مقالات

اللعنة الأخيرة

11/04/2021, 08:50:12
المصدر : غرفة الأخبار

ها هم الأصدقاء والزملاء يتقاطرون - في عَجَلةٍ عجيبة - إلى حديقة الموت بعضهم عن مرض، وبعضهم عن وَهَن، وبعضهم عن وطن.

 وفي معظم الحالات، أراهم لا يجدون الوقت للسلام الأخير والوداع الكسير.

وفجأة، أجدني وقد شارفتُ على الستين. هذا الرقم الذي صار يشير إلى قُرْب احتضان عروس الموت في هذا البلد - المقبرة.

محظوظ هو ذاك الذي يبلغ السبعين في اليمن. ومن يبلغ الثمانين هو -بلا أدنى شك- من أحباب الله المُقرَّبين. أما الستين فهي سنّ الرحيل إلى الضفة الأخرى من الحياة. 

ألم تسمعها دائماً تُقال: في ستين داهية؟ .. لم يقل أحد يوماً: في سبعين أو ثمانين داهية!

ثم تأتي الحروب والكوارث.. وتأتي الأمراض والأوبئة.. ويأتي سوء التغذية.. وتأتي السلطات والأنظمة.. ويأتي حُكّام الغفلة وحكومات الرفلة.. وتأتي عشرات الأسباب والعوامل التي تُؤهلك كمشروع راحل، في وطن أحرق عليك جميع المراحل.. وها أنت مُغادر إلى العالم الآخر حتف أنفك، في وداعٍ على عَجَل أو سلامٍ مُثخَن بالوَجَل.

.....

ها أنت تنظر في مفكرة الهاتف، مُستعرضاً الأسماء والعناوين والأرقام، فتذهل لعدد من رحلوا ونسيت أن تشطبهم من المفكرة، ثم تُقرّر أن تتركهم هناك للذكرى أو العِبرة أو المحبة، حتى الخصوم - بل الأعداء - تحبهم بعد رحيلهم.

وتكتشف - يا للهول! - أن الراحلين أكثر عدداً من الباقين على قيد العيش. ويزداد ألمك وحزنك وكمدك حين يكون معظم من رحلوا هم أجمل وأنبل وأفضل من عرفت في حياتك.

- لا يترك الله القُبح يترعرع في مراعينا إلاَّ لحكمة. ولا يقصف عمر رموز الجمال والحكمة الاَّ لحكمة. 

هذا ما يقوله دائماً الحاج درهم الدقّام، لكنه يعجز دائماً عن الإجابة عن سؤالنا: وما هي هذي الحكمة؟

لا يهم. المهم أن معظم من رحلوا كانوا يتّصفون بالجمال والحكمة، أكثر بكثير من أولئك الذين بقيوا حوالينا، يُنكّدون علينا ويُزيدون حيواتنا قُبحاً وقِيحاً أكثر مما هي عليه!

.....

غير مرة، كتبتُ بيان نعيي أو خطاب عزائي. وغير مرة، كتبتُ وصيتي الأخيرة. وغير مرة، أعود فأعدّل.. وأشطب.. وأضيف. وغير مرة، أكتشف أنني بتُّ أتهيّأ لاحتضان تلك العروس الفاتنة دونما تهيُّب ولا قشعريرة.

فقد صار الموت سيرة يومية عادية جداً في هذا البلد. وصارت المقبرة مشهداً تقليدياً عابراً جداً في حياتنا المكرورة، كنافورة تتوسط حديقة مهجورة.

فلا يمرّ يوم من دون سماع نبأ عن رحيل قريب أو صديق أو زميل أو جار أو غيرهم ممن كان لهم مكان أو مكانة في قلبك أو وعيك أو محيطك الضيق.. وتكون متأكداً أن في الغد ثمة خبر آخر عن شخص آخر سيرحل هو الآخر.. وقد صارت عبارات العزاء والرثاء أكثر ما تجيد قوله أو كتابته في عاديّ أيامك وعاتيها.

وإذا قُدّر لي أن أنعيني وأرثيني، قد أنسى أموراً كثيرة مرت في سلسال حياتي.. لكنني لن أنسى البتة أن ألعن كل الحقراء الذين عكّروا صفو حياتنا ذات يوم. 

وعدد من الذين يقرأون هذي السطور الآن، تتنزّل لعنتي ساخنةً على رؤوسهم.. وأدري أنهم يشعرون بها، ثم يُعيدونها اِليَّ، في هذه اللحظة!

 

مقالات

أزمة مجلس القيادة الرئاسي في اليمن وانعكاساتها السياسية

تشهد الساحة اليمنية منذ أسابيع تصاعدًا ملحوظًا في حدة الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي، الذي شُكّل في أبريل 2022 بدعم سعودي–إماراتي، ليكون مظلة سياسية وعسكرية لإدارة المرحلة الانتقالية ومواجهة التحديات الأمنية والعسكرية، غير أن تضارب الأجندات الإقليمية وتباين مصالح القوى اليمنية المشاركة سرعان ما انعكس على أدائه، لتتحول مؤخرًا إلى أزمة تهدد تماسك المجلس نفسه.

مقالات

ثلاثُ ليالٍ بقيتُ ضيفًا على جُنودِ المظلّات

كنتُ صباح كلّ يومٍ أذهب إلى الكليّة الحربيّة لأداء امتحانات القبول، وقبل إعلان النتائج بيومين كان المبلغُ الذي جئتُ به من الحُديدة قد تسرَّبَ من جيوبي. حتّى إنني في صباحِ اليومِ الذي ذهبتُ فيه لمعرفةِ النتيجة، ذهبتُ وأنا بلا عشاءٍ ولا صَبوح.

مقالات

الإمامة هي المشكلة والجمهورية هي الحل

قديماً، في زمن كل الحروب: حروب العرب والإسلام والصليبيين والمغول والتتار وغيرهم، كان المنتصر فيها هو من يكتب التاريخ، وتصبح جرائمه وانتهاكاته وحتى مذابحه ملاحم وبطولات وأمجاداً يورِّثها لمن بعده ومن يليه ولأحفاده بعده، ولم تكن هناك رواياتٌ مغايرة لما جرى إلاَّ لماماً ونادراً، طالما تعرَّض أصحابها لضرب الأعناق وجزِّ الرؤوس وهدم البيوت وحرق الكُتب ومحو كل أثرٍ لأصحابها، ولا داعيَ لذكر المزيد.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.