مقالات

توكل كرمان "حيث الإنسان"

12/10/2024, 10:03:12

تعتبر توكل كرمان -بغضّ النظر عن أي موضوع سياسي عارض أو آخر شخصي  واحدة من أهم النساء اللاتي يقُدن حراكًا إنسانيًا وثقافيًا عاملًا على تحريك الركود في واقعنا اليمني، الذي -مع ظروف حاقت بالبلاد، وأضرت بالفعل المؤسسي- جعلنا بين فينة وأخرى -كشباب ضمن فئات عمرية أخرى في الشعب- نركن إلى ما سوى الحكومة.  

وما سوى الحكومة هنا امرأة، قلنا عنها في العنوان أعلاه إنها "حيث الإنسان"، ولزم علينا أن نكمل السردية عن المرأة واقعًا وفكرة، لنتحدث عن القضايا والإصلاحات الرمزية، التي يمثلها ويتمثلها شخص توكل، التي كانت ولا تزال، منذُ عام 2011م، فكرة في اللاعنف، ألهمت كل شباب اليمن الحالمين بالحرية في طريق بناء يمن ديمقراطي على جو من السلمية، وصيحات الشعب في ساحات التغيير.

نعرف اليوم -بعد هذه الظروف والتحولات المرحلية- "حكومة " في شخص واحد، نشط، وأخلاقي، ملتزم بالقضايا الوطنية المصيرية المتعلقة بشعب ووطن كبير.

هذه الحكومة في الواحد، حديث الذكر، هي روح السيدة توكل كرمان، يعرف ذلك كل منصف، ولا يوجد شيء يستدعينا لذكر المناقب التي دأبت هذه المرأة في العمل عليها، حتى لأولئك البعض، وأقصد الحاقدين وأصحاب المشاريع المضادة للثورة وللمدنيّة، لا يوجد مبرر للعداء مع هذه المرأة، التي تستجلبونه وكأنه صالح عام اجتماعي وسياسي، وذلك لأمر بسيط سيخجل البعض منه عند معرفة -فقط- أن هذه المرأة ليست مسؤولة في وزارة، أو منصب حكومي، ولا تتقاطع مع مصالحكم إلا في الضرورات الوطنية.

إنّ تحميلها إخفاقات مرحلية وأخرى ثورية أمر لا يمت للحقيقة بصلة، وعلينا أن نراجع جبن هذه السياسة، التي لا تتوانى للحظة عن نسف تاريخ ونضالات الشخصيات، حسب الميول والرغبة والمنفعة البرغماتية والانتماء الحزبي.

تعتبر توكل -في كل ما قدمته من مساهمة ناجزة عن طريق الثورة والتحرر والتنمية -من خلال ما تعمله من مشاريع واحتضان للمواهب الشابة واليافعة- نموذجًا قويًّا للمرأة المتحررة من القيود الرجعية والملتزمة بالقضايا الوطنية.

ولتصفية الحقد هنا، أعطوني سياسيًّا تفاخر به كلٌّ من حزبه، الذي ينتمي إليه، أو من جماعته، بنى مدرسة أو عبَّد الطريق، وأقام إسفلتًا لأي قرية نائية، اجعلوني أشاهد بأمّ عينيّ حفلاً يقشعر له الجلد، كما أقامته السيدة توكل لفنان الوطن "أيوب طارش"، أعطوني واحدًا مثلها "حيث الإنسان"، أريدُ أن أشاهد سياسيًّا واحدًا فقط أقام مشاريع بجهده وماله الخاص، لا يوجد، إنها حالة عجز بمن نفاخر بهم بالمجان، دون أن نلمس منهم في واقعنا المرئي والبصري والعملي أي شيء يُذكر.

تضيع عنا -نحن اليمنيين- القراءة الفاحصة والعميقة لبعض المواضيع التي تتعلق إجمالاً بفعل التقدّم والبناء الناهض باليمن شعبًا وأرضًا في عديد ما تفعله بعض الشخصيات النخبوية ذات التأثير والقرار، التي دأبها ونشاطها يرفعان الهمم ويعكسان -إلى حد ما- صدى للمباراة والتنافس في سبيل العالمية والإنجاز.

ثمة خليجيٌّ ثورة مضادة، وتربص يحيق باليمن وأحلامهم، كان ذلك كما نعرف منذُ بداية ثورة 26 سبتمبر وما قبلها من إرهاصات، أدخلت اليمن ضمن قائمة الدول الجمهورية الديمقراطية، التي اعتبرت فيما مضى من تاريخها شكلاً لنظام يعكس في واقعه اليمني المتطلع خطرًا على بقية الدول التقليدية المحافظة سياسيًا من خلال نظامها الملكي الوراثي، ودينيًا من خلال فكرها الوهابي، الذي لا تسعد له حال، ولا يطيب له عيش وفكر، ثم وصولاً إلى 2011م تكرر هذا التربص عن طريق ما سُمي بالثورات المضادة، الأمر الذي جر في خضمات مرحلية خطيرة في واقع محلي وعربي ينقسم بين حكومات عسكرية من جهة، وشعب سلمي من جهة أخرى، صدامًا، وجدته الثورات المضادة أرجح أفكارها لمحو الجماهير عن طريق الفعل القمعي العنيف.

ولم يكن هذا فقط، حتى شغلت وأشغلت ماكينة الإعلام التابعة للثورات المضادة عالمنا العربي بشخوص كانوا محطا للنصع، من بينهم شخصية توكل في اليمن، التي كان الهجوم عليها لعدة سنوات جزءا من دأب الثورات المضادة؛ لإنهاء وإسكات الرموز الثورية.

ثمة لتوكل ميزة -مقارنة بما تريده دول الجوار عن طريق ثوراتها المضادة في إبقاء اليمن معزولاً وتابعًا - أنها نقلت اليمن رغمًا عن ممانعيه إلى المستوى العالمي اللائق به، وقد تجذر ذلك، وكان بينًا وواضحًا، من خلال حصول اليمن -في شخص توكل- على جائزة نوبل للسلام، وهو حلم كبير، بالإضافة إلى تكريمه وجعله الوحيد الذي تقود فيه شخصية وطنية محتوى "فيسبوك"، تأتي توكل ضمن النخب المتطلعة، وأسماء كثيرة نسائية، ساهمن في بناء يمن الحرية والعدالة، منهن على سبيل الحصر "بشرى المقطري وأروى عثمان"، في تاريخنا المعاصر.

إن الحديث عن الناشطة الحقوقية توكل كرمان -من زاوية أخرى- يفيض بالكثير من القيم والسمات الجمالية، والمتعلق هنا بشخصيتها النبيلة، وعلاقاتها الاجتماعية الناجحة، التي عكست فيها قيم الجمال الإنساني والشمائل الحميدة، في الوصول إلى الفضيلة والكمال الإنساني الخلاق، وذلك من خلال منوالها الفياض في تبني ومساعدة الكثير من الحالات الإنسانية الصعبة والموهوبين، وتوفير الفرص العملية لأصحاب الكفاءات والقدرات المهنية العالية في المجالات، وحسب استطاعتها، وتكريمها بعض الهامات الوطنية المقصية من قِبل السلطة النظامية وشخصها الخاص خلال بُرهة زمنية طويلة.

لماذا لا تنظرون إلى نجاح هذه المرأة من باب الإنصاف والعدالة والعقل بعيدًا عن التحيّز والتصنيف؟ لماذا لا نقول إن نجاحها نجاح لكل امرأة يمنية تعاني من قيود وعادات وضغوطات فرضت عليها من قِبل المجتمع الذكوري في المجال السياسي العام، بل والخاص، وهذا أفدح الكوارث!؟.

لماذا لا تفكرون بأن هذه المرأة استطاعت أن تثبت للعالم أنها ناجحة، ويجب أن نعتز بها كيمنية أصلية محافظة على يمنيتها، وقوميتها وعروبتها؟

تساؤلات كثيرة نطرحها رغم الدعاية الإعلامية الممنهجة من قِبل بعض الشخصيات الثيوقراطية القاصرة في مفهومها الديني، والعقيمة في نقدها اللا أخلاقي الهادف إلى تشويه مكانتها السياسية والاجتماعية، والدحض في سيادة شخصيتها الذاتية المقدّسة، كان الأجدر بهم مواجهة التصرف السياسي الذي نهب الدولة والمال العام بدلًا من التدخل في الحريات الشخصية للآخرين، ونسيان الفساد، والانفلاتات الأمنية، وتشريع الاغتيالات المتكررة في البلاد.

تظل توكل كرمان -بفضل ديناميكية طاقتها ونشاطها الحيوي الفعال، وإيمانها بالهوية وبقداسة القضية الوطنية وحقوق الإنسان- أهم النساء اليمنيات، حميدات الذِّكر، اللاتي يستمر نشاطهن في مناهضة الأنظمة الاستبداية ونشر الوعي الثوري والمدني في الوسط الاجتماعي بحكمة عميقة، وبوسيلة تغيير منطقية من خلال السياسة في الفعل الجماهيري، ومن خلال الكلمة في المجال الإعلامي، وقد كان ذلك جليًا في التظاهر السلمي الذي مكّنها من إعاقة النظام الموجِّه لترسانة عسكرية بعدتها وعتادها، الذي كان أقصى طموحاته خمد شعلة الثورة السلمية، ولكنه لم يستطع، فقد عكست "اللاعنف" في النهج الثوري الشبابي صورة نبيلة لطبيعة الثورة اليمنية القائمة بوسيلة الاعتصام، والمطالبة السلمية التي ميزتها وساعدتها على الوصول إلى الذروة، بعد أن سطع نجم الثورية توكل في سماء الساحة الإقليمية والدولية، وذلك بنيلها جائزة نوبل للسلام، التي صدحت باسمها عالميًا، وأسكنتها التاريخ السياسي، مخلفة بذلك مدرسة ثورية رائدة في التغيير، وصرحًا سرمديًا نهضويًا في تنوير الأجيال، ورفد التاريخ النسائي حدثًا تاريخيًا بارزًا يؤرخ ضمن أمجاد وبطولات بعض نساء التاريخ الشهيرات: بلقيس، وأروى، وغيرهما من عظيمات التاريخ القديم.

وتبقى توكل اليوم -في جهدها الخلاق المستمر- في محاولة دأب مستمر لتعويض اليمن ما عجزت عنه الحكومة، وأضرت به الحرب، وذلك قدر استطاعتها، والقليل مما تبذله هو من جهدها الخاص، مع العلم أنها تبذل الكثير والكثير بالنسبة للكثار ما هو إلا قليل، هكذا طائية هذه المرأة تكاد تتفوق على طائية الرجل الجاهلي مضرب الكرم، من ناحيتين، وتتساوى معه من ناحية واحدة.

في الأخيرة، تتساوى الأخلاقية في عدم إقحام الأيديولوجيا، وتسييس العمل الإنساني والفكري، وفي الأولى تتفوق توكل من جعلها أوساط الشعب من المواهب والعامة والمبدعين وجيل الكبار، موضوع تحديقها وأملها، وجزءا من وحدة عمل فنية للصالح العام، الذي يثمر ويتخلق، ويفوق قدرة أي كريم في العطاء لمن هب ودب.

مقالات

الوجْه الآخر للمملَكة

التحوّل والبناء، الذي يجري في السعودية، مُثير للاهتمام، لكن بقدر إثارته للاهتمام يقدم صورًا شديدةَ التناقض في جوانب أخرى.

مقالات

الاستعراض اللغوي والمعرفي

الكثير من الكتابات تشدنا إليها وتدعونا إلى الغَوص في أعماقها، وأساليبها المتباينة والمتنوّعة، وقليل من الكُتاب الذين يستطيعون الإمساك بزمام الأمور، وشَد انتباه القارئ من أول لحظة بالفطرة والثقافة الموسوعيّة، والإبهار المعرفي عن طريق الإبهار اللغوي، واللغة المكثّفة المُوحِية، وتنوُّع أساليب العَرض، ومناقشة قضايا جوهرية تتّصل بالوجود الإنساني، وإشكالياته المُعاصرة.

مقالات

أبو الرُّوتي

مثلما كان البَوْل يسيل منّي لا إرادياً، كان المُخَاط هو الآخر يسيل من أنفي لا إراديا مع الفارق، وهو أن البَوْل يسيل في الليل أثناء النوم، فيما المُخَاط يسيلُ في النهار وأنا يقظ؛ لكنه كان يسيل بطريقةٍ مَرَضيَّةٍ لكأنّ أنفي جُرح ينزف، وكان الذين يَعبُرون من أمام بيتنا -حين يبصرون السائل الفيروزي يجري في سائلة أنفي- يصرخون بي: "اتْمخَّط ياب".

مقالات

فلسطين جرح الإنسانية النازف

لا يمكن في الأصل أن نفّوت عند الحديث عن القضية الفلسطينية حادثة وفاة السنوار الأخيرة التي توجت بعد مسيرة صمود ونضال طويلة أسطورية بالشهادة. وذلك لشيئين واحدٌ منهما حزن الناس العام في الوطن العربي، الذين بكوا عجزهم، وصمت زعمائهم الخاذل للشعب الفلسطيني وقادته الذين تركوا في الأرض الفسيحة مهوى لنيران العدو مواجهين مصيرًا هو أقذر ما يمكن للبشرية أن تصل إليه من الممارسة العدوانية القائمة على سفك الدماء وتدمير المنازل وقتل كل مظاهر الحياة، كل الحياة، شجرها وحجرها وناسها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.