مقالات
السعودية والإخوان
قبل عدة سنوات، لم تكن السعودية بهذه الروح العدائية المُفرطة والمُعلنة حيال الدول والجماعات.
كانت تمضي بسياسة هادئة نحو أهدافها العدوانية، بعيداً عن ضجيج وسائل الاعلام. مررت سياستها العدوانية تجاه اليمن بدبلوماسية هادئة، حتى بدا للبعض بأنها تهدف إلى دعم أمن واستقرار البلد مخافة انتقال الفوضى إليها.
لكن السياسة اختلفت جذرياً مع اندلاع ثورات "الربيع العربي"، وتسلّم جماعة "الإخوان المسلمين" الحُكم في مصر.
دعمت الرياض انقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس محمد مرسي، وخرج الملك الراحل عبدالله بخطاب للعلن يبارك عملية الانقلاب، محذراً ممّا أسماه "الإرهاب والضلال والفتنة".
وتيرة متصاعدة من العداء. مؤخراً صنّفت هيئة "كبار العلماء" السعودية جماعة "الإخوان" كتنظيم إرهابي، وهناك تعميمات وحالة تجييش ضد عناصر التنظيم في مساجد المملكة.
يستدعي ذلك بالتأكيد العودة قليلاً إلى قصة البدايات الأولى للعلاقة. يعرف كثير أن المملكة وفّرت للاخوان ملاذاً آمناً من بطش نظام جمال عبدالناصر، لكن القليل يعرف أنها مكنتهم من دوائر التعليم بغرض مواجهة الفكر "السلفي المتشد".
أدى الفكر المتشدد إلى صولات وجولات من الدم، ونشأت عنه- في حالات كثيرة- نزعات تمرّد واتهامات لنظام الحُكم بالابتعاد عن "الحُكم بما أنزل الله".
تبدو الاتهامات، التي وجهتها هيئة العلماء السعودية لجماعة الاخوان بالتشدد والارهاب مؤخراً، تهمة سخيفة مقارنة بإرث "وهابي عظيم"، محمي رسمياً، ونتج عنه عمليات إرهابية في مختلف أنحاء العالم.
ما تزال تفجيرات ١١ سبتمبر في نيويورك تزعج السعودية في الغرب، خاصة أن ١٥ سعودياً من بين منفذيها التسعة عشر.
ومن الواضح أنه في سياق محاولات التطهّر من هذا الإرث، ضمن التوجّهات الجديدة لنظام ولي العهد محمد بن سلمان، تبحث المملكة عن عدو مناسب لمرحلة ما بعد "الربيع العربي".
ثمة موقف متأصل للسعودية، منذ التأسيس، ضد فكرة تغيير النُّظم من خلال الثورات والديمقراطية، ولذلك التهمة الحقيقية، التي لم تستطع الهيئة السعودية مواراتها، هي منازعة "الاخوان" ولاة الأمر الحُكم.
يجب تثبيت هذه الحقيقة والتهمة، وما عداها مجرد محاولات للبحث عن رضا الخارج.
رغم كل ذلك، لا مناص للسعودية من تجنّب هجمة شرسة في الغرب، خاصة مع فوز الديمقراطي، جوزيف بايدن، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
ترصد الصحافة الغربية سيناريوهات قاتمة لمستقبل المملكة بعد خسارة ترمب، وتطرح تساؤلات كثيرة، بعضها خالٍ من التهذيب من قبيل "من سيحمي مؤخرة بن سلمان؟!".
وفي خضمّ هذا العداء المتصاعد تجاه الحلفاء، تثور تساؤلات أيضاً: من سيحمي حدود المملكة من هجمات إيران والحوثيين؟
هناك فصيل آخر في فنائها الخلفي، يتبع "الإخوان" ويقاتل أفراده بضراوة دفاعاً عن المملكة.
يبدو للمراقب أنه مهما بلغت درجة العداء والاستهداف وحالات التجييش ضد عناصر تنظيم "الاخوان المسلمين"، إلا أنه لا يبدو أنهم سغيّرون الوجهة.
لا نستبعد في كل الحالات وأصعب الظروف، ولو من بينها لحظات غرق المملكة في مستنقع مكائدها، من تحول عناصر "الاخوان المسلمين" إلى وجهات أخرى غير بقائهم مجرد "مترس" للدفاع عن بيضة الاسلام المتبقية في المنطقة (السعودية).
من يتابع بعض التمظهرات السياسية الغبية لهذه الجماعة لا يستبعد شيئاً.
الشيء الواضح الذي لا يستطيع "الاخوان المسلمون" أن ينكروه هو أن هدير جماهير ٢٠١١ خدعتهم، خانتهم السياسة، بل خانتهم كثيراً، وافتقدوها في خضم مرحلة اعتقدوا أنها فاصلة وقاطعة مع الماضي.
ذلك الماضي، الذي كانوا لا يجرأون فيه على الترشح والمنافسة على مجرد منصب محلي أو برلماني إلا بعد طرح سيناريوهات واحتمالات كثيرة، بينها تقدير حجم القوة والعواقب.