مقالات
تعز.. قرابة عام على زيارة الرئيس العليمي
مرت الأيام، وقرابة عام قد انقضى منذ أن حطّ رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، رحاله في تعز؛ هذه المدينة التي طالما عانت، وظلت صامدة رغم جراحها.
كانت زيارة الدكتور العليمي كبصيص أمل خافت في ليلٍ بهيم، وعدٌ بانتشالها من براثن الإهمال، ووعدٌ بمحاسبة سلطة محلية أثبتت الأيام أنها لا تُبصر ما تعانيه المدينة، ولا تسمع صرخات مواطنيها.
استمع الرئيس حينها لشكاوى الأهالي، ورأى بأم عينه حجم التقصير، وأمهل تلك السلطة "الواهنة" فرصة لإصلاح ما أفسدته أياديها، وإعادة الروح لمؤسساتها.
لكن، ويا للمفارقة، ما الذي تبدّل بعد عشرة أشهر من تلك المهلة؟ لا شيء! بل ازداد الواقع قتامةً، وتفاقمت الأزمات، وكأن السلطة المحلية قد أخذت من تلك الفرصة ذريعة لمزيد من التراخي والفساد.
لم تكن المهلة سوى سراب في معاناة تعز، فلم تترجم إلى خطوة واحدة جادة نحو الإصلاح، بل أضحت المدينة غارقة في مستنقع من الفشل يتزايد عمقًا يومًا بعد يوم. أين الإصلاح الذي وعد به الرئيس؟ وأين التغيير الذي يطمح إليه المواطن المنهك؟
تعز اليوم، بعد عشرة أشهر من تلك الزيارة، تصرخ بصوت موجوع، العطش ينهش حناجرها، ما زالت المدينة عطشى، وشرايينها المائية جافة، لا قطرة ماء تروي ظمأ أهلها.
أزمة المياه التي تعد من أبسط حقوق الإنسان، باتت كابوسًا يوميًا يؤرق الساكنين، ولا تلوح في الأفق أي بارقة أمل لحل جذري. وكأن السلطة المحلية لا ترى ، ولا تسمع أنين الأطفال الذين يبحثون عن جرعة ماء نظيفة.
الظلام يخيم على لياليها، الكهرباء، هذا الشريان الحيوي، تحول إلى رفاهية باهظة تُباع في سوق تجارية، بينما تغرق أحياء المدينة في ظلام دامس. المواطن يدفع الثمن باهظًا ليرى بصيص نور، وكأن تعز محكوم عليها أن تعيش في عتمة دائمة، لا تضيئها إلا مصابيح الأمل الخافتة في قلوب أبنائها.
القمامة تتكدس، الشوارع تغصّ بالنفايات، أكوام القمامة تنتشر في كل الأزقة ، تزكم الأنوف بروائحها الكريهة. تعز تختنق، بيئتها تتدهور، وصحة سكانها في خطر، ولا من مجيب لنداء النظافة.
التعليم في مهب الريح وأكثر ما يؤلم، أن صرح العلم الذي هو أساس بناء الأوطان، يتصدع على صخرة الإهمال. معلمون جائعون، ومستقبل جيل بكامله يضيع، كل ذلك بسبب عدم صرف الرواتب. أي مستقبل نرجوه لتعز ومعلموها يعيشون على هامش الحياة؟
إنها ليست مجرد مشكلات، بل هي جروح غائرة في جسد تعز المنهك، شهادة على عجزٍ مريع، وتقصيرٍ لا يُغتفر من سلطة يبدو أنها فقدت بوصلتها. تعز، تستغيث، فهل من مستجيب؟ وهل يزال هناك أمل في أن تُبصر السلطة المحلية قبل فوات الأوان؟