مقالات
المؤتمر بين تمثيله والتمثيل به
ليس كل ما يحدث لنا دائماً نستحقه، أو ندفع به ثمن خياناتنا، أو يكون ضريبة خياراتنا وحساباتنا الخاطئة.
فثمة ما يحدث لنا أحياناً ولا نستحقه؛ لكننا ننسحق به، ونذوق وبال أمره خسرا.
وبحسب الحكمة، التي تقول "يحدث للإنسان ما يشبهه لا ما يستحقه"، فقد انتهت الأمور بالمؤتمر الشعبي العام، وبزعيمه خاصة، إلى نهاية تشبهه إلى حد بعيد، وليس في الأمر ما يدعو حتى إلى الشماتة أو التشفِّي.
إن ما حدث للمؤتمر الشعبي العام من انسحاق وتدمير بنيوي هائل في هيئاته ومؤسساته نهاية لا يستحقها، ولا تليق بحزب كبير كان بمثابة الأب لبقية الأحزاب.
إن الأحزاب، التي تتحول دائماً إلى مشاريع شخصية أو ملكيات خاصة واستثمارات أسرية وعائلية، لا تعمَّر طويلاً، ولا تصمد أمام العواصف مهما عرضت وتوسَّعت قاعدتها الشعبية.
الفناء مصير محتوم ليس فقط على الكائنات الحيّة، بل حتى المؤسسات والدِّول والتنظيمات السياسية تفنى وتموت وتنهار وتمرض، وتتعرَّض لكل ما يتعرَّض له الإنسان، وتلك سُنة الحياة.
لقد وُلد هذا الحزب من رحم الثورة اليمنية ولادة طبيعية، وخرج مولوداً مكتملاً بسِمات وملامح وطنية، وسِحنة يمنية خالصة.
كان المؤتمر الشعبي العام مظلة كبيرة ضمت تحتها كل الوجاهات والوجوه العلماتية والعلمية والقبلية والبيروقراطية، وكل مكوِّنات المجتمع اليمني.
ولأن للأحزاب أعمارا افتراضية وتاريخ صلاحية، ومراحل عُمرية تكبر، وتنضج من خلالها، إلا أن حزب المؤتمر الشعبي العام شاخ دون أن يكبر، ونُكِّس في الخلق قبل أن يعمَّر طويلاً، واستوفى كل عناصر الفناء قبل أن يموت.
لم ينتهِ المؤتمر الشعبي العام في لحظة ضعف، ولا عقب مقتل زعيمه، وإنما كانت نهايته في ذروة قوته، وعز سلطانه، وتحديداً خلال تحويله من حزب وطني إلى حزب أسري.
لقد انتهى المؤتمر عملياً عندما انقلب زعيمه على كل المبادئ والأدبيات الناضمة للعملية السياسية، بدءاً من الميثاق الوطني، حتى مخرجات الحوار الوطني، وعندما تحوَّل الحزب من حزب المؤتمَر الشعبي العام إلى حزب المؤتمِر والمتآمر الشيعي العام.
انتهى المؤتمر وتفرَّق دمه بين أبنائه، ولم يعد صالحاً حتى لأن يكون مشروعاً خاصاً أو ملكية شخصية، أو استثماراً عائلياً.
جاءت ثورة فبراير فأصابت الحزب الحاكم في مقتل؛ نتيجة مغادرة الكثير من مؤسسيه وقياداته العليا له، وتأيدهم للثورة الشبابية السلمية، وخلال تلك الفترة بقي المؤتمر ميّتاً على قيد الحياة.
وبعد ثلاث سنوات من الموت السريري للنظام الحاكم، المتمثل في حزب المؤتمر، أعلن صالح وفاته عبر تحالفه مع أعداء الثورة وخصوم الجمهورية.
ومنذ مقتل صالح على أيدي حلفائه الإماميين، والمؤتمر الشيعي العام جثة هامدة تمنح الموت مزيداً من الحياة والشرعية.
نخدع أنفسنا كثيرا، ونغالط غيرنا حين نتوهَّم أن المؤتمر الشعبي العام لا زال قادراً على الفاعلية، والعودة إلى العمل الحزبي والسياسي من جديد.
حالة التعافي السياسي تُطربنا كثيراً، ونجد فيها أنفسنا، لكن هذا لا يعني أن نبيع للناس الوهم، ونسوق لهم المستحيل، ونعدهم بجنَّة المؤتمر.
لم يدرك أحد حقيقة أن المؤتمر الشعبي العام لم يعد صالحاً للحياة السياسية إلا العميد طارق صالح، الذي ذهب لإنشاء حزب جديد على أنقاض المؤتمر، أسماه "المكتب السياسي للمقاومة الوطنية".
منذ سنوات، ومحاولات إعادة الحياة للمؤتمر الشعبي العام لا تتوقف، ودعاوى تمثيله مستمرة، وعمليات التمثيل به لا تنتهي.
ومع أنِّي ضد فكرة بقاء المؤتمر كمسمى "حزب"، بعد أن تم تشويهه والإساءة له، إلا أنّي أجد أكثر الناس استحقاقاً لحمل رايته، وادعاء تمثيله، واعادة الاعتبار له هم مؤتمريو مأرب فقط.
خلافات حادة، ونزاعات عميقة ومتفاقمة بين ورثة المؤتمر الشعبي العام في أبو ظبي والقاهرة والرياض وصنعاء ومأرب وتعز وعدن على رفاته وجثته، التي يدَّعي الجميع وصلها، ويعلنون تمثيلهم لها.
وفي الوقت الذي يحاول فيه نجل زعيم الحزب احتكار تمثيله، وحمل رايته، مستغلاً إلغاء العقوبات الأممية عليه وعلى والده، والإفراج عن الأموال المنهوبة، يواصل الحوثيون تمثيلهم بجثته، وسرقة أعضائه، والعبث بها.
وما بين ادعاءات تمثيله وحقيقة التمثيل به يبقى المؤتمر الشعبي العام بحاجة إلى تكريمه، وإعادة الاعتبار له، و"إكرام الميِّت دفنه".