مقالات
بيع الوطن بالتجزئة
أصبحنا، ونحن ننظر إلى الوطن اليوم، وكأننا ليس في وطننا بل في وطن يمتلكه مجموعة من الناس، الذين يحكمونه بالحديد والنار، ويمتلكون فيه كل شيء؛ من الهواء والطُّرق والسواحل والخطوط الطويلة بين المدن، وكأنهم يملكون الشروق والغروب والهواء والمطر.
المزارع مزارعهم، والجبال جبالهم، والمدن مدنهم، والمطارات رُصفت خصيصا لهم، و"القات" قاتهم، والجولات جولاتهم، وكل السيارات سياراتهم.
لقد حوَّلوا المستوصفات المجانية إلى مستوصفات استثمارية، وجهَّزوها بكل ما يلزم من ورقة الدّخول إلى المختبرات إلى كوادر الأطباء وإلى جميع المُسميات، وعلى الجميع أن يدفعوا، ولا أحد يدري من البائع، ومن المشتري، وأين تذهب كل هذي الإيرادات في مثل هذه الأماكن، ومثلها المستشفيات والمدارس حتى المساجد.
لكن الأكيد أن هناك بائعا، وهناك مشترٍ، وهناك مجموعة يتقاسمون كل شيء من الإبرة حتى الصاروخ في كل مكان من حولك قابل للبيع.
وما نلاحظه جميعا أن كل ما نشاهده حولنا يتم تغييره إلى الأسوأ، فحسب اعتقادهم أن أفكارهم هي الأصح والأجمل ممن كان قبلهم حتى على مستوى نافورة الماء، أو شكل الجَرَّة في جولة..
وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان هناك جَرَّة في حديقة الشعب مقابل البنك العربي، ومنظر جمالي يبعث على الدهشة، تم قلعه من الجذور، وحولوه إلى مثلث عبثي لإرضاء رغباتهم في طمس أي مَعْلَم من مَعَالِم نظام سابق، رغم عدم وجود أي إشارة تدل سوى على أنه منظر جميل ومنتزّه للناس.
وكذلك كورنيش الحديدة الطويل، الذي تم تبليطه بأحجار من الرخام الغالي الثمن، وتم التخطيط له ليكون ساحات لمناسباتهم الدينية، وكذلك لفتح منتزّهات ومطاعم لتأجيره بالدولار، وليس من أجل عيون المواطن الذي بلا دخل ولا راتب.
هناك مشروع الطاقة الشمسية، وهو المشروع الكبير الفاشل، الذي يتباهى به الزنابيل، وهو غير مطابق للمواصفات، ومع توفّر الكهرباء في الحديدة هذه الفترة، لكن قيمة الوَحدة لم تنزل فِلسا واحدا أقلّ من ٢٥٠ ريالا.
ما لاحظناه، وهو المؤكد، أن كل مشاريعهم هي للجبايات، وتحصيل الأموال الطائلة، وليس لها أي علاقة بتقديم الخدمة للمواطن المسكين الشريف في كل المدن التي يسيطرون عليها..
في مدينة الحديدة، كان هناك أحد هؤلاء التجار الذي خزّن ب"قات" عظيم، وتفتّقت عبقريّته الكهنوتية للقيام بتكسير كل شوارع الحديدة؛ للقيام بعمل مجاري لتصريف مياه الأمطار، وتم صرف مليارات الريالات، والمثير للسخرية أن كل ذلك لم يساعد على تصريف قطرة مطر واحدة، الذي حدث بالضبط هو العبث بالإسفلت والشوارع وتحويلها إلى مطبَّات حديدية لا يمكن إصلاحها، وهو مثال لأكبر مشروع فاشل في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر.
فعندما نشاهد الجرائم التي يتم ارتكابها في مدينة الحديدة، وبيع سواحلها لتجَّار جملة وتجزئة منهم فيهم، تندهش على ما صار إليه حال هذه المدينة البائسة، وقِس على ذلك بقية المدن اليمنية التي ترزح تحت نيرهم وأطماعهم، التي تجاوزت الحد المعقول من طمع المستعمرين القدماء والجدد.
عندما يتم تنفيذ أي مشروع، إما على حساب منظمات دولية أو على حساب المواطنين المستفيدين، تلاحظ أن كل القائمين على المشروع ليس دولة، وإنما مجرد أشخاص منهم فيهم، ويتم سلخ المواطنين سلخا نظيفا ومنظما..
لا وجود لما يُسمى الدولة، وإنما لرجال يتم استخدامهم بالقطعة، ولا تدري من المسؤول، ومع من تتخاطب، أو تلوم، أو تلقي باللوم، كل شيء يتم بناءً على قرارات فردية لأناس ليس لهم علاقة سوى جمع المال والكثير منه، ولا يهمهم أي شيء آخر.
كل شيء أصبح مرتبطا بجمع المال لطائفة من الناس هي التي تقرر كل شيء، وبيدها كل شيء.
لم تعد هناك عقيدة "الوطن"، بل عقيدة "المال والطائفة والسلالة الواحدة".