مقالات

تعز العطشى بين الماء والظمأ

25/08/2025, 08:23:55

محزنٌ ومعيبٌ أن تخرج النساء في مدينةٍ مثل تعز للاحتجاج بشدة والمطالبة بتحقيق ما عجز رجال السلطات المحلية عن إنجازه، وهو التخفيف من معاناة مواطني ومواطنات المدينة جراء شح المياه النقية الصالحة للشرب وارتفاع كلفة شرائها إلى حدٍ يفوق قدرة السكان المنهكين بمآسي الحرب وانقطاع الرواتب وارتفاع أسعار بقية السلع الأخرى وتردي بقية الخدمات الأساسية.

مشكلة المياه في تعز قديمةٌ جديدةٌ، لكن الحرب والحصار زادا من تفاقم معاناة الناس، خصوصاً النساء والأطفال، من أزمة المياه التي بلغت درجة غير مسبوقة ولا يمكن تحمّل أعبائها، حيث يقف الأطفال في طوابير طويلة ولساعات عدة أملاً في الوصول إلى حنفيات المياه لملء ما يستطيعون منها رغم عدم الثقة في أنها مأمونة وغير ملوثة.

جميعنا يعرف جذور هذه المشكلة منذ عقود بسبب شح المياه الجوفية في تعز، وكيف أنها كانت تشكِّل تحدياً ضخماً لكل الحكومات التي أدارت شؤون البلاد منذ عقودٍ من الزمن، حيث كان خيار اللجوء إلى تحلية مياه البحر الأحمر في المخا أحد الخيارات والحلول، لولا أن ضعف قدرات الحكومة وعدم الاستقرار حالا دون الذهاب قدماً في تحقيق ذلك.

لكن أسباب الأزمة الحالية كانت معروفةً منذ سنوات، وفي مقدمتها هشاشة البنية التحتية، وعدم الاعتناء بصيانة شبكات المياه، وتوعية المواطنين بضرورة ترشيد استخدامها وعدم استنزافها وهدرها.

اليوم، ثمة مخاطر جديدة تتمثل في تلوث مصادر المياه نتيجة اختلاط بعضها بمياه الصرف الصحي ونفايات بعض المصانع، علاوةً على الأسمدة والمبيدات الحشرية.

وإذا كانت تعز، وهي عاصمة المحافظة، تشهد كل هذه المعاناة فما بالنا بأريافها، حيث كان التنافس على الموارد المائية والرغبة في احتكارها أحد أبرز أسباب المواجهات المسلحة التي شهدتها المحافظة، خصوصاً في جبل صبر، حيث تتنازع قريتان، وهما "قراضة والمرزوح"، منذ عدة عقود، على عين ماء، ما أدى إلى مقتل وجرح عشرات الأشخاص، حيث فشلت كل الجهود والحملات الأمنية في فض هذا النزاع، وإيجاد حلٍ دائمٍ يضمن تقاسماً عادلاً للمياه بين هاتين المنطقتين الصغيرتين.

من تجربةٍ مهنيةٍ شخصيةٍ في تناول هذا الموضوع، إعلامياً، أدركت كم هو الخوف والهلع عاليان عند طرفي النزاع، فالأمر له كذلك علاقة بالكلأ أو المرعى، وريِّ أشجار القات التي تدر زراعتها دخلاً جيداً للمزارعين والباعة أكثر مما كان له صِلة بالحاجة إلى مياهٍ نقيةٍ للشرب وطهي الطعام، وحتى الاغتسال والاستحمام.

أزمة المياه في تعز جزءٌ من مشكلة بنيوية أكثر تعقيداً وعمقاً بسبب طول أمد الحرب الدائرة مع الحوثيين التي لا تزال تحاصر أجزاء من المدينة، إلى جانب بعض الانقسامات في صفوف الأطراف السياسية المناوئة لها، وهو ما أنتج في نهاية المطاف فشلاً في إدارة واحتواء هذه الأزمة وغيرها من التحدّيات التي تواجهها المحافظة، وتشكّل نموذجاً معقداً للمصاعب التي تواجهها البلاد والمجتمع والناس في كل اليمن على حدٍ سواء.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.