مقالات

الفعلة الانتقالية

07/02/2021, 06:19:49
المصدر : خاص

انتقلتُ مؤخراً إلى منزل جديد آخر في صنعاء، اضطراراً. صارت إيجارات المنازل في العاصمة - بعد الحرب وتداعياتها ونزوح الملايين إليها - ضرباً من الجنون الهيستيري المطلق. وعرفتُ أن مدينة عدن أصابها الوباء نفسه بعد أن صارت "عاصمة مؤقتة"، محتشدة بالإنس والجن من كل طائفة. 

وأنا منذ عامين لم تطأ قدماي منزلي الخاص في عدن، لظروف قهرية. ولذا، أُفكّر بتأجير شقتي هناك لسداد إيجار الشقة 'المستأجرة' في صنعاء. ولعنة الله على من أوصلنا الى هذي الحالة!

كثيرون - في صنعاء بالذات - يخوضون يومياً تجربة الانتقال من منزل إلى آخر بسببب ارتفاع الإيجارات ونُدرة المنازل في ظل انخفاض حاد في وتيرة البناء.

وبالطبع يواجهون كلفة باهظة في متاعب وأتعاب الانتقال، عدا ما يتعرض له العفش من خراب وفوضى، وما يصيب النفس من نكد وضيق، وما يأتي على الجيب في مقتل. 

وعلى سبيل المثال: منزلي السابق كان إيجاره خمسين ألفاً، فيما الجديد مائة وعشرين ألفاً! .. واللي مش عاجبه يشرب من البحر .. بس المصيبة أن لا بحرَ في صنعاء!

وقد صرتُ على قناعة مع نفسي الأمَّارة بالفعلة الانتقالية، أن هذه المرة ستكون النقلة الأخيرة لا محالة. 

بصراحة، بعد هذا العمر، لا يجوز الانتقال مرة أخرى إلاَّ إلى القبر. أما إذا مدَّ الله في عمري، فلا أراها إلاَّ نقلة أخيرة إلى منزلي الخاص في عدن، والبقاء هناك في حالة تقاعُد دائم عن كل مشاغل ومشاكل الدنيا. فلا أدري كيف يمكن لامرئٍ أن يُبدع وهو في حالة توتر وقلق دائمين جراء عدم استقراره وثباته في مكان إقامة واحد، وكأنَّه بحَّار أو رحَّالة أو لاجئ متنقل بين الدول!

أخبرني كاتب عربي صديق ذات مرّة أنه بات فاقداً الشعور بالجاذبية، وكأنَّه أحد روَّاد الفضاء! 

فهو من كثرة تنقلاته بين مدن عربية وأوروبية عديدة خلال ثلاثة عقود تقريباً، ومن كثرة تنقلاته بين المطارات والقطارات والموانئ والبواخر والطرقات والأرصفة، صار لا يشعر بميزة الثبات وصفة السكون على كل صعيد، نفسي ومادي، فيزيائي واجتماعي، عقلي وروحي، وكلّ شيء! ليس له عنوان إقامة دائم .. ليس له رقم هاتف منزلي ثابت .. وليست لديه مكتبة ملمومة في مكان محدد بمنأى عن التمزق والشتات.

وخلال إقامتي في صنعاء منذ النصف الثاني من العام 1990م تنقّلت بين خمسة منازل، عدا بعض الفنادق أثناء الاشتباكات النارية بين الأخوة الأعداء، والتي اندلعت - مثالاً - بين فرقة علي محسن وحرس علي صالح يومها، وكنتُ حينها مقيماً على خطّ النار بين القوتين الشقيقتين، وقد تعرّضت العمارة التي أقطنها لعيارات عديدة، عدا الطلقات التي أصابت سيارتي التي كانت مركونة بجوار العمارة. 

والأمر ذاته طال عمارات مجاورة وسيارات بجوارها، بل وبعض البشر أيضاً. ولم يُصب محسن وصالح بأيّ أذى!

لماذا كل هذا السرد المُمِل لتفاصيل الخارطة الصنعائية في مسار حياتي خلال ثلاثين عاماً؟

لستُ أدري بالضبط. كل ما أدريه أن من لا يملك بيتاً في وطنه، فهو لا يملك وطناً من الأساس!

مقالات

تقديم كتاب "دليلُ السُّراة "

لن نحدّق في الهاوية التي علقنا على أطرافها. لن ندع الجحيم الذي مررنا به ينبت في دواخلنا. في أشد اللحظات قتامةً ويأساً، نعود إلى أجمل ما فينا، نلوذ بروح اليمن العصية على الانكسار.

مقالات

مشروع إسقاط الدولة اليمنية: من التوريث إلى تسليم صنعاء

من ينظر إلى المشهد اليمني اليوم قد يظن أن الحوثيين حققوا نصرًا مرحليًا على خصومهم. لكن الحقيقة أن ما يبدو "نصرًا" ليس إلا حلقة أخيرة في مسلسل طويل من الانهيار الممنهج، تقاطعت فيه الأدوار الداخلية والخارجية، وسارت فيه اليمن من دولة ذات مشروع إلى ساحة مفتوحة للمليشيات والمصالح.

مقالات

أيُّ مستقبل للحوثيين بعد حرب إسرائيل وإيران؟

بتهديداتهم المتكررة وغير الواقعية أو العملية، لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا، وحتى التلويح باستهداف بعض دول الجوار، يضع الحوثيون أنفسهم في مواقف لا يُحسدون عليها، ليس فقط من جهة ردود فعل تلك القوى الدولية في حال تكررت مغامراتهم باستهدافها مباشرة أو من خلال التعرض لسفنها في خطوط الملاحة المارة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ولكن أيضاً لكون تلك التهديدات باتت تُثير السخرية والتندّر لدى كثير من الأوساط في تلك الدول.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.