مقالات
حياة تجدد نبضها داخل النص
....
قراءة في مجموعة: "جلوسا على العين أو وقوفا"
للشاعر أوراس الإرياني
....
في إصداره الشعري الأول (جلوسا على العين أو أوقوفا) الصادر عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر ـ القاهرة، يطل الشاعر أوراس الإرياني في مجموعته الأولى موزعا انشغالات تجربته الشعرية عبر ما يقارب ٤٠ نصا؛ متخذا الشكل النثري للنصوص ممرا قوليا لانشغالاته وعلاقته بالواقع المحيط من به.
※ـ تنفتح أرضية السرد في معظم نصوص المجموعة على وظيفة إخبارية وفنية للبوح من خلال التقاط تفاصيل الحياة اليومية للشاعر، وما يمر به، وما يواجهه فيها من أحداث ومواقف وأشخاص، وما تتطلع إلى آفاقه الذات الشعرية من الأحلام، وما يشغلها من الهموم، وما يسكنها من الذكريات والأمنيات.
وتتقاطع السيرة الذاتية مع تفاصيل الحياة اليومية، وتسهمان في تشييد بنية ومتن نصوص المجموعة.
- إن حضور طابع السيرة الذاتية الذي يتجلى كفاعل مهيمن في معظم النصوص، يترسم حياة الذات الشعرية ووجودها في الحياة الواقعية، وما تضج به من أحداث وشخصيات وأسماء حقيقية جعل معظم النصوص في المجموعة تنحو باتجاه التحرر من الإيغال التصويري، والتخفف من الغموض والتعقيد، وتتسم بقدر من البساطة في تركيب الجملة الشعريةد، وهي تتلمس طريقها إلى المحسوس والمعلوم؛ بعيدا عن الإغراق في التجريد.
فالحب والحبيبة في المجموعة ليست صورة ذهنية مجردة، أو تنتمي للخيال الشعري، بل هي كائن متحقق واقعيا وجوديا لدى الذات الشاعرية وتمثلها الزوجة شريكة حياته، في متن النصوص.
- تشكل نصوص المجموعة الشعرية في تجربة الشاعر أوراس الإرياني انفتاحا على التجربة الحياتية للذات، وما يمور حولها من أحداث، وما يطرحه عليها الواقع من الأسئلة والانشغالات: كـ الطفولة، والكتابة، والأصدقاء، واليتم، والحب، والحرب، والسعادة، والذكريات، والاحتفاء بالحياة والناس.
وتأتي الكتابة -بحسب رأيه- كفعل يهدف إلى "إسكات الحزن، وكوسيلة للتنفس".
بل نلحظ أيضا من خلال مطالعة نصوص مجموعته أن الكتابة لديه محاولة للانتصار للحياة على زفرات الأسى ودموع الحزن، إنها الذهاب المستمر بحثا عن لحظات الفرح.، ودفاعا لا يكف عن الذات من السقوط في هاوية القلق وحفرة الهم، وآبار اليأس.
- يستقدم الشاعر أوراس الإرياني إلى النصوص تفاصيل الحياة اليومية بوقائعها وشخصياتها، وبمواقفها التي مرت بها الذات الشعرية. وهذا الاستدعاء قد يأتي في النصوص ليضمد ما تقادم من جراحها في غمرة الحياة ومشاغلها تارة، وتارة للاحتفاء والامتنان جراء ما صنعته من الجميل إزاءها؛ وقد يأتي هذا الاستدعاء أحيانا لترميم الشروخ وردم الفجوات العالقة على جدران المواقف.
إن ملمح الاحتفاء هذا لا يقتصر على الأصدقاء الذين يتوزعون في متون نصوص المجموعة أو عناوينها وإهداءتها، بل يمتد ليرسم إلى الأسرة، ويضع أول أكاليل هذا الاحتفاء لرفيقة حياته وشريكته، عبر أول عتبة نصية تصدرت نصوص مجموعته عبر هذا الإهداء: (ص ٥)
-----
إهداء:
كـ وردة وسط العاصفة
أهدي هذا النبض إلى الإنسانة التي انتشلتني من الهاوية،
وأشعلت في أعماقي شموع الحياة.. حبيبتي.. وصديقتي.. وزوجتي إيناس.
..فالحب والحبيبة في المجموعة ليست صورة ذهنية مجردة، أو تنتمي للخيال الشعري، بل هي كائن متحقق وجوديا لدى ذات الشاعر يمثله الزوجة شريكة حياته.
- إن ملمح في النزوع نحو المحسوس لا يسري على جميع نصوص المجموعة بل ثمة شواهد تعكس اقتدارا في تركيب وصياغة الجملة.
كما يحضر عنصر السخرية والمفارقة، ويتوزعان داخل النصوص ليضفيان حلية من التخصيب الفني لعدد للنصوص، وهو ما يسهم في تحفيز القارئ لأهمية استلهام تجربته الخاصة كفاعل في الكتابة.
لن نستطرد أكثر، بل سنكتفي بتقديم عدد من المقتطفات من نصوص المجموعة كشواهد لما ذهبنا إليه في هذه المقاربة القرائية:
(ص ٢٣):
من نافذة نصف مفتوحة..
أخرجت يدي
وودعت كل الأوقات التي بكيت فيها.
........
(ص٤٥)
قبر أمي في جنوب الوطن
وقبر أبي في الشمال...
آه.. كم أشعر بالوحدة.
.......
الحروف التي لم يستخدمها عند الكتابة عن الحزن
كانت دموعه
(ص20).
........
فكرت بكذبة لا تضر أحدا.. فقلت أنا بخير.!! (ص١١٩)
......
سأكتب عن إيناس!!
لا.. لا
سيغضب الناس مني.
...........
(ص٩٢)
سأكتب عن الفنان أيوب طارش!
لا... لا
لقد كرمته توكل كرمان
لن أُعلم أحدا بما كتبته
سأكتب عن الموسيقى
لا.. لا
الموسيقى لا تحتاج من يكتب عنها
هي فقط تحتاج أن تسمعها
سأكتب عن الحياة
لا.. لا..
الحياة صارت صعبة
سأتوقف عن التنفس
أختلف مع الجدران حول البرد.