياسية وبنيتها وقوانينها ومقولاتها.
ويتناول في الفصل الثاني الأسس المنهجية للعلوم السياسية، ومناهج البحث في العلوم السياسية الحديثة. ويدرس هذه المناهج بدقّة وبتتبّع العارف المدرك للمفاهيم والمصطلحات العلمية.
يربط مصطلح منهج بمفهوم براديم Paradigm (النموذج) الذي يُقاس عليه.
ويرى أنَّ النموذج في المنهجية هو التصوّر عن موضوع العلم ونظرياته الأساسية. في الفصل الثالث يتناول موضوع مفهوم النظام السياسي ومكوّناته الرئيسة.
قسّم دراسة النظام السياسي باعتباره مجموعة من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ذات المعايير الاجتماعية والقانونية التي تتحقق من خلالها السلطة السياسية.
ويدرس النماذج العديدة للنظم السياسية، ويقوم بتحليل النظام السياسي البنيوي والوظيفي.
في الفصل الرابع يحدّد الفرق بين النظام السياسي Political regimes.. والنظام السياسي.
ويرى أنَّ من الصعب جدًا إعطاء تعريف شامل للنظام السياسي. ويضيف: وقد أصبح معروفًا على نطاق واسع التعريف الذي قدّمه عالم السياسة جان لويس كيرمون بالنظام السياسي Political regime بأنه مجموعة العناصر ذات الطبيعة الأيديولوجية والمؤسَّسة الاجتماعية التي تُسهِّل تشكيل السلطة السياسية في البلاد لفترة معينة.
كما عرّفه ثروت بدوي بأنه مجموعة من القواعد والأجهزة المتناسقة فيما بينها تُبيّن نظام الحكم ووسائل ممارسة السلطة وأهدافها وطبيعتها ومركز الفرد منها وضماناته قبلها، كما تحدد عناصر القوى المختلفة التي تسيطر على الجماعة وكيفية تفاعلها مع بعضها والدور الذي تقوم به كل منها.
يدرس معايير النظم السياسية: شمولية، سلطوية، ديمقراطية، والأنظمة الشمولية والاستبدادية والنظام الديمقراطي والنماذج العديدة للديمقراطية.
أمّا الفصل السادس فمكرَّس للأيديولوجيات السياسية ووظائف الأيديولوجيات السياسية ومستويات أدائها والليبرالية الإصلاحية والتيار المحافظ والأيديولوجيا الاشتراكية.
كما يدرس البنية الثقافية السياسية ووظائفها السياسية والتنشئة الاجتماعية السياسية. يدرس بعمق وتتبع دقيق لأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المراحل والنماذج المختلفة وما وصلت إليه في الراهن.
في الباب الثاني يدرس الدكتور المؤسسات السياسية: السلطة السياسية، والخصائص الرئيسية للسلطة.
في الفصل الأول يتناول تعريف السلطة، والفاعلين في السلطة السياسية، ومفاهيم السلطة، ومصادرها، والشرعية التقليدية، والشرعية الكارزمية، والشرعية العقلانية القانونية.
كما يدرس وسائل إضفاء الشرعية على السلطة، ويدرس بعمق واتساع نشأة الدولة، وجوهرها ووظيفتها:
· النظرية اللاهوتية.
· النظرية البطريركية.
· نظرية العقد الاجتماعي.
· نظرية العنف والنظرية الطبقية.
والمناهج والسمات المختلفة والوظائف والهيئات، كما يدرس الأشكال المختلفة للحكم: الشكل الملكي، الشكل الجمهوري، دولة القانون والمجتمع المدني.
ويدرس مفهوم دولة القانون، والدولة الاجتماعية، والمجتمع المدني، ويتناول الفصل الثالث وظيفة رئيس الدولة، ونماذجه في النظم المختلفة، وصلاحياته، والوظائف التمثيلية، ومجال إدارة الدولة، ومجال التشريع، والمجال العسكري، ومجال الأحوال الشخصية، وأحوال الدولة، والصلاحيات الاستثنائية والاقتصادية، وإقالة رئيس الدولة.
ويكرّس الفصل الرابع للسلطة التشريعية، وموجز عن تاريخ البرلمان، وتعريف السلطة التشريعية، وجوهر النظام البرلماني، ويدرس تركيبة البرلمان والوضع القانوني للبرلمانيين واختصاصاتهم ووظائفهم وإجراءات تشكيل البرلمانات وإجراءات حلّها، ومراحل العملية التشريعية والمبادرات التشريعية والكتل والنظم التشريعية.
ويتناول في الفصل الخامس السلطة التنفيذية، ومفهوم الحكومة وأنواعها، الحزبية وغير الحزبية، والأغلبية والأقلية، وترتيبات التشكيل والتصويت على الثقة وحجب الثقة، والتشكيل المختلط، وقوامها وهيكلها ورئيسها ودوره الحقيقي، والوزير بدون حقيبة، ونظام العمل الحكومي، ونظام الاجتماعات، والمهمات الداخلية، وصلاحيات الحكومة في المجالات المختلفة.
ويُكرَّس الفصل السادس للسلطة المحلية ونظام إدارتها والنماذج الأساسية للحكم المحلي، ويدرس في الباب الثالث العمليات السياسية وخصائصها ومفهومها وبنيتها، والتقييم ومخاطر اتخاذ القرار السياسي والطوباوية في العملية السياسية، وتصنيف الأنشطة السياسية، والفاعلون السياسيون، وأنواع المشاركة السياسية، وأسباب عدم المشاركة.
ويدرس نظرية التحديث، وخصائص التحديث، وتناقضاته، وأسباب ومصادر الصراعات السياسية، ومراحل الصراع وأشكاله، وحلّ النزاعات.
أمّا الفصل الثامن فمكرَّس للنخب السياسية، والقيادة: مفهومها، ووظائفها.
ويدرس القيادة السياسية ووظائف الزعيم السياسي وتصنيف القيادة السياسية. ويدرس في الفصل الثالث الأحزاب والتنظيمات السياسية، والحركات الاجتماعية، والحزب السياسي، ونشأة الأحزاب وأنواعها ووظائفها، والنظم الحزبية والائتلاف، ونظام الحزب الواحد، ونظام الحزبين، والمنظمات والحركات الاجتماعية ودورها السياسي.
ويُكرَّس الفصل الرابع للانتخابات، والتمثيل، وحق التصويت، والمبادئ الأساسية للحقوق الانتخابية، والاقتراع الإيجابي والسلبي، وإجراءات الترشيح، وأنواع النظم الانتخابية ومفهومها، ونظام الأغلبية المطلقة ومزاياه وعيوبه، ونظام الأغلبية المتسببة، والنظام الانتخابي النسبي ومزاياه وعيوبه، والنظم الانتخابية المختلطة، ودور النواب والاستفتاء.
ختامًا، لا يسعني إلا الاعتذار للدكتور الجليل، وللقراء، عن القراءة العجلى المختزلة لبحثٍ غاية في الدرس والاستقصاء للسياسة منذ النشأة، وللنظم السياسية عبر التاريخ وأشكالها وأنواعها.
وقد غطّت الرسالة الأكاديمية المبحث الواسع بمنهجية وموضوعية وعلم. فالكتاب مرجع أكاديمي مهم ليس لطلاب العلم فحسب، وإنما أيضًا للباحثين وتلاميذ السياسة وأساتذتها.
فتحية حب واعتزاز للدكتور أحمد سنان الجابري، الذي رفد الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية بكنز ثمين يُعدّ من أهم وأوفى المباحث في هذا الباب.