مقالات
السعودية حين تريد خلع عباءتها
مهما بلغت السعودية من شأن وتطور وحداثة، ومهما حاولت أن تنسلخ عن ثوبها القديم، ستظل النظرة الغربية تلاحقها كظل لعنة أبدية: ابتزاز بالمال والمواقف.
لم تفعل المملكة شيئا مذكورا من أجل غزة المذبوحة على مرأى ومسمع العالم. القطاع الذي يشهد منذ قرابة العامين أسوأ إبادة إسرائيلية متواصلة، يتنفس الرماد ويصحو على الموت، بينما قبلة المسلمين والعرب تصمت وتقيم حفلات الرفاه.
مع ذلك، وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش لم يرَ في هذا الصمت فضيلة، بل وجد فيه فرصة للازدراء والاحتقار البالغ، فدعا السعودية إلى "العودة إلى ركوب الجمال" إن هي أيدت فكرة الدولتين.
تصريح يقطر احتقارا وإهانة في وقت يفترض أن يقدم الكيان الهدايا للمملكة مكافأة على سكوتها عن المذبحة.
غير أن هذه هي إسرائيل، وهذه هي الصورة التي ستكون عليها السعودية في نظر الغرب دائما: مصدر للمال ومخزن للمواقف عند الطلب.
بلغت درجة الوقاحة عند متطرفي الكيان حد الادعاء بأن على السعودية أن تشكرهم على حرب الإبادة في غزة لأنها، في رأيهم، خلصت المنطقة من "الجيب الإيراني".
الحرب بالنسبة لهم كانت خدمة مجانية للرياض، إذ وجهت ضربة إلى طهران وحلفائها في لبنان. هذا عامل مساعد آخر. فماذا يريد السعوديون أكثر؟
هكذا يراهم الاحتلال وحلفاؤه: زبائن في سوق المصالح، لا حلفاء في ميزان الكرامة.
وسط هذا العار والانكشاف، يشعر الشارع العربي بخيانة عظمى، بخسارة آخر رصيد أخلاقي في المنطقة، حين تتخلى أهم دولة عربية عن قيمها الإسلامية وتغيب عن واجبها في قيادة موقف عربي موحد وقوي لوقف جرائم الحرب والإبادة.
لقد نسي العرب أو تناسوا متى كانت آخر مرة استخدم فيها النفط ليس مجرد سلعة، بل سلاحا سياديا. منذ متى استخدموا أدوات الطاقة كورقة ضغط على الداعمين للاحتلال؟
ومتى فكروا في مقاطعة الشركات التي تمول قتل الأطفال في غزة؟ حتى مبدأ الاستثمار الأخلاقي الذي يرفض التعامل مع الكيانات المتورطة في جرائم حرب، أصبح فكرة غير واقعية في قاموس السياسة الجديدة.
لكنهم شاهدوا للأسف انتفاضة الشارع الغربي من أجل كرامة الإنسان في القطاع.
أما على صعيد الإعلام، فبدل أن تكون الشاشات والمنصات المدعومة من السعودية منابر لفضح الجرائم الإسرائيلية، تحولت إلى أبواق تتبنى الرواية ذاتها، بل وأكثر تطرفا.
من يشك في ذلك، عليه فقط أن يشاهد قناة العربية والحدث، أو يطالع صفحات "الشرق الأوسط" و"عكاظ" ليرى كيف انقلب الخطاب من نصرة المظلوم والمذبوح إلى تبرير الجلاد.
السعودية، بما تمتلكه من ثقل ديني واقتصادي، كانت مؤهلة لقيادة مشروع موازن في المنطقة يواجه الطغيان الاستعماري ويرفض الازدواجية الدولية في قضايا الشعوب المحتلة.
لكنها للأسف تخلت عن هذا الدور، وانكفأت على الداخل، وانشغلت بتلميع صورة جديدة عنها، بينما صورتها القديمة لا تزال في الواجهة الغربية كمشروع ابتزاز عند الطلب.
في النهاية، من لا يدافع عن دماء غزة سيبقى في نظر إسرائيل والغرب مجرد "راكب للجمال" مهما ارتدى من ثياب التطور والحداثة.