مقالات
اليمن.. هل من دور أمريكي جديد؟
يشير قرار الرئيس الأمريكي تعيين مبعوثا رئاسيا إلى اليمن، بأن الادارة الأمريكية قررت إيقاف تعاقدها من الباطن مع الرياض فيما يخص مصالحها في اليمن. وأن الملف اليمني بات محل اهتمام ومتابعة البيت الأبيض مستقبلا، وذلك خشية من أن يفلت زمام الأوضاع من يدها، بعد أن ثبت فشل السياسات السابقة.
كما يؤكد قرار تعيين المبعوث بأن التعامل مع الملف اليمني لم يعد مهمة الخارجية، فقط، بل بات اولوية للبيت الابيض، وأن التعامل الامريكي مع الوضع في اليمن لم يعد كما في عهد ادارة ترامب، يمر عبر الرياض، وابوظبي، مع عدم التقليل من تأثير الرياض، فحاجة واشنطن للأخيرة بمعالجة الملف اليمني بصورة مباشرة، اضافة الى دورها الفاعل في بقية ملفات المنطقة، ما زال حاضرا، لكن التغييرات داخل البيت الأبيض تدفع السعودية إما إلى التراجع أمام الحوثي، وإيران، أو مراجعة دورها في اليمن بالكامل!
كان الموقف الامريكي متعاطف مع ثورة اليمن وقيام الجمهورية. بل وصل الموقف البريطاني ومثله السعودي الى حد الاستعداد لخسارة واشنطن عقب الاعتراف بالجمهورية في ديسمبر من عام 1962.
بدأ تغير الموقف الأمريكي منتصف الستينات بعد مجيء جونسون، ومعه تجمعات النفط، والسلاح في الكونغرس، ورؤيته المغايرة لسلفه كينيدي في التعامل مع القاهرة، ومنطقة الشرق الاوسط، ومع ذلك فقد ظل الاعتراف الأمريكي بالنظام الجمهوري يقف في وجه لندن، والرياض، حتى بعد صعود ليندون بي جونسون.
وكان الموقف الامريكي مع الوحدة اليمنية، رغم ان حرب 94 جاءت وعلاقة اليمن مع واشنطن شبه مقطوعة، بل وكان النظام مغضوب عليه بسبب موقفه من حرب الخليج الثانية. ومع ذلك كان الدور الأمريكي حاسما وقاطعا في مواجهة الرياض والقاهرة، لصالح اليمن، حيث صادر الاسطول الامريكي الخامس شحنات الاسلحة التي كانت ذاهبة للبيض على متن سفن مصرية، وبتمويل سعودي!
يدرك الجميع أن المحيط الهندي كما أشار روبرت كابلان في مقالة له بعنوان: 'التنافس في المحيط الهندي" - يشكل شريانا رئيسيا من شرايين شبكة العولمة، وساحة محورية لتنافس الامبراطوريات ودول 'العالم الثاني'، أو القوي الإقليمية، علي النفوذ الاستراتيجي والمصالح الاقتصادية. ويمر من خلال المحيط الهندي نحو 50% من حركة النقل البحري بالحاويات، ونحو 70% من التجارة العالمية في المواد البترولية، حيث تأتي من منطقة الشرق الأوسط في طريقها إلي منطقة المحيط الهادي. وتقع بالمحيط الهندي ثلاث نقاط اختناق شديدة الخطورة بالنسبة لحركة التجارة والطاقة العالمية، هي باب المندب، مضيق هرمز، ومضيق 'ملقا'.
المحيط الهندي اليوم في طريقه ليؤدي دور البحر الأبيض المتوسط في القرن الثامن والتاسع عشر، ولكن الاختلاف في طريقة التعامل الذي تنتهجه أطراف الصراع الدولي، على النفوذ في المناطق الحساسة عالمياً، ولعل مضيق باب المندب يفتقد أكثر من سابقيه لوجود قوة تضمن، وتؤمن فيه خطوط الملاحة الدولية، إضافة إلى أن اليمن بسواحلها وجزرها التي تعد نقاط مراقبة لسير أساطيل التجارة، والحرب تعد قاعدة انطلاق، ومحور ارتكاز، في المحيط الهندي، وخليج عدن، والبحر الأحمر، لذا بدأت القوى الدولية تصحح المعادلة وتقيم أخطاء تجاربها الماضية.
وما جرى في اليمن منذ أوائل التسعينات وحتى اليوم من تصدير للجماعات الإرهابية، وانشاء وتدريب مليشيات تخدم أهدافا، وتنفذ أجندات لقوى إقليمية، تهدف في المقام الأول لضرب قيمة الموقع الاستراتيجي لليمن، وتجعل منه موقعا يشكل بؤرة للمخاطر الأمنية على المستوى العالمي، وكان دور المخابرات لدول الإقليم - ومازال - ظاهرا وبارزاً حتى اللحظة، في زعزعة استقرار اليمن، وهو ما يثير قلق العالم في هذه المنطقة المهمة عالمياً، وما يدفعه في الوقت ذاته للمساعدة في استقرار اليمن. حيث تأتي القرارات الأممية للتأكيد على أن الاستقرار لم يعد شأناً داخليا، ولا إقليمياً، لأن زعزعة الاوضاع تنعكس بصورة سلبية على المستوى الدولي، ويهدد عدم الاستقرار شبكة العولمة الكونية.
ومن هنا تأتي محاولات واشنطن لإيقاف حرب كبيرة الكلفة والمخاطر، وتشكل عقبة في تحقيق مصالحها للتعامل مع القضايا الأخرى. لكن ايجابيات الدور الأمريكي الجديد مرهون بمجريات الأحداث على الأرض، وتحرك صناع السياسة اليمنية على الصعيد الخارجي.