مقالات
بورتريهات الحرب
هل انقضت السنون السبع العجاف؟ ... أم تُراها ستبلغ عشراً، وربما أكثر؟
يوماً عن يوم، تزداد الفاجعة اليمنية فداحةً وضراوة، فيما تزداد تبعاتها وتداعياتها قُبحاً ونتانة، أما أُضحياتها فبلغت أرقاماً مهولة من القتلى والجرحى والمفقودين والمعوزين والمرضى والمختلين..
أما نتائجها الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والوبائية والجنائية والأخلاقية فنماذجها غير قابلة للحصر..
بدون أدنى شك، صارت البلاد على شفا الزوال التام بمعنى الكلمة، إنْ لم تحدث معجزة خلال الشهور القليلة القادمة.
تبدو لي هذي الحرب، أحياناً، حُمّى ليلٍ مسعورة، أطاحت بالسكينة الزائفة في منطقة الحياد، بين غبار الخنادق.. وملاءات الفنادق.
وحيناً تبدو لي قصيدة حُبٍّ سريَّة، كتبها عاشقٌ يائسٌ مغمور، خبَّأها في قصعة البخور، ليُخفيها عن عيون النقاد.. وأنوف المُخبرين الأُميّين.
وحيناً تبدو حفلة شعارات تلطَّخت بها أعمدة النور المُطفأة.. والتصقت برؤوسٍ قابلة للطيّ والخواء.. وتدحرجت من أول النيون حتى آخر العتمة.
وتبدو لي حيناً رقصة جنٍّ أخيرة، دمدمت في منتصف الموت، على كومةٍ من جماجم رخوة، كلها مثقوبة من الخلف.. وملساء من كل الجهات.
سأُغلق باب خوفي على شغفي، وأترك هذه الحرب تعوي في عراء الفضيحة. وأنام ملء حريقي، لعلَّ الجحيم يُترجمني إلى لغةٍ لا يُجيدها القتلة.. يتحدثها الأطفال بطلاقةٍ مدهشة.. وتفهمها النساء الطريَّات كرائحة الخبز، كما يفهمن الإشارة الخفيَّة إلى زرّ الإضاءة بجوار السرير..
كما لم تعد هذي الحرب تبدو لي شيئاً، غير تلك الأسمال الملطخة بالخيانة، وتلك الأشلاء المعلبة في الخطابات والأخبار، وتلك الأحلام التي دهستْها مدرعة تقطع الطريق بين شارعين، في مدينة يقطنها أطفال لا يعرفون 'جدو نويل'، وتحرسها أسراب من العصافير الملونة، صدر فرمان بتجنيدها في إحدى الجبهات.
تدور النهارات حول مدارها المغلق على خمس جهات وعشر جبهات وسبع دول. وتدور الليالي بلا هدفٍ، ولا شرفٍ، ولا بوصلة.
وإذا ما انتبهنا إلى دمنا، يتقطَّر من عورة أيامنا، تبدَّتْ لنا سيرتنا:
سوداء كالفضيحة.. شمطاء كالإشاعة.. وساخنةً كالمقصلة!
صارت لحظة الفرح أو ومضة البهجة حالة نادرة جداً في حياة الناس في هذا البلد، إلى الحدّ الذي صار فيه الفوز ببطولة كرة قدم تُعادل - في الوعي والوجدان الجمعي للشعب - عيد الأعياد المقدّسة أو ذروة الأمجاد الأسطورية!
إن هذا الشعب يبحث عن لحظة فرح منذ سبع سنين على الأقل، فلا يجدها، وإنْ وجدها تكون مُغلّفة بالكآبة ومغمّسة بالدم والدموع والوجع.