مقالات
الضمير اليهودي في مواجهة إسرائيل!
أمام حالة التوحش وحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، يبدو أن الأمر لم يعد يهم أحداً باستثاء اليهود أنفسهم!
يتأمل بعض الكتاب والناشطين اليهود ما تشهده غزة، بضمائر يقظة، فتمثل أمامهم مرويات معاناة أسلافهم في محارق هتلر.
نسجت الوكالات اليهودية الكثير من الأساطير حول الهولوكوست، ووظفتها لتبرير تهجير اليهود إلى فلسطين، وصناعة وطن قومي بديل.
هناك الكثير من الشكوك حول دور الوكالات والشخصيات الصهيونية نفسها في تدبير هذه المحارق، مع ذلك فإن هذه الذكريات المؤلمة في المخيال اليهودي هي التي تواجه إسرائيل بين الحين والآخر في خضم محرقة غزة.
في مقطع فيديو انتشر حول العالم، استنكرت ناشطة أمريكية يهودية، تدعى كاتي، "استخدام إسرائيل أساليب النازيين في قمع اليهود ضد الفلسطينيين".
قالت كاتي إنها طالعت مقالاً، نُشر في عام 2002، يتحدث عن كيفية تدريب جنود الجيش الإسرائيلي لاحتلال غزة، باستخدام تكتيكات الجنود النازيين لقمع انتفاضة سكان "وارسو" في بولندا، قبل 80 عاماً.
وأضافت كاتي أن 'ما تفعله إسرائيل هو إعادة تسليط الأساليب نفسها على الشعب الفلسطيني، الذي يتعرَّض لأبشع الجرائم.
أما الكاتب اليهودي آفي شتاينبرغ ، المقيم في أمريكا، فقد أعلن تخليه عن الجنسية الإسرائيلية؛ احتجاجاً على ما وصفها بالإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني في غزة.
في هذه المراجعة للكاتب اليهودي؛ انتقد مزاعم اسرائيل "إعلان الاستقلال بالمساواة" عند قيامها عام 1948.
وقال بصورة أوضح إن "هذه الدولة اعتمدت في نشأتها على العنصرية المقننة، وبناء نظام عسكري استعماري بهدف القضاء على فلسطين وشعبها".
ثمة ما يمكن وصفها بمشاعر العار، التي بدأت تظهر لدى ناشطين وكُتاب يهود، وبعض حملة الجنسية الإسرائيلية على وقع هذا التوحش، الذي وضع هذا الكيان وجهاً لوجه أمام الضمير الإنساني.
واظب المفكر الأمريكي اليهودي نورمان فينكلشتاين على نسف كل خرافات إنشاء الكيان الصهيوني وفضح ممارساته العنصرية وجرائمه الوحشية وسعيه، كقوة استعمارية عنصرية، لمحو الشعب الفلسطيني.
في أبلغ موقف متصالح مع قناعاته وضميره الإنساني اليقظ، شارك فينكلشتاين احتجاجات الطلبة، التي هزت الولايات المتحدة، ضد المجازر في غزة، وجرى اعتقاله على يد الشرطة.
في هذه التظاهرات شارك آلاف اليهود بينهم حاخامات يناهضون وجود الكيان الصهيوني من الأساس.
وفي أحد مواقفه الشهيرة، رأى أستاذ العلوم السياسية الأمريكي أنه يتوجب تفكيك الحكومة الإسرائيلية بسبب المجازر التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين، بينما كان بعض العرب يباركها ويمدها بالمساعدات!
ما يحدث في غزة على بصر وسمع العالم ليست حرباً. حتى الحروب لها قواعد، وهناك قوانين دولية لو أشهرت في وجه إسرائيل فإنها ستصبح الدولة الأكثر إجراماً في التاريخ.
ما يفعله هذا الكيان، المصنوع كالمنازل الجاهزة، هو قتل البشر وسحقهم بأكثر الوسائل والأساليب فظاعة.
قبل هذه الحرب بعام، وقف إيلان بابيه -الأكاديمي اليهودي الشهير وهو مؤرخ إسرائيلي- في مؤتمر "القدس لنا"، الذي نظمته جاليات عربية في إيطاليا، لينتقد النفاق الغربي حيال ما يحدث في أوكرانيا، وعدم تجريم ما ترتكبه إسرائيل بحق الفلسطينيين منذ أكثر من 70 عاماً.
دمّرت حرب الإبادة الإسرائيلية، الادأكثر فظاعة في التاريخ، 59% من المباني في غزة.
اعتمد الباحثان كوري شير وجايمون فان دي هويك في الوصول إلى هذه الإحصائيات على الأقمار الصناعية، وبحسبهما فإن الجزء الاكبر من هذا الدمار وقع، خلال الثلاثة الأشهر الأولى من حرب الإبادة الأكثر ترويعاً.
لقد كان هذا العدوان الوحشي عبارة عن عملية إبادة مصمممة لاجتثاث السكان، وليس لها من هدف سوى قتلهم أو تهجيرهم: قتلتهم في المنازل، ولاحقتهم إلى الخيم، وجوعتهم، وفرضت عليهم حصاراً خانقاً من البر والبحر والجو، ثم تركت للطقس الأسوأ والأمطار إكمال البقية.
وفي أكثر مظاهر هذا التوحش بشاعة، حوّلت إسرائيل المسشتفيات في غزة إلى هدف رئيسي، وجرى تدمير شبكة الرعاية الصحية بصورة كاملة، كما قالت الأمم المتحدة.
في هذه الجزئية، شاهد العالم بثاً حياً للحرب الفظيعة على مستشفى "كمال عدوان"، وإحراقه وتدميره، واختطاف الممرضين، والتنكيل بالمرضى، واعتقال مديره وتعذيبه.
خلال هذه الحرب، قتلت إسرائيل من العاملين في القطاع الصحي فقط أكثر من 1500 طبيب وممرض، ومئات المسعفين.
يدرك بعض اليهود من ذوي الضمائر الحية أن ما ترتكبته دولة الاحتلال الصهيوني تجاوز مرويات "الهولوكوست" بكل مبالغاتها بمراحل. ذلك يثير شعوراً إنسانياً بالعار والتقزز.
تستحضر كاتي هذه المعلومات وهي تشاهد وحشية جيش الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، فتتذكر ما تعرَّض له اليهود على أيدي النازيين.
تقول الناشطة اليهودية الأمريكية إن هذا الكيان لا يمثل تلك العذابات، بل إن "إسرائيل تهين تاريخ ومعاناة أسلافها اليهود من خلال وحشيتها ضد الفلسطينيين".
هناك الكثير من اليهود هم أقرب للفلسطينيين ومعاناتهم، بل إنهم يقفون في الجهة المقابلة تماماً لقسم من العرب والمسلمين الصهاينة، وكأنهم فلسطينيون.
عندما تعتقد إسرائيل أنها قد حسمت الأمر، واشترت كل العالم، تجد نفسها في مواجهة أصوات يهودية ترفع صوتها عالياً: توقفوا أنتم نازيون!