مقالات

اليهودية دخلت ترقد عند اليهودي ( سيرة ذاتية 14)

21/09/2025, 16:21:16

بعد أن مكثتُ في جبل نُقُم ثلاثة أيام في ضيافة جنود قوات المِظلات، نزلتُ عصر اليوم الرابع إلى العاصمة صنعاء مع الضابط عبد الكريم، الذي اقتادني إلى حي اليهود. 

وعند وصولنا، راح يقرع باب بيتٍ مجاور للبيت الذي سوف أنزل فيه، وينادي صاحبة البيت:

"نُعُومي... يا نُعُومي!".

وخرجت امرأةٌ جميلة في الثلاثينات، وجهها يطفح بالأنوثة. وبعد أن ناولته مفتاح البيت، قال لها إنني من قريته وسوف أقيم في البيت، ثم التفت إليّ وقال: 

"كن لمَّا تخرج دُق على نعومي واطرح المفتاح عندها".

وكان اسم "نعومي" غريبًا عليّ، وبدا لي صعبًا، حتى إنني لم أحفظه إلا بعد مرور أيام. وعند دخولنا البيت قال لي:

"نعومي هذه يهودية، وهي اليهودية الوحيدة التي بقيت بعد أن غادر اليهود صنعاء".

وعندما سألته عن سبب عدم رحيلها مع أبناء ديانتها، قال لي:

"أبوها سالم اليهودي كان شخصية غريبة الأطوار، ورفض مغادرة صنعاء مع بقية اليهود في عملية 'بساط الريح'، وهي ظلت مع أبيها، وما كان بمقدورها أن تغادر وتتركه لوحده".

وبعد أن مكث معي قرابة نصف ساعة يحدثني عن اليهودية نعومي، دسّ في يدي ثلاثة ريالات وخرج عائدًا إلى موقعه في الجبل. وبمجرد خروجه داهمني شعور بالوحدة والوحشة، لكني لم أشعر ليلتها بالبرد.

في صباح اليوم التالي، حضرت اليهودية نعومي حاملة تنكة ماء، وبعد أن سكبتها في البرميل جلست تكلمني وتسألني عن اسمي وعن عملي. 

وسألتها عن السبب في أنها ما تزال غير متزوجة، فقالت إنها كانت تحب فتى من صنعاء، وكان قد وعدها بالزواج من دون أن تغيّر دينها، لكنه غيّر رأيه بضغط من أهله، وطلب منها أن تعلن إسلامها حتى يتزوجها، وهي رفضت.

وكلمتني عن آخرين غيره تقدّموا لها، وكانوا جميعًا يطلبون منها الطلب نفسه: أن تعلن إسلامها، وكانت ترفض. 

وحدثتني عن تاجر في صنعاء أحبها وأراد الزواج بها، لكنه أيضًا طلب منها إعلان إسلامها، وعندما رفضت قال لها وهو يبكي: "إسلمي يا نعومي ولو كذب". قالت ذلك وهي تضحك. 

وعندما سألتها عن سبب رفضها، أجابت بما معناه أنها تفضل أن تبقى على دينها بلا زوج، بدلاً من أن تتزوج وتخسر دينها.

وكانت نعومي، بالإضافة إلى جمالها، تحب الفكاهة والمرح. وفي ذات مرة، قالت لي وهي تضحك: "أنتم أهل تعز مثل اليهود".

قلت لها: "كيف مثل اليهود؟!".

قالت: "شياطين".

وفي صباح اليوم التالي على نزولي في حي اليهود، خرجتُ من البيت، وفي جيبي ثلاثة ريالات، ذهبت إلى "مطعم النجاة" واصطبحتُ. ومن هناك مضيت إلى منتزه التحرير، وبقيت أشرب الشاي وأستمع إلى صوت أم كلثوم وغيرها من الفنانات المصريات اللواتي كان المنتزه يبث أغانيهن يوميًا:

شريفة فاضل، فايزة كامل، نجاة الصغيرة، صباح، فائزة أحمد، شادية.

حتى إن الواحد منا كان يظل في المنتزه لساعات ولا يمل من البقاء. ثم إنه لم يكن هناك مكان آخر يغري بالبقاء غير منتزه التحرير.

وفي المساء، بعد أن ذرعت شارع علي عبد المغني عدة مرات، مررت على "اللوكندة" وحاسبت صاحبها وأخذت حقيبتي وعدت إلى البيت. فقد كانت صنعاء تتوحّش في الليل، وكان ليلها في تلك الأيام قصيرًا، يمتد من بعد المغرب إلى ما بعد صلاة العشاء.

عند عودتي قرعت باب بيت نعومي، فخرجت وهي بكامل أنوثتها ونعومتها وناولتني مفتاح البيت. ولمَّا أبصرت حقيبتي، أبدت استعدادها لغسل ملابسي. 

وبعد أن أعطيتها ملابسي المتسخة لتغسلها، دلفت إلى البيت، وليلتها لم أشعر بالوحشة كما في الليلة الماضية.

وفي مساء اليوم الثالث، بعد عودتي من شارع علي عبد المغني، دققت باب بيت نعومي، فخرجت وناولتني المفتاح والملابس المغسولة. ولحظتها أخرجت من جيبي ريالًا وناولتها، ففرحت فرحًا عظيمًا. ومن شدة فرحها، عرفتُ أنني أعطيتها أكثر مما يجب.

وفي الصباح، تفاجأت بها تدخل ومعها حرَضَة فول وملوجتان ساخنتان. وكان ذلك أول صبوح بيتي أتناوله منذ وصولي صنعاء. 

ولأنني أكثرت من الأكل، فقد عدت للنوم ونمت حتى ما بعد العصر، حين أيقظتني طرقات قوية على الباب. وكان أولئك الذين أيقظوني من النوم هم طلاب الكلية الحربية (يخرجون يوم الخميس بعد العصر ويعودون يوم الجمعة قبل المغرب).

وحين رأوني تفاجأوا بوجودي في صنعاء، ولم يكن لديهم علم أنني تقدمت للكلية الحربية وفشلت، وكان في ظنهم أنني ما زلت في عدن. يومها عزموني على عشاء في المطعم العدني، وفي ظهر يوم الجمعة عزموني على غداء في المطعم نفسه، وقبل المغرب عادوا للكلية، وعدت أنا في المساء للبيت.

وحين دققت الباب على نعومي لأخذ المفتاح، طلبت مني وهي تناوله لي أن أترك الباب مفتوحًا، واستغربتُ ذلك منها. 

وليلتها دخلت وهي بكامل زينتها، وطلبت مني أن أكتب لها رسالة إلى خالٍ لها في أمريكا. وبعد أن كتبت لها الرسالة عادت إلى بيتها.

وفي صباح اليوم التالي، وعند خروجي من البيت، سمعت جارتنا العجوز تصيح بأعلى صوتها: "اليهودية دخلت ترقد عند اليهودي!".

وراحت نساء الحارة يتضاحكن، ولشدة ما كنت محرجًا أسرعت في المشي ودخلت شارع جمال عبد الناصر. وكانت تلك أول مرة أدلف فيها إلى ذلك الشارع، ومن حينها صارت صنعاء عندي تتكون من شارعين: شارع "علي عبد المغني" وشارع جمال عبد الناصر، وبينهما ميدان التحرير.

مقالات

جماعة الفضيلة الزائفة.. وأقلام الحبر المصادرة

مرّ عام كامل، ومحمد المياحي لا يزال يقبع خلف قضبان السجن، حبيسًا في عتمة زنزانة ضيقة لا يدخلها سوى ضوء شحيح من نافذة متهالكة. في مثل هذا اليوم من العام الماضي، تحديدًا في صباح 20 سبتمبر، تحولت لحظة عادية من حياة أسرته إلى كابوس مدوٍّ، حين داهم منزله طقم عسكري حوثي مدجج بالسلاح،

مقالات

جريمة المشهري والانفلات الأمني في تعز: الألوية العسكرية بين القدرة على الحسم وغياب الإرادة

تمثل جريمة اغتيال مدير عام صندوق النظافة والتحسين في تعز، الشهيدة أفتهان المشهري، نقطة تحول خطيرة في مسار الاستقرار الأمني في المدينة. هذه الجريمة ليست حادثة فردية معزولة، بل هي جزء من سلسلة أعمال عنف وانفلات مسلح واغتيالات متكررة لشخصيات وضباط لهم وزنهم في محافظة تعز، وهي تستهدف مؤسسات الدولة والمواطنين، وتتطلب مواجهة حاسمة وفورية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.