مقالات

حين يصادرون مبادئك

16/08/2025, 16:58:17

يموت الشاعر أو الكاتب أو غيره من أرباب الفكر والقلم على مبدأ، فيتفاجأ كل محبيه بأن جماعة قد استولت على كل ما عاش يتجرّع المرَّ من أجله، بل وتقوم الجماعة أو الحزب الذي استولى على كل تفاصيل حياة هذا المبدع بنسبة كل ما كتبه إلى أنه كان تأييداً لفكرها وتقديساً لرسالتها المزيفة.

فيضعون هذا المبدع، الذي أحبه الكثيرون، في موضع الشك المريب أمام قرائه ومحبيه ومعجبيه، بل وتبدأ تحوم حوله الشكوك بأنه كان عيناً أو طابوراً خامساً لهذه الجماعة أو تلك، وأن هذا الهدوء وهذه الرزانة، التي يتمتع بها، إنما كانت لإخفاء حقيقة انتمائه ووظيفته وعمله، وأن تظاهره بقسوة الظروف إنما هو مسرحية لإقناع المغفلين.

وأن هذه الكاريزما وهذه الثقافة المجيدة، التي كان يتمتع بها، هي التي قدمته وجعلته مقبولاً عند الجميع، مما سهل عليه عملية الاختلاط بفئات اجتماعية كثيرة، وارتـياد مقايل متعددة، ورصد كل ما يحدث وما يُقال بهدوء وعناية فائقة.

السؤال هو: لماذا قد تقوم هذه الجماعة أو هذا الحزب بإقامة فعالية تأبين شاملة بكل الإمكانيات وحشد الجمهور من طيف أو لون واحد لمبدع لم يُعرف عنه أنه كان واحداً من أقطابها؟ وأن النصوص التي حشدوها من دواوينه كان يمكن أن يكتبها أي مبدع آخر لأنها لا تعني شيئاً؟

وما ذنب هذا المبدع ليشوّه تاريخه الأدبي والإبداعي بهذه الصورة البائسة؟ ولماذا محاولة التغطية على الأمر بالإعلان عن تكريم المبدعين كل أسبوع ومن جميع المشارب والتوجّهات، والجميع يعلمون علم اليقين أن هذا لن يحدث أبداً، فهم معروفون بأنهم يكذبون كما يتنفسون؟

نحن هنا أمام أمرين أحلاهما مُر، نحن هنا أمام إشكاليتين عميقتين، الأولى هي مصادرة مبدع مات ولم يعد يستطيع الدفاع عن نفسه ولو بكلمة واحدة. والثانية هي زرع الشك بين كثير من محبي هذا الشاعر أو المبدع بأنه كان يعمل ضد أولئك الناس الذين كتب لهم وعبَّر عن معاناتهم.

وهناك الكثير من الأسئلة المطروحة حول هذا النوع من المبدعين عبر التاريخ الأدبي والسياسي معاً. 

وإذا قمنا بمراجعة أدبية لتاريخ الأدب العربي لوجدنا اصطفاف المبدعين مع جهات سياسية متعددة، سواءً كانت معاصرة أو ماضوية أو عبر العصور باختلاف تقلباتها، ولكن لم يحدث أن كان مبدعاً محسوباً على حرية الكلمة ومصطفاً مع الناس أن تقوم جماعة بإلغاء إرثه الإبداعي وتجييره لصالحها.

إنه لمن الغريب حقاً أن يحدث هذا الأمر في القرن الواحد والعشرين، القرن المعرفي بلا منازع، سنوات الذكاء الاصطناعي وسنوات الفضاء والسماوات المفتوحة... أن تلفظ أنفاسك على مبدأ، وبمجرد دخولك القبر تصبح لديك مبادئ أخرى قد ألبسك إياها حنشان الظمأ.

طبعاً، لن تكون هناك لتدافع عن مبادئك ونفسك، وهذا عمل حقير بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وبالطبع كذلك لن يستطيع أحد من أصدقائك ومحبيك الدفاع عنك، وقد تمت زراعة الشكوك بعقولهم جميعاً بنجاح منقطع النظير.

ولن يستطيع أحد الدفاع عنك، فليس هناك ترفٌ في حرية القول والتعبير عن الرأي عند هذه الجماعة المستبسلة في ارتداء الأقنعة والأكاذيب من البداية وحتى النهاية. فليس هناك أنصاف حلول، بل تجريف كل شيء ليصب في المصلحة العليا المزيّفة.

ولذلك ننصح كل مبدع بالتبرّع بكل مشاعره دُفعة واحدة لمن يحب وهو حي، قبل أن يتم مصادرته بعد موته لمصلحة جماعة من الناس لم تشبع بعد من الأكاذيب، ولن تشبع إلا بالنهايات المحتومة والمحسومة تاريخياً.

مقالات

غزة.. أين الخلل؟

أكان يستطيع الكيان النازي أن يرتكب المجازر البربرية التي ارتكبها ولا يزال، لو أن الدول العربية ديمقراطية؟

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.