مقالات

اليمنيون وفلسطين في ثلاثينات القرن العشرين (3-3)

31/05/2021, 12:48:00
بقلم : محمد صلاح

لم يتوقّف دور المناضل والمجاهد الفلسطيني محمد علي الطاهر، الذي لجأ إلى القاهرة عشية اندلاع الحرب العالمية الأولى، هربا من سلطات الاستعمار البريطاني، والعصابات الصهيونية في بلدته (نابلس) بفلسطين، في تغطية أخبار العالم العربي وقضايا التحرر من خلال جرائده التي كان يصدرها باسم "الشورى"، و"الشباب"، و"العلم المصري"، بل إنه جعل من مكتبه في جريدة "الشورى" منتدًى يلتقي فيه عدد من الزّعماء والقيادات الوطنية من مختلف بلاد العرب.

فقد كان يجتمع في المنتدى، الذي يُقيمه في جريدة "الشورى" لمناقشة قضايا التحرر العربي، وأوضاع الأمة العربية والإسلامية، عدد كبير من رُواد وقادة الحركة العربية، خلال فترة العشرينات والثلاثينات، أمثال: الأمير شكيب أرسلان، والشيخ محمد رشيد رضا من لبنان، والشيخ عبدالعزيز الثعالبي من تونس، والزعيم المغربي علال الفاسي، والزعيم السوري شكري القوتلي، والشيخ أمين الحسيني، وشيخ العروبة أحمد زكي باشا، ومشايخ الأزهر، وعدد من مجاهدي مسلمي: الهند، إندونيسيا، وأفغانستان، والملايو، وبذلك كان مقر جريدته مركزا لتجمع القيادات الوطنية من مختلف البلدان العربية.

في عام 1937م، أغلقت سلطات الإمام يحيى المدرسة التي أنشأها الاستاذ أحمد محمد نعمان في "ذُبحان"، بمنطقة "الحُجَرية"، وعندها قرر الأستاذ المغادرة إلى مصر، وكان هدفه الأساسي والرئيسي الاتصال بالطاهر، ويؤكد الأستاذ النّعمان على ذلك بقوله: "لم يكن خروجي رغبة في الإقامة بمصر، ولا من أجل العلم، وإنما من أجل اللقاء ب'أبي الحسن'. وكان الأزهر عبارة عن مأوى." [مذكرات أحمد محمد نعمان ص35].
فقد كانت سُمعة الطاهر تطبق الآفاق، وشهرته تمتد في كل أرجاء العالم الإسلامي، ومنها اليمن الذي كانت تعدّ جريدته "الشورى" أهم ما يُقرأ لدى اليمنيين، وأكثرها تداولاً، حيث "كانت هذه الجريدة تصلنا إلى اليمن، ونتصوّر أن الدنيا كلها أبو الحسن. كنا نخرج ونشتكي له. أحياناً كان ينشر في جريدته نقداً للأوضاع في اليمن، ولأوضاع الإمام، ويقول إن اليمن بحُكم الإمام متخلّف ومتأخر. [المصدر السابق ص129].

كانت جريدة "الشورى" أقرب الصّحف إلى النّخب اليمنية، وكان صاحبها يحظى باحترام، وإجلال كبير في أوساط العامة، والنّخب اليمنية في شمال اليمن وجنوبه، وذلك بسبب مواقفه الجريئة، والصريحة في مناصرة الشعوب العربية، والحديث عن المظالم النازلة بها، وعدم مداهنته للحُكام العرب، أو خشيته من المستعمر الأجنبي، وقد جر ذلك عليه الكثير من المصائب، والملاحقات، ودخول السجن أكثر من مرّة.

وبمجرد وصول الأستاذ أحمد محمد نعمان، الزعيم الأبرز في حركة "الأحرار اليمنيين" إلى مصر، توجّه لزيارة الطاهر في مقر جريدته، وهناك اجتمع بالزعامات العربية الداعية إلى نهضة حضارية، واستطاع -من خلال العلاقة التي ربطته بالمجاهد الفلسطيني- أن يتعرّف على كبار المثقفين العرب، وقد استغل المنتدى الأسبوعي لجريدة "الشورى" للتعريف بالقضية اليمنية، وشرح الأوضاع التي تعيشها البلاد تحت حُكم الإمام يحيى من تخلّف وجهل ومظالم، وفي الوقت نفسه -كما يقول الدكتور علي محمد زيد-: "تعمّقت صلته – أي النعمان - بدعوة التحديث والتنوير"، كما بدأت الصورة حول اليمن المعزول تتضح أكثر عن طبيعة الأوضاع، التي تعيشها، من خلال النقاشات التي كانت تدور في تلك اللقاءات، وذلك من خلال ما كان يطرحه الأستاذ النعمان.

سخَّرت جريدة "الشورى"، ومن بعدها صحيفة "الشباب"، التي أصدرها الطاهر، بعد إيقاف الأولى، أقلام كُتابها للمنافحة والدِّفاع عن اليمن، وشباب الحركة الوطنية، بحيث كانت تشكِّل ضغطاً كبيراً على الإمام وسياساته القمعية، الأمر الذي جعله وسيوفه "يحسبون له حساباً كبيراً في اليمن، سيما وهو معروف أنه لا يرتشي ولا يكتب في جريدته حتى ولا إعلانا واحداً، بل يكتب فيها مظالم العالم العربي" [النعمان مصدر سابق 131]. وقد جعلهم ذلك يترددون قبل البطش بالشباب اليمني المستنير الساعي لرقيّ البلد، ومن أمثلة ذلك: موقف الجريدة في مؤازرة ومساندة الشهيد الثائر محيى الدِّين العنسي، فبعد فراره من صنعاء إلى القاهرة عام 1939، هرباً من بطش الإمام يحيى ونجله سيف الإسلام عبدالله، تبنّت الصحيفة الدّفاع عنه، وتكذيب ما روَّجه الإمام يحيى وأولاده حول العنسي، الأمر الذي دفع بالإمام إلى أن يكتب للأول بالسماح له بالعودة إلى اليمن مع عودة البعثة العراقية بقيادة العقيد إسماعيل صفوة.

يظهر مدى الاهتمام وارتباط اليمنيين بالقضية الفلسطينية، والتقدير لرجالها وزعماء ثورتها في الثلاثينات، من خلال الاحتفال والاحتفاء الكبير من قِبل الأندية الثقافية والأدبية في مدينة عدن عام 1939، بعودة الزعماء الفلسطينيين من منفاهم في جزيرة "سيشيل" إلى وطنهم، وعند طريق عودتهم إلى فلسطين توقّفت السفينة التي تقلّهم في عدن، وقد نظّم نادي "الإصلاح العربي"، الذي كان يديره الأستاذ لُقمان والشيخ الأصنج، احتفالا واستقبالا جماهيرياً حاشداً، خرجت فيه جماهير المدينة بأكملها، واصطف الأهالي على الطُّرقات بين "التواهي" و"كريتر"، لتحيّتهم بالشعارات والأغاني الوطنية، وألقيت الخطابات، والقصائد الشعرية المؤيّدة لهم ولفلسطين، مما أثار غضب السلطات الاستعمارية على الأستاذ لُقمان، إذ كان هو المنظّم لهذا اللقاء الجماهيري الكبير، والحاشد الذي لم تعرفه المدينة من قبل، حيث استدعى نائب المعتمد البريطاني في عدن المحامي محمد علي لقمان، يطلب منه تفسيراً عن سبب ترتيبه لهذا التكريم الكبير للقادة الفلسطينيين الخمسة، وكان الأولى أن يتم هذا التكريم للعقيد برنارد رايلي، فأجابه الأستاذ لقمان: "لقد كرّمنا هؤلاء القادة لأنهم سينقذون أرضنا المقدّسة من الصهيونية" [محمد علي لقمان رجال وشؤون وذكريات]. وقد أعدّ نائب المعتمد قرارا بنفي الأستاذ لقمان، غير أنه تم نقله للعمل في البحرين قبل تنفيذ القرار.

وخلال عام 1939، تشكّلت في عدن لجنة لإغاثة منكوبي فلسطين، تألّفت من عدد من الشخصيات الكبيرة في المدينة، برئاسة عبدالله بن علي الجفري، وحسن الصافي، وسالم بن داعر، والأصنج، ولقمان، وسعيد بن خليفة، وعبدالله السقاف. وذلك كما ورد في خبر نشرته صحيفة "العلم المصري" بتأريخ 10 - 5 - 1939.
هذا وكان تنسيق المواقف حول مناصرة القضية الفلسطينية بين سكان عدن، مع الزعيم الفلسطيني الطاهر، قد بدأ من أوائل الثلاثينات، حيث مثّل أهالي المدينة خلال المؤتمر الإسلامي العام الذي عُقد في القدس عام ١٩٣١- ١٩٣٢م.
وفي سبيل نصرة قضية فلسطين شهدت عدن أول مقاطعة اقتصادية في تاريخها، وهي تلك التي قامت بـ"مقاطعة أبناء مدينة عدن لليهود في 'التواهي' [الشورى بتأريخ 11- 12- 1929م].

وإذا كان المهاجرون اليمنيون قد أظهروا تأييدهم في بلاد المهجر للقضية الفلسطينية، منذ العشرينات وما قبلها، عبر التبرّعات التي كانوا يقومون بجمعها، فلقد تبنّى الطاهر الفلسطيني قضاياهم في بلدان المهجر التي وصلوا إليها. فكانت جرائده هي صوت اليمنيين في المهاجر المختلفة، والمدافع عنهم في البلدان الخاضعة للاستعمار البريطاني، أو الإيطالي، أو الهولندي، ولذلك كان المهاجرون اليمنيون أول ما يخرجون من البلد، أو يذهبون إلى مصر، لا يسألون إلا عن المجاهد الفلسطيني محمد علي الطاهر.
وقد شملت مواقف أبي الحسن محمد علي الطاهر -كما يقول الأستاذ نعمان- مساندة اليمنيين في القاهرة من المرتبطين بالأحرار، وكان يسعى بحكم الصلات التي معه برجالات مصر، وما يكنونه له من ود واحترام، لتسهيل ومساعدة البعثات الطلابية اليمنية وقبولها في الجامعات المصرية.
بل إن صُحفه كانت هي منبر الأصوات الوطنية الأولى، فحين سحبت السلطات المصرية عام 1939 ترخيص إصدار "الشورى" بإيعاز من الاحتلال البريطاني، ولم يعد لليمنيين في الخارج -حينذاك- منبر يتحدثون منه، ويسمع صوتهم، سعى الأستاذ النعمان -في القاهرة- لإصدار صحيفة باسم "اليمن الخضراء" لنشر أخبار اليمن، والحديث عن أوضاعها.

مقالات

أبو الروتي ( 14 )

كان المعهد العلمي الإسلامي يتبع الشيخ محمد سالم البيحاني -خطيب وإمام مسجد العسقلاني في كريتر- وكان مدير المعهد هو الأردني ناظم البيطار، الرجل الذي كان مجرد ظهوره يثير فينا الرعب.

مقالات

ما العمل؟

عندما قرأ مقالي «ماذا ننتظر كيمنيين؟»، عَقَّبَ الأستاذ المفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير بسؤال: «ما الحل؟»، و«ما المخرج؟»؛ وهو «سؤال العارف». وقد وردَ في الأثر: "ما المسئول بِأعلمَ مِنْ السائل".

مقالات

"أيوب طارش".. اسم من ذهب

ما أكثر ما تعرَّض أيوب طارش لعداوات ساذجة من بعض المحسوبين -بهتانا- على رجال الدين، وخطباء المنابر المنفلتة، ليس آخرهم عبد الله العديني، الذي أفسد دينه ودنياه وآخرته بإثارة قضايا هامشية لا تهم أحدا سواه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.