محمد صلاح
كاتب وباحث يمني
كاتب وباحث يمني
كاتب وباحث يمني
لم تعرف امة من الأمم التواصل المستمر، والحضور الطاغي للوعي بالذات كما عرفته اليمن، ففي مصر والعراق وسوريا، اصبح السكان في تلك المناطق بعد قدوم الإسلام ينظرون إلى ماضيهم بصورة سلبية، بينما سارع شعراء اليمن بوضع الملاحم الشعرية التي تمجد وتحكي سير التبابعة، وقصص الدول اليمنية.
ففي الأثر، الذي تبقَّى من تراث ذلك الرائد الوطني وقام الدكتور عبدالعزيز المقالح بتقديمه ونشره، قال عنه (المقالح) إنه أول برنامج إصلاحي لمسيرة النضال، وإن المفكر الدعيس قد اعتبر عام 1934م حداً فاصلا بين حياة الماضي والمستقبل.
كانت الشعوب في فترات تاريخية من حياتها، تتقبل وجود سلطة مطلقة، (رغم أنها مفسدة مطلقة)، لأسباب وظروف تتعلق بمواجهة الاعداء، الذين يهددون الوطن وبقاءه، أو لاستعادة أجزاء من البلاد يحتلها العدو الاجنبي، وتحت هذه الضغوطات كانت تقبل مضطرة بالسلطة المطلقة.
كتب المقالح أول مقالة نقدية في عام 1955م في حجة لمجلة خطية كان يحررها مع بعض أصدقائه
في عام 1953م قرر المقالح وهو بعمر 14 عاما أن يكتب عن أعلام الحرية والنضال وذلك بعد أن ذاق مرارة السجن وشاهد الأهوال بداخله
مدينة حجة التي جعلها الإمام منفى وسجناً للأحرار وميدانا لإعدام طلائع التغيير والتنوير تحولت إلى مركز إشعاع فكري وتعليمي
نتحدث عن شخصية الدكتور عبدالعزيز المقالح لكي نستطيع التعرف على الدور الذي قام به في مسيرته الفكرية والأدبية
ارتبط في ذهن اليمنيين اسم سبأ وحمير وحضرموت، بالدور الحضاري الرائد لليمن، وفي عصرنا الراهن "إذا ذكر اليمن الحديث ذكر المقالح" كما يقول الدكتور عز الدين إسماعيل.
إن ظاهرة خضوع اليمن للخارج، لم تكن تحصل إلا في ظل التناحر، والاقتتال على السلطة، والذي كان بدوره يساعد على تجزؤ البلد، وتفككها، الأمر الذي يغري القوى الأجنبية لاقتطاع جزء من مناطقها ووضعها تحت سيطرته.
إن صرخة السيادة، والدعوة إلى الاستقلال في اليمن، ومواجهة الغزاة الأجانب خلال مراحل التاريخ المتفرقة، كانت تلغي الفوارق، والخلافات الثانوية بين اليمنيين، وتمنح القوى التي ترفع رايتها حضورا وقبولا واسعا داخل المجتمع، وبروزا يغطي رقعة الأرض اليمنية بكاملها.
نشأت حضارة اليمن، في وديانها الشرقية الفسيحة، منذ الألف الثالث قبل الميلاد، محاطة بالبحار، والصحاري والجبال، وقدّمت لها بذلك الحماية الطبيعية، وجعلتها في مأمن من جيوش الطامعين والطامحين، بحيث لم تكن أي من القوى الدولية -خلال الألف الثاني والأول قبل الميلاد- قد حققت أي إنجازات على صعيد اكتشاف الملاحة البحرية في البحر الأحمر، بينما كان من الصعب على أي جيش في تلك الفترة أن يغامر بقواته في الفيافي والجبال.
قاد صراع القوى المحلية على السلطة في أوقات متفرّقة من تاريخ اليمن السياسي إلى تعريض استقلال اليمن للأخطار
شهد القرن العشرين في الساحة اليمنية الكثير من التغيّرات والتبدلات ساهمت جميعها في عمليات مد جسور من التواصل مع الخارج
إذا كان لكل سلطة سيكولوجيتها، ونفسيتها الخاصة التي تميزها عن غيرها، فقد تميزت الإمامة بالنهب، والفيد، وتدمير كل ما يخدم المجتمع، والصالح العام.
إن طبيعة الحياة فوق هذه الأرض الطيبة، قد طبعت شخصية إنسانها بتعلقه الشديد بالمساواة، واعتزازه الكبير بذاته، والتعامل بندية مع غيره.
نهضت مدرسة الاجتهاد في اليمن بالعمل على كسر احتكار الحقيقة، من قِبل فئة أو جماعة أو مذهب، بهدف منع وحرمان الطامعين في الحكم من استغلال الدين والمذهب، للتعبئة في خوض الصراعات على قاعدة مذهبية.
رسّخت مدرسة الاجتهاد اليمنية، التي بزغ نجمها مع إطلالة العصر الحديث، مبدأ الاجتهاد، الذي يقر عدم جمود الحقائق، وثباتها، ويجسد معنى التسامح بين المذاهب، وتعددها، والقبول بها، والاعتراف بالتنوّع في إطار واحد.
محاولات بعض الأطراف على الساحة اليمنية حقن المجتمع طائفيا أو مذهبيا أو مناطقيا ستبوء بالفشل
من الصعب على أي قارئ لمسار التاريخ اليمني، أن يتجاهل الإرث الحضاري، والثقافي، الذي طبع الشخصية اليمنية، وأكسبها الكثير من الخواص الايجابية، في ترسيخ قواعد التعايش، والتسامح الاجتماعي، والذي يعد إقرارا من المجتمع بالتعدد، وأصبح مع مر السنين، يشكل إطارا مرجعيا للذهنية اليمنية.
تنوّع الأقاليم كان له تأثير كبير امتد إلى أغوار عميقة في النفسية اليمنية
حياة الاستقرار طويلة الأمد قديما، التي عرفتها بلاد السعيدة، ثمرة لصيغة الحكم الاتحادي
للطبيعة الجغرافية اليمنية الدور الفاعل في دفع المجتمع إلى تبنّي أساليب للعمل تعتمد على الشراكة والتعاون
ثنائية الشمال والجنوب في اليمن هو مصطلح تم سكّه خلال العقود الأولى من القرن العشرين من قبل البرطانيين
شعور الشعب اليمني بوحدته الوطنية وتمسّكه بها ظل راسخاً ومستمراً رغم الخلافات المذهبية والصراعات السياسية
يلعب عامل الأمن دورا رئيسيا، في تقبّل اليمنيون، ومهادنتهم لهذه السلطة أو تلك. ففترات عدم الاستقرار الطويلة، التي عاشوها في العديد من المراحل التاريخية، دفعتهم إلى البحث عن الأمان وحده.
تعيش اليمن ظرفا تاريخيا صعبا - وقد عايشت أمثاله مرات عدَّة في تاريخها - غير أن استثنائيته تأتي هذه المرّة، في ظل انخراط المجتمع اليمني، والرأي العام بكل مكوّناته، في تشكيله، والمساهمة في أحداثه، والتأثير على مساراته، وتوجّهاته.
الخطأ هو من يقود الناس إلى الخطر، ولكي نتجنّب الوقوع في الخطر، علينا عدم التبرير للخطأ. أحد عوامل تناسل الأزمات في بلادنا، طوال عقود من الزمن، يعود إلى استعداد جزء من النُّخب السياسية للتعامل مع المشاريع التي تقوِّض بناء الكيان الوطني، وتهدد استقراره وبقاءه، طالما وأنها ستحصل من ورائه على اليسير من المصالح الأنانية ذات الطابع الشخصي.
ظل اليمنيون، منذ مطلع الثلاثينات وحتى عقد الستينات، يناضلون في سبيل استرداد كرامة اليمن، حيث كانوا يشعرون بالعار، لأن اليمن وشعبه يتحكَّم به فرد، والآن وبعد ستين عاما، ها هو الخارج يقرر مصيره، دون أن تكون لليمنيين كلمة.
تدخل اليمن عامها الثامن من الحرب دون أن يتحقق الهدف الذي تشكّل من أجله التحالف الخليجي
ثورة 1948 الدستورية جاءت بتظافر وجهود النُّخب اليمنية في الشمال والجنوب، التي بدأت منذ ثلاثينات القرن العشرين
خلال الإعداد لثورة الدستور 1948م، جرى نقاش حول فكرة الجمهورية في صنعاء، وإن كان خافتا، وقد طرحه بعض من رجال الثورة، إلا أن هناك تيار عارض هذه الفكرة، كما دعا إليها بعض الكُتاب على صفحات إحدى الجرائد، الصادرة في مدينة عدن، خلال الشهر الذي قامت فيه الثورة.
كانت فكرة الدستور في ثورة 1948 هي من أنهت قداسة الإمام وليس البندقية، وذلك عبر الدور التنويري لقياداتها..
كانت الثورة الدستورية، التي شهدتها اليمن في فبراير 1948م، هي الهزة الكبرى التي ضربت جذور الإمامة، ومزّقت هالة القداسة عن السلطة، ومهّدت الطريق لقيام ثورة سبتمبر وأكتوبر.
احتفظت اليمن وتشبعّت بأفكار المعتزلة وأطروحاتها الفكرية لكن ذلك لم ينعكس إيجابا على واقع الحياة العملية..
كان الأمر المتاح لدى دعاة المذهب الزيدي، لتحقيق مشروعهم السياسي في السلطة في ظل الظروف والأوضاع التي تواجدوا فيها، والبيئة الاجتماعية المحيطة بهم، هو احتكار النص الديني، وذلك لكي يكون الأساس الذي تُبنى عليه شرعية الحُكم.
اليمن واحدا من سبعة مراكز دوّن فيها العلم فصنّف معمر بن راشد الأزدي البصري اليمني مصنّفه في علم الحديث
مع بداية القرن الثالث الهجري كانت اليمن منقسمة على ذاتها، فقد تعددت الصراعات، والتمردات، ونتيجة لذلك تعددت مراكز السلطة، وتعزز نفوذ بعض الأسر، والقوى الاجتماعية في البلاد..
تعتبر التحالفات ضرورية لكل طامع في الحكم، وطامح في الرئاسة، وذلك لأن أي جماعة في اليمن لا يمكنها الوثوب، والتغلب بمفردها على السلطة، استنادا إلى عصبيتها الضيقة، ومن هنا ظلت حظوظ القوى المتنافسة، والمتصارعة على الحكم، من نصيب الطرف الذي يمتلك أوسع تحالفات داخل الساحة اليمنية، فإنه "وعبر التاريخ، لم تكن أي عصبية قادرة وحدها على إيصال أحدهم إلى سدة الحكم. والالتزام العصبوي، ومهما كان قويّاً، لم يكن كافياً لتأمين شروط الغلبة التي تحتاج إليها السيطرة على السلطة" [أحمد الأحصب، "هوية السلطة في اليمن"].
كان الفشل الإداري، الذي مُنيت به اليمن مطلع القرن الميلادي السادس، هو الضربة القاصمة، التي حطّمت الدولة اليمنية، وأنهت فترة الاستقرار الذي عاشته البلد، في ظل الدولة الحِميرية، بحيث لم تتمكّن السلطة من الحفاظ على كفاءتها في حكم البلد، بحيث عزز ذلك من طموحات الأقيال، للانفراد بحُكم المناطق الخاضعة لنفوذهم، وخلخل بنيان الدولة، الأمر الذي سهّل للخارج السيطرة على البلد، دون أن يجد قوّة موحّدة تقف في وجهه.
شهدت اليمن -منذ القرن الثامن الهجري وما تلاه- حراكا علميا ومعرفيا، فاق ما سبقه من عهود، بحيث امتازت بالتواصل المعرفي بين اتباع المذهبين في اليمن، الزيدي والشافعي، وتتلمذ اتباع كل مذهب على الآخر، وقد نتج عن هذا التلاقح الفكري، والتبادل العلمي بزوغ مدرسة الاجتهاد اليمنية التي نبذت التعصب، ورفضت التمذهب.
كان الاهتمام الذي أبداه الاحتلال البريطاني بموقع اليمن نابعا من نظرته الاستراتيجية، وأطماعه الإمبريالية، في استغلاله للمنطقة من أجل تحقيق أهدافه الاستعمارية، بحيث لم يُظهر أي اهتمام بالجوانب التي تخدم المجتمع، سواء في الجانب التعليمي، أو الثقافي، أو الاقتصادي، إلا بقدر ما يسهل سيطرته، وترسيخ قدميه.
تميّزت أطروحات الإمام الشوكاني عمّن سبقه من علماء الإسلام المصلحين ومن تلاه في طرح البرامج الاجتماعية ووضع الحلول لها...
بقيام ثورة سبتمبر عام 1962م، طال التغيير الأصول الحاكمة للنظام السياسي، ولم يتوقّف عند شخصية الحاكم، الذي يُعتبر مسألة شكلية، أو فرعية، لا يشكل استبداله أي تغيير في حياة المجتمع.
استقى رجال حركة الأحرار، ورواد التنوير في شطري اليمن، ثقافتهم من مدرسة الاجتهاد اليمنية، وفكر مدرسة الاحياء العربية، اضافة إلى ما وصل إليهم من ترجمات لكتب مدرسة الأنوار الأوربية. وهذا ما يجعلهم بحق "ورثة ثقافة عقلية تحررية متعددة الحلقات" كما يقول الاستاذ عبدالودود سيف.
التناقض القاتل لحكم الإمام يحيى من خلال محاولته جعل الغطاء الأيديولوجي لسلطته في إعادة إنتاج الرموز الفكرية والثقافية التنويرية بينما كانت الأوضاع القائمة تسير في اتجاه مغاير
حتى اللحظة، ما زالت شخصية شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني، المتوفي عام 1834م، واجتهاداته، وأفكاره، ورؤاه تشكِّل جسراً للتواصل والتقارب بين اتباع المذهبين اليمنيين الكبيرين، مثلما كانت في القرن التاسع عشر، والعشرين
كان وراء بروز عدد من العلماء المصلحين، الذين ظهروا في اليمن بعد القرن السابع عشر الميلادي، عدد من الأسباب -وقد أوضحنا بعضها في المقالين السابقين- منها توسّع الدولة القاسمية، وسيطرتها على كامل الرقعة الجغرافية للبلد، وقد تحقق لها ذلك بخروج العثمانيين من اليمن عام 1635م، الأمر الذي كان يحتّم على الإمامة أن تبدأ بالتحول من طور الدّعوة والثورة إلى طور الدولة، وأن توسّع من تحالفاتها، وتغيّر من طريقة أدائها، غير أن مبادئ المذهب الزيدي، الذي أعطى لكل فاطمي أحقية الخروج شاهراً سيفه، والدعوة لنفسه بأحقيته في الإمامة، قد حال دون ذلك التحوّل، وجعل كل إمام جالس على كرسي السلطة يعطي جلّ اهتمامه وانتباهه لمواجهة الخصوم والخارجين عليه من قرابته، ويبحث عن مصادر لتمويلات الحروب ضد الخارجين عن سلطته.
رغم تعدد المذاهب والمدارس الفكرية داخل المجتمع اليمني، فإن انخراط بعضها لتحقيق أهداف سياسية جعلها تشكّل عبئاً اجتماعيا وسياسياً في حياة اليمن، ورغم ما قدّمته من إنتاج معرفي غزير، فإنها لم تتمكّن من تقديم حلول ناجعة، أو ناجحة في جانب إصلاح، مسألة السلطة السياسية.
التعصب المذهبي والهيمنة السلطوية أضرت بالكيان اليمني وهددت استقراره وبددت قيم التسامح لديه
أي سلطة أو جماعة سياسية تسعى لحكم اليمن مستندة على قاعدة مذهبية لن تتمكّن من خلق إجماع حول شرعيّتها
رغم كل الأدوار التي قامت بها الأندية الثقافية في مدينة عدن، من اجتماعية، وسياسية، وفكرية، وتعليمية، بداية النصف الأول من القرن العشرين، إلا أنه وللأسف يتم تجاوز ذلك الدور الذي لعبته في تاريخ الحركة الوطنية اليمنية
الأندية الثقافية في مدينة عدن خلال ثلاثينات القرن الماضي مثلت خطوة أولى على طريق وحدة الحركة الوطنية في شمال اليمن وجنوبه
النوادي في عدن في عشرينات القرن الماضي شكّلت البدايات الأولى للعمل السياسي ومنها ولدت حركات التحرر الوطني
يعتبر عبده حسين الأدهل، أحد كبار تجار مدينة عدن، ورجالها المعروفين، والمنخرطين في العمل السياسي في النصف الأول من القرن العشرين، هو صاحب الدور الرئيسي في عملية انقاذ بطل المقاومة المغربية الأمير عبدالكريم الخطابي، من قبضة الاحتلال الفرنسي في مايو من عام 1947م، وذلك بحسب ما أكدته مذكرات المجاهد الفلسطيني محمد علي الطاهر
بادرت طلائع التنوير في اليمن، منذ ثلاثينات القرن الماضي، للقيام بمحاولات لإصلاح التعليم، باعتباره الخطوة الأولى نحو التغيير في البلد، ومفتاح الخروج من حالة التخلّف المزرية، والقاعدة التي تمكِّن اليمنيين من الوقوف عليها بثبات لمحاربة الاستعمار، والقضاء على الإمامة المستبدة
لا يوجد للسلطة الإمامية في شمال اليمن، والاستعمار في جنوبه، خلال النصف الأول من القرن العشرين، ابان تسلطهما على حكم الوطن، أي انجاز، أو اسهام يمكنهما من الافتخار به في الجانب التعليمي، فكلاهما ظل متوجساً من رقيه وتطويره باعتباره خطراً يهدد بقاءهما.
من اللافت للنظر تآزر السلطة الإمامية في الشمال وسلطات المستعمر في الجنوب في عدم الاهتمام بالتعليم
لم يتوقّف دور المناضل والمجاهد الفلسطيني محمد علي الطاهر، الذي لجأ إلى القاهرة عشية اندلاع الحرب العالمية الأولى، هربا من سلطات الاستعمار البريطاني، والعصابات الصهيونية في بلدته (نابلس) بفلسطين، في تغطية أخبار العالم العربي وقضايا التحرر من خلال جرائده التي كان يصدرها باسم "الشورى"، و"الشباب"، و"العلم المصري"، بل إنه جعل من مكتبه في جريدة "الشورى" منتدًى يلتقي فيه عدد من الزّعماء والقيادات الوطنية من مختلف بلاد العرب.
كانت النّخب المستنيرة في مدينة عدن تدرك أهداف المستعمر البريطاني ومحاولاته المستمرة في نزع الهُوية العربية
منذ عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، والوجدان اليمني مرتبط بقضية فلسطين، وشعبها، ارتباطاً وثيقاً، سواء كان اليمنيون في الشمال المعزول عن العالم، أو الجنوب القابع تحت قبضة الاستعمار. وسواء كانوا في مهاجرهم، أو داخل الوطن، فإن موقفهم المساند لقضية فلسطين، ظل ثابتا ومستمراً، فلم تشغلهم معاناتهم، أو النكبات النازلة بهم عن اهتمامهم بما يجري على ساحة القدس.
تلخص هذه الأبيات الشعبية أحد الأسباب التي تدفع "القبيلي" في بعض مناطق البلاد للانخراط في الصراعات السياسية، وخوض الحروب، فهي في وجه مِن وجوهها محاولة لإثبات الذات، ومن ناحية أخرى "استغلال للمستغلين".
حاول البريطانيون منذ احتلالهم عدن عام 1839 سلخ المدينة عن هويتها العربية اليمنية، وقد اتخذوا لذلك عددا من الوسائل والسبل لتحقيقها، وكان من أخطرها على الإطلاق هو السعي لتغريب المدينة، وفصلها عن تاريخها، وثقافتها اليمنية، ومحيطها العربي من خلال مناهج التعليم في المدارس التبشيرية، وفتح الباب أمام الهجرات الأجنبية إلى المدينة، في مقابل وضع العراقيل أمام دخولها لبقية ابناء اليمن من المناطق الأخرى.
لم يستسلم اليمنيون للواقع أبداً، فحياتهم قصة طويلة في مغالبة الصعاب وقهرها، وفلسفة الرفض للأمر الواقع هي الغالبة على طبيعة الإنسان اليمني (فالرفض الدائم والتذمر الدائم أغلب خصائص فكر شعبنا، وإذا كانت غضبة السلاح للكرامة تنهي مهمتها في ساعات أو دقائق فإن الرفض الفكري والتذمر النفسي ثورة دائمة ترفع راية التحدي وتقول لكل واقع: مفروض "أنت مرفوض") كما يقول البردوني.
حضرت الإمامة إلى اليمن في الربع الأخير من القرن الثالث الهجري، حاملة معها مشروع لصناعة زعامة أسرية في قبيلة بدوية، بمسوغات ووسائل وأدوات لا تنسجم في بناء دولة، إذ الدول لا تقوم أو تفصل بحسب مقاسات العرق، والنوع والنسب، وسلالة الحاكم.
حين غزا الأيوبيون اليمن (569هـ) وطووها تحت جناحهم لفترة تزيد عن نصف قرن من الزمن، جرى خلال ذلك صراع مرير بينهم وبين القوى اليمنية، المتواجدة على الساحة، وقد كانت إمكانات الأيوبيين تفوق ما لدى القوى المحلية، حيث تمكنوا من إسقاطها الواحدة بعد الأخرى، خصوصاً، مع عدم التنسيق بين القيادات والزعامات لتوحيد جبهتهم ضد الأيوبيين.
يوجد الكثير من اللبس حول الإمامة وسلطتها، ومدة حكمها في اليمن، وهو ناتج عن التعميمات التي أسهم عديد من الكتاب والسياسيين في ترسيخها، والتي تتمثل بأنها حكمت اليمن الف ومئتي عام، بينما استنطاق وقائع التاريخ تكذب الأوهام، فقد كان غالبية الأئمة طوال سبعمائة عام على سبيل المثال، محصورين في مناطق بعينها، واحيانا يمتد وحينا ينكمش، داخل حدود معينه، وفي بعض الأوقات كانوا أشبه ببعض الزعامات القبلية، وبعضها أقل من ذلك، لكن الاسهامات لكتّاب السيّر التي قام بها مؤرخو الزيدية اضفت الكثير من المبالغات حول دعوات الأئمة، ونفوذهم وسيطرتهم وأدوارهم.
لم يمنح اليمنيون دعمهم لدعاة الإمامة إلا عند غياب القوى الاجتماعية المؤثرة في الساحة، وكذلك غياب المنافس صاحب المشروع السياسي.
جرت التغييرات الكبيرة في اليمن منذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، وذلك مع بداية الانتقال من المرتفعات والجبال نحو السهول، وقد فرض الاستقرار البشري في السهول والتطور الزراعي الذي نتج عنه الحاجة الملحة لقيام سلطة مركزية تنظم شؤون المجتمع، وبروز مؤسسات للدولة تمتاز بالرسوخ والكفاءة، وقد تجاوزت هذه الفترة القرون العشرة، وتميزت بالاستقرار والازدهار الحضاري، خصوصاً، مع نشاط التجارة البرية، والذي كانت تستفيد منه دول مثل سبأ، وحضرموت، وقتبان، ومعين.
كان وما زال للبيئة المحلية الدور الأكبر في توجيه مسار التاريخ الحضاري، والسياسي، والاجتماعي، والاقتصادي لليمن، فطيلة الألف الأول قبل الميلاد، كانت مناطق الوديان الشرقية قد شهدت استقراراً طويل الأمد، وعرف البلد حينها قيام الدولة، وبناء العديد من المنشآت الاقتصادية، مثل بناء السدود المائية العملاقة، ومساقي المياه، واستصلاح الأراضي الزراعية، وشق وتعبيد الطرقات.
يشير قرار الرئيس الأمريكي، تعيين مبعوث رئاسي إلى اليمن إلى أن الإدارة الأمريكية قررت إيقاف تعاقدها من الباطن مع الرياض فيما يخصّ مصالحها في اليمن، وأن الملف اليمني بات محل اهتمام ومتابعة 'البيت الأبيض' مستقبلا، وذلك خشية من أن يفلت زمام الأوضاع من يدها، بعد أن ثبت فشل السياسات السابقة.
تتجلى أهمية وقيمة الإنتاج المعرفي الذي قدّمه راحل اليمن الكبير مطهر الإرياني، خلال ستة عقود، في سعيه الدائم لتعزيز ثقة الشعب اليمني بنفسه، والتغلّب على المصاعب، وقدرته على اجتياز العوائق، واستعادته لدوره الحضاري مجدداً.
يصعب على المرء أن يحصر علَّامة اليمن ومؤرّخها وشاعرها، مطهر الإرياني، في فنّ أو تخصص معيّن، فهو بحر معرفي متلاطم، أوقف حياته على اليمن، ونذر عمره وأفناه في خدمتها
جاءت ثورة الشباب، في فبراير 2011م، لتعيد للناس الأمل والحلم بقيام الدولة المدنية، والتعبير الحقيقي والفعلي للروح اليمنية، التوَّاقة للسلام، وتحقيق المواطنة المتساوية، التي تكفل لليمنيين العدالة، وتمنحهم الأمان والطمأنينة، وتعيد بناء الدولة اليمنية الحديثة.
يأتي الاعلان عن افتتاح ميناء 'قنا' في محافظة شبوة، الذي كان له دور بارز في حياة اليمن الحضارية، تذكيراً بالدور التاريخي والحضاري الذي لعبه هذا الميناء طوال مئات السنين في حياة اليمن
يشهد التاريخ بأن اليمن لم تقم فيها دولة الاستقرار والرخاء إلا وفق تصور وفلسفة رجال البناء، والعمران، وحين سادت دولة السيف وفلسفتها، قتلت وشردت، بينما دولة القلم فرقت وشتت.
بلادنا لم تعد فقط ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، بل غدت لتصفية اليمن، والقوى الوطنية، وما يجري على الساحة هو "هندسة وطن"!
وحدها الجماعات الدّينية، ذات المطامع السياسية، هي التي قهرت اليمنيين، عبر خديعتهم، ووحدها النّخب الانتهازية هي من ظلت تعزز وتخلق بؤر التوترات، وتصطنع الفتن حتى تحافظ على مواقعها ومكاسبها دون بقية الشعب
لا يمتُّ خطاب "القومية"، الذي يحاول النيل من العروبة، بنسب إلى القحطانية الساعية لاستعادة الذات اليمنية، لكنها -للأسف- تستقي أُطروحاتها من "الشعوبية الفارسية"، التي سعت لتحقير العرب، ووصمهم بكل منقصة ورذيلة.
في اليمن هنالك استقلالية حدّ التوحّش، وفي المقابل تواجهها نظرة إلى الآخر كـــحليف، وتحديدا في الصراعات السياسية، ويعتمد نجاح التدخل في كيفية إدارته، وأهم عامل هو ألا يجد اليمنيون الحليف الأجنبي مهيمنا ومتنفذا على إرادتهم، وقراره فوق قرار القوى الداخلية..
يردد عدد من المحللين السياسيين، في أوقات كثيرة، مقولات مبسّطة حول طبيعة المجتمع في اليمن، وهي مقولات أنتجتها الصراعات السياسية، ومن أمثلتها: حديثهم بأن أبناء "إب" "وتعز" رعيّة ومزارعون، وأهل المناطق المرتفعة مثل: صنعاء، وعمران، وحجة، وصعدة، محاربون و"متبندقون"، لا يجيدون الزراعة، وكأنهم من سكان البوادي والصحاري....الخ، بينما هم مستقرون يسكنون في قرى، ويعيشون من زراعة الأرض.
"إن الحرية ليست هي وجود سيّد حاكم عادل، بل عدم وجود سيّد على الإطلاق".. الفيلسوف الروماني شيشرون. كان مجيء النظام الجمهوري في اليمن بعد مخاض شاق وعسير، كان يتم فيه اصطياد رجال الحركة الوطنية، مثل الغزلان، والوعول، من قبل عكفة الإمامة.
خلال المائة عام الأخيرة، قاتل اليمنيون وواجهوا إمبراطوريتين، وقاتلوا الإمامة والسّلطنات والمشيخات، في سبيل: إقامة "النظام الجمهوري"، ودحر الاستعمار، وإنجاز الاستقلال، ثم تقاتل الجمهوريون منذ نهاية الستينات، وحتى بداية التسعينات في سبيل الوحدة.
في العديد من مراحل التاريخ المختلفة، ظلت اليمن عالقة بين الاستبداد، والاستبعاد، والأخير هو الغالب على طبيعة التاريخ السياسي للبلد، والمحرّض على الصراعات، حيث ظل الاستئثار بالحُكم والسلطة واستبعاد المكوّنات الأخرى من الشراكة، من قبل بعض القوى هو المحرّك الفعلي للانتفاضات، والتمرّد على الحكومات، أما الاستبداد فلم تكن حظوظه حاضرة على المشهد اليمني بتلك القوة، التي عرفتها المجتمعات الأخرى، وذلك ليس لأن اليمن لم تعرف الطغاة، ولكن لأن الحاكم الطاغية لم يكن بإمكانه أن يفرض مشيئته على اليمنيين، وإن استطاع أحد الحكام التفرّد فلم يكن بوسعه الاستقرار في السلطة.
إن الخطوة الأولى لتغيير واقعنا الكارثي في البلد، تتمثل بدفع المجتمع في الصراع القائم على بناء الدولة اليمنية، أن يفكّروا كيمنيين، وليس أعضاء في مجموعات ذات هويّات، أو مناطق، أو طوائف، أو أحزاب مُنفصلة، وذات حسّ مستقل بالسيادة، بل علينا أن نعزز الشعور بهويتنا المشتركة، فما يجري في عدن يؤثّر على بقية اليمن، وما يحدث في صنعاء ينعكس على غيرها من مناطق البلاد!
أكثر الأخطاء شيوعاً في قراءة المجتمع اليمني، و"القبيلة": تلك التي تنطلق من زاوية علاقات القرابة وتحاول أن تكيّف نظرية ابن خلدون التي تتناول المناطق "الرعوية" و"الصحرواية" على البيئات الحضرية
"إن الذين يتجاهلون الحقائق تتجاهلهم الحقائق، ثم إن النسيان كأي عقار مهدئ، قليل منه قد يكون دواء، ولكن الإدمان عليه غيبوبة، كما أن التمادي فيه سم زعاف”.. محمد حسنين هيكل
كادت الإمامة، خلال جولات الصراع بين الجمهورية والملكية المدعومة من الخارج، أن تحرز تقدماً، في كسب تعاطف الجماهير داخل بعض المناطق اليمنية، وذلك بحجة التدخل المصري، الذي جاء بطلب من قيادة الثورة لمساندة النظام الجمهوري، ضد التدخلات الخارجية القادمة من الاستعمار البريطاني في عدن، والمملكة العربية السعودية.
لا يعتبر يوم الرابع عشر من أكتوبر 1963م يوما خالدا في حياة اليمن وحدها، بل هو يوم عظيم في تاريخ المنطقة العربية بأسرها، فثورة أكتوبر الخالدة لم تحرر جنوب الوطن اليمني، لكنها حررت أيضا بقية بلدان الخليج العربي، وأرغمت الاحتلال البريطاني على الخروج من عُمان والإمارات والبحرين وقطر، ومن هنا فإن الاحتفاء بها، والاحتفال بعظمة هذا اليوم، وإحياء هذه المناسبة يجب ألا تقتصر على اليمن بمفردها، بل وعلى بقية إمارات الخليج العربي
لم يكن أمام قادة الثورة اليمنية وهم يتابعون ردود الفعل الدولية والإقليمية على الثورة، وبداية العمل القادم من الخارج لاستهداف النظام الجمهوري سوى طلب الاستعانة بمصر فــ "ذهبت برقية بتوقيع الزعيم عبدالله السلال إلى الرئيس جمال عبد الناصر ينبئه فيها بأن الشعب اليمني قد ثار وأنه يخشى على ثورته من التدخلات الأجنبية ومن الاستعمار البريطاني في جنوب الوطن بالذات
انت المخاطر الخارجية، والتدخل الأجنبي للاستعمار البريطاني وحلفائه في الجنوب، والرجعية العربية بقيادة السعودية والأردن، ضد ثورة سبتمبر، تشكل الخطر الحقيقي على ثورة سبتمبر، بينما ظهر الموقف الداخلي متماسكا ومؤيداً للثورة منذ صبيحة اليوم الذي أعلن فيه البيان الأول لقيام النظام الجمهوري، بحيث لم تشرق شمسه إلا وقد كانت المظاهرات المؤيدة للثورة تجوب مدينة صنعاء.
لقد كان التطور حليف الثورة والتغيير في اليمن، وكان حربا على منظومة الإمامة، فلقد ساعد اتصال البلد بالخارج، وكسر طوق عزلتها - رغم محدوديته على العالم - في تفكيك قواعد السلطة الإمامية، وتدمير أسسها البالية والعتيقة، والعاجزة على البقاء في مواجهة حركة التاريخ والتطور الإنساني.
لا يستطيع تيار أو جماعة أو فئة في اليمن الاستئثار والادعاء بدور يتجاوز دور البقية في الدفاع والحفاظ على ثورة سبتمبر
يعتبر "ذو علان" آخر شهور السنة الزراعية في اليمن، وهو يقابل شهر سبتمبر، وفي هذا الشهر يودع اليمنيون الخريف المرتبط بالجوع والفاقة، ويستقبلون موسم الخير.
نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.