مقالات

إيفان الرهيب.. وفي قبضته زر سلاح نووي!

01/03/2022, 08:03:43

كانت الحرب، وما تزال، صانعة النظُم والتوازنات. 

على وقعها تتشكّل موازين القوى، ومن نتائجها تصاغ القوانين والدساتير، وترسم خرائط النفوذ. 

يعكس ميشيل فوكو، المفكّر الفرنسي المنحاز لقراءة مختلفة للتاريخ، جملة شهيرة منسوبة لكارل فون كلازوفتش "الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى"، لتكون "السياسة امتداد للحرب بوسائل أخرى". 

الحرب في الأولى إحدى وسائل السياسة لبسط السيطرة والنفوذ. وفي الثانية تُقرأ الحرب باعتبارها اللحظة الأساسية في التاريخ، وما السياسة إلا أحد المجالات التي تعكس عليها موازين القوى التي تصنعها الحروب. 

أفرزت الحرب العالمية الثانية نظاماً عالمياً بقي إطاراً ناظماً للعلاقات الدولية، تدار الصراعات بين القوى الكبرى تحت سقفه ودون أن تصل "نيرانها" إلى حد هدمه. 

الحرب بالوكالة كانت سمة مميّزة للحرب الباردة. إدارة الحروب عن بُعد، مكّنت الدول الكبرى من تخفيض الكلفة وتجنّب الصدام المباشر، إذ كانت ذكرى خمسين مليون ضحية حصدتهم الحرب العالمية الثانية درساً كافياً للدول الكبرى التي استخدمت - ومازالت- دول العالم الثالث لتنفيذ حروبها بالوكالة. 

كان السلاح النووي عاملاً أساسياً لتوازن رعب، رسّخ أسلوب الحرب بالوكالة، بديلاً للحرب المباشرة بين الدول الكبرى.  

انتهى هذا النظام العالمي بانهيار الاتحاد السوفيتي بداية التسعينات من القرن الماضي. اختل التوازن الدولي حينها، غير أن المجال الحيوي الأقرب لروسيا بقى آمناً إلى حدٍ ما. فقدت روسيا نفوذها في أوروبا الشرقية، وما يُعرف بمجموعة الدول المستقلة، وذاقت مرارة الإذلال خلال عقد يلتسن، ومع ذلك لم تفقد كل شيء، إذ أبقت اتفاقات تفكك الاتحاد السوفيتي على بعض الضمانات أهمها عدم تمدد حلف الناتو إلى الدول المحيطة بموسكو، مثل أوكرانيا وجورجيا. 

انتهى الاحتلال الروسي لأوروبا الشرقية عام 90 سنة، تفكك الاتحاد السوفيتي، لكن الاحتلال الأمريكي- البريطاني "الضمني والمعلن" لأوروبا الغربية لم ينتهِ حتى الآن، بل وضم إليها أوروبا الشرقية، وأراد أن يتوسّع تحت إطار "الناتو" إلى مجموعة الدول المستقلة المحيطة بروسيا، وأهمها وأخطرها أوكرانيا.

النفوذ الأمريكي - البريطاني في أوروبا يتخذ وجهاً ناعماً في زمن انخفاض حدة الاستقطاب والمواجهة، وترتفع حدته عند ارتفاع مستوى المواجهة والاستقطاب، كهذه التي فجّرتها أزمة الاجتياح الروسي لأوكرانيا، الدولة المجاورة لها، والأكثر إندراجاً في سياسات وتوجّهات حلف "الناتو"، حتى قبل أن تفصح علناً عن تجاوبها مع توجّهات ضمها إليه. 

غياب الصراع الحاد والمباشر كان قد فتح المجال لتمايز المواقف والتوجّهات داخل أوروبا؛ انسحبت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وشاهد العالم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وهو يتوعد الأوروبيين برفع "حماية" أمريكا عنهم إذا لم يدفعوا. 

بالمقابل، سعى الرئيس الفرنسي ماكرون لتحفيز شركائه الأوروبيين لإنشاء قوة دفاعية خاصة بالاتحاد الأوروبي، لكن ذلك لم يتحول إلى فعل تتوفّر له إمكانية التحقق، وقبل ذلك صرامة القرار السياسي المستقل عن مظلة "الهيمنة - الحماية" الأمريكية. 

وبدلا من مقترح ماكرون، الذي لم ير النور، فتح الغزو الروسي لأوكرانيا الباب أمام أمريكا وبريطانيا لإرسال قوات إضافية إلى دول أوروبا،  والأرجح أن هذه العودة للطابع الحربي الأمريكي - البريطاني ليست دفاعاً عن أوكرانيا، وإنما تأكيد لهيمنتها على أوروبا. 

كشفت أزمة الحرب في أوكرانيا أن نفوذ أمريكا وبريطانيا مايزال طاغياً، إذ تُمسك الدولتان بقوة النفوذ التي تمثلها المؤسسات الاقتصادية الدولية، والنظام الاقتصادي العالمي عموماً. 

لم يعرف العالم عزلاً سريعاً لدولة مثل هذا الذي نصبت سياجاته حول روسيا، الدولة العظمى، بعد اجتياحها لأوكرانيا. 

بهذا الحصار الشامل، يكاد الغرب أن يفرض على روسيا حربا عالمية نووية. 

سلاح الغرب الناعم، الذي يفوق السلاح النووي، هو المقاطعة وعزل روسيا عن نظام اقتصادي عالمي يهيمن عليه. 

أوكرانيا الواقعة في وسط المحرقة ليست سوى نقطة اختبار قوة بين روسيا الساعية لكسر تمدد "الناتو" حولها، ومنظومة غربية، وتحديدا أمريكية - بريطانية، تستخدم الغزو الروسي مناسبة لإيقاظ قواها، واستعادة جاهزيتها الحربية وأدواتها العقابية الفعّالة دولياً. 

إذا خسرت روسيا في كييف ستواجه سقوطاً لم تعرفه حتى في مفتتح التسعينات. 

ديكتاتورية بوتين ليست مفتاح فهم قرار غزو أوكرانيا. مفاعيل الصراع عميقة الجذور، والقيصر الروسي الجديد تعبير عن روسيا، وليس حالة نقيضة لها. 

السلطة المطلقة في روسيا، تاريخيا، مثلما لاحظ كارامزين، هي "أساس كيانها"،

كل الاحتمالات واردة إذا تطوّرت أزمة الحرب في أوكرانيا، ولم يتم احتواؤها. 

باب الحرب العالمية الثالثة، الذي فتحه التصعيد الغربي ضد روسيا، يبدو أكثر اتساعاً من الباب الذي فتحه الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي مثل هكذا مواجهة تبدو تلويحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأسلحة الردع النووي، أقرب إلى خيار الضرورة الممكن الاستخدام أكثر من كونها تهديداً للضغط على عجلة المقاطعة الغربية لتفرمل اندفاعها. 

كثيراً ما يردد المعلّقون جملة شهيرة تقول إن "الأسلحة النووية للردع وليست للاستخدام". هذه الجملة أصبحت مستهلكة، وتظهر من يرددونها وكأنهم يتحدثون من خارج الحدث المتفجّر في أوروبا، ودائرة الاحتمالات الواسعة التي فتح أبوابها. 

هناك بشر يديرون الأسلحة النووية، وظروف مختلفة، وأمّة متوثبة مثل روسيا تتعرّض لأسوأ اختبار، وبالتالي كل شيء مُمكن.

الغزو الروسي لأوكرانيا ووجِه بإعلان حرب عالمية من الغرب. هذه الحرب واضحة: كل أوروبا، وأمريكا، ترسل السلاح لأوكرانيا، تغلق أجواءها أمام الطيران الروسي، مقاطعة وعزل أشبه بالخنق.

 وعندما يحدث هذا أمام دولة عظمى تمتلك أسلحة نووية، تنفتح كل الاحتمالات.

استخدام السلاح النووي ليس مؤكداً، وليس مستبعداً. 

-كل الاحتمالات مُمكنة

تعيد شخصية بوتين التذكير بأول قيصر لروسيا أكثر من أي ديكتاتور روسي آخر عبر تاريخها الطويل. 

وصف إميل سيوران  "إيفان الرهيب" أول قيصر لروسيا "1530-1584" بأنه "حالة قادرة على استنفاد علم النفس كله لما في جنونه، وفي سياساته من تعقيد. لقد صنع من عهده، وإلى حد ما، من بلاده نموذجاً للكابوس، مثالاً أول للهلوسة الحية اللامتناهية، مزيجاً من منغوليا وبيزنطة. لقد اجتمعت لديه مزايا خان وبازيليوس وعيوبهما معاً، الأول لقب ملوك المغول والتتار، والثاني لقب أباطرة بيزنطة وروما، فإذا هو وحش يحكمه الغضب الجنوني والكآبة المخيفة، وتتنازعه رغبتان هما الدم والندم، ويتوج مرحه الهزء". 

وها هو قد بُعث من جديد، بهيئة مصارع جودو محترف، يسبح مسافة كيلو يومياً، ويغزو سوريا، ويجتاح أوكرانيا... ويمسك بقبضته زر سلاح نووي قادر على تدمير العالم كله!

مقالات

الوجود كصُدفة..تأملات عن الحرية

كلّ شيء يؤكد أنّ وجودنا مجرد صُدفة. ولدنا دون تخطيط، ولا أهداف محدّدة. كان يُفترض أن تستمر حياتنا مدفوعة بالمنطق البرئ نفسهض. لكنّنا تعرضنا لخديعة وجودية مرعبة، تورطنا في قبول تصورات أولية جعلت وجودنا مقيّدًا للأبد.

مقالات

المصائب لا تأتي فرادى!

قُدِّمَتْ صنعاء على طبق من فضة، أو ذهب، للمليشيات كما لم يحدث من قبل عبر التاريخ، التي بدورها استولت على كل مقدرات الدولة والجيش والشعب في غمضة عين من التاريخ والعالم والزمن، وتحالف أبشع رأس نظام سابق مع أبشع سلطة أمر واقع لتحقيق غاية واحدة

مقالات

نمذجة مقيتة

لطالما ردّدتُ أنني لا أخشى السلطة بقدر خشيتي من كلابها! وعلى القارئ الكريم أن يستبدل مفردة الكلاب بأية صفة أخرى يراها ملائمة. ولعلّ من الأمثلة الساخرة على هكذا صورة مقيتة:

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.