مقالات
توكل كرمان... الرمزية الثورية أم المسؤولية السياسية؟
بين الحين والآخر، أقرأ بعضَ الكتابات أو التغريدات المتحاملة على توكل كرمان، حتى من بعض الأشخاص الذين يفترض أن يكونوا منصفين في طرحهم حول الشخصيات السياسية أو العامة.
صحيحٌ أن حقَّ الكتابة والنقد مكفولٌ للجميع في تناول الشخصيات العامة، لكن الكتابة بحد ذاتها مسؤولية: فهي في حدها الأدنى مسؤولية أخلاقية أمام الضمير، وفي حدها الأعلى مسؤولية إنسانية يجب أن تنتصر للحقيقة فقط.
ولكوني كاتبًا واعيًا بمسؤولية الكتابة، أجد أن تناول توكل كرمان خالٍ من أي مبررات أخلاقية أو إنسانية، أو حتى سياسية؛ لأنه ببساطة شديدة يضع توكل كرمان في قفص الاتهام بتهمة المسؤولية السياسية تجاه ما يجري في الواقع، وكأنها مَن أوصلت اليمن إلى هذا المستوى من التشظي والانهيار السياسي والاقتصادي! مع أنها ليست من الشخصيات السياسية التي قبلت تولِّي منصب في السلطة بحيث تتحمل مسؤولية هذا الواقع. كما أن دورها وموقعها النضاليَّيْن منذ 2011م وحتى اليوم لا علاقة لهما بصناعة هذا الواقع.
توكل كرمان مواطنة يمنية، كفَلَ لها القانونُ والدستورُ حقَّ ممارسة الفعل السياسي الرافض للواقع. وعندما اندلعت ثورة 2011، لبست ثوب الشجاعة ووضعت نفسها في صدارة المشهد الثوري ضد نظامٍ كان يستحق ألفَ ثورة!
مستقبل الجمهورية في عهد صالح كان يستحق ثورة، ومستقبل التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة في عهده كان يستحق ثورة، ومستقبل الوحدة اليمنية في عهده كان يستحق ثورة، وتحويل سلطته إلى دولة وطنية كان يستدعي قيام ثورة، وخلاص اليمنيين من ثقافة العقل السياسي التاريخي، ومن سلطة القبيلة السياسية والعائلية، وثقافة المركز السياسي المقدس كان يستحق ثورة.
بناءً على هذه المعطيات، خاض شباب 2011 غمارَ الثورة التي أصبحت توكل رمزيةَ الفعل الثوري فيها. لكن الأهم – على صعيد فكرة التغيير – أن ثورة الشباب تحولت إلى ثورة شعبية جماهيرية أجبرت صالحًا على التنحِّي، وذهبت باليمن إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل وإلى حكومة التوافق الوطني. ومع ذلك، نأت المناضلة توكل بنفسها عن أن تكون عضوًا في حكومة التوافق الوطني، مع أنها كانت قادرة على الحصول على منصب فيها، لكنها كانت مع استكمال خط الثورة وضد أنصاف الحلول.
بدون شك ثورة 2011 صنعت فرصة اليمنيين التاريخية التي جعلت اليمن مؤهلةً لاحتضان مستقبل الدولة والوطن، وكانت جائزة نوبل للسلام شيئًا من الاستحقاق الذي صادَق على ثورية توكل ورمزيتها في هذا المسار الثوري الذي أوشك أن ينتصر لمستقبل اليمنيين، لولا انقلاب صالح والحركة الحوثية على هذا المسار.
بيت القصيد: الذين انقلبوا على مسار الثورة هم مَن أوصلوا اليمن إلى هذا المستوى، وليس شباب الثورة أو توكل كرمان. ومَن يتحمل مسؤولية ما وصلنا إليه في اليمن هم الانقلابيون والذين يقفون على رأس السلطة في الوقت الحاضر؛ لأن هؤلاء فشلوا في مواجهة الحركة الحوثية الانقلابية على المستوى الوطني، وفي نفس الوقت فشلوا في بناء سلطة أو دولة مسؤولة عن خدمات المواطن وأمنه واستقراره في مناطق الشرعية. والغريب في الأمر أن توكل – عبر مؤسستها – قدمت مشاريع أكثر من سلطة الشرعية التي تلجأ إلى الاعتماد على مشاريع المنظمات الدولية.
ما يجب أن أختم به هو أن نقد توكل كرمان أو تناولها ليس أمرًا محرّمًا، ولكن الإنصاف يقتضي أن يكون تناولها من زاوية رمزيتها الثورية، لا من زاوية مسؤوليتها السياسية عن واقع صنعه خصومها.