مقالات
سنوات الأكاذيب
هذه الأيام على اليمنيين أصعب أيام العشر السنوات الماضية، أسوأ من عام الرمادة، حيث تغوَّل اللصوص والفاسدون، وانتشر الغلاء، وانقطعت المرتبات، وظهر الفساد في البر والبحر والجو. وازداد الظلم والجبروت والطغيان والجبايات، وقلَّ حياء الظالم، وتبجح وتمطى وتوحش وبطش وتجبر وعتا، وانتُزِعَت من قلبه معاني الرحمة والعدل، وتأله وتفرعن…
طبعًا، ما فيش قلق أبدًا!
فلدينا مخزون عظيم من الأكاذيب…
ولدينا كوادر مؤهلة في مجال أحدث ابتكارات الأكاذيب، وابتكارها، وإعادة هيكلتها من أجل الوفاء بنص الراتب المغيّب والغائب، ونشرها والترويج لها…
أكاذيب استراتيجية وتكتيكية…
لدينا مخزون يعجب الجميع…
وأكاذيب تكفي الوطن العربي والعالم…
أليسوا هم الذين اتفق العالم كله على أنهم يكذبون كما يتنفسون؟
لدى اليمنيين فائض يكفي العالم من الأكاذيب، لدى جميع أطراف الحرب: المعتدية والرخوة، الفاسدة واللصوصية، أمراء الحرب والفساد والكانتونات، في عصر الدويلات الهزيلة المرتهنة للقوى الخارجية، التي أفرقت الجميع بالعمالة والموت والفساد والتبعية العمياء.
شرعية رخوة تكاد تلفظ أنفاسها من شدة الإعياء والفساد…
مجلس انتقالي مزيف سرق ويسرق أحلام الجنوبيين، ويساهم في ضعضعة الواقع المرّ والغلاء الفاحش، جنبًا إلى جنب مع الشرعية المهاجرة في الفنادق وعواصم الخليج الخبيث.
سقوط أخلاقي وسياسي وقِيَمي عند جميع الأطراف…
بدأت الحرب بكذبة كبيرة اسمها “تحالف دعم الشرعية”، فاتضح أنها حرب لتركيع اليمنيين، وتمزيق اليمن، وإفقار الشعب الأبي المارد الشرس…
تحويل اليمنيين إلى متسولين ووقود لحروب لا نهاية لها، والجميع يمارس غواية الأكاذيب وسياسة التضليل.
عمليات تجويع بشعة تلحق بالشعب اليمني فوق كل أرض وتحت كل سماء، منذ عشر سنوات.
القطط السمان كثيرة…
تعيش على الأكاذيب من صعدة إلى المهرة.
عملة تنهار بسرعة البرق كل يوم تحت مبررات كثيرة، أكبرها فساد وضعف الشرعية، و”خابور” الانتقالي.
وثبات العملة بـ”الصميل الأخضر”، وغلاء خفي يأكل الأخضر واليابس، واستقرار وهمي.
وأكاذيب “فاتورة المرتبات”، التي ليست في حقيقتها سوى ذلك النصّ قبل رمضان ونصّ العيد…
رمضان على الأبواب…
المولات، على كثرتها، لا يدخلها إلا القطط السمان!
الجو رمضاني تمامًا منذ ١٤ شعبان، شوارع فارغة، كساد تجاري كبير، والجميع يتوجَّعون للداخل.
لا أحد يريد “السلل” والتسوّل، لكن “السلل” طوال سنوات لم تنقطع عن أبناء صعدة أينما كانوا…
وها نحن نقرأ اليوم مناشدة للأمم المتحدة بعدم إيقاف السلل الغذائية على أبناء صعدة، بلا حياء أو خجل!
اليمنيون جميعًا يعرفون عدوهم، لكنهم يعرفون الجوع أكثر من أعدائهم…
هل تعايش اليمنيون مع الجوع والإذلال والفقر والمرض؟
لقد تحول كل شيء إلى سلعة: الإنسان، والدواء، والصحة، والمرض، والتعليم، وكل تفاصيل الحياة، صغيرها وكبيرها، حقيرها وعظيمها…
حتى الشمس والهواء والرغيف!
أصبح اليمني يدفع مبالغ طائلة مقابل دواء مزيف وخطير، والطفل اليمني يتحول إلى لغم مع كل حصة، وكل كتاب، ومع بزوغ شمس كل يوم…
“حاكم بليدٌ… للأذى فَطِن!”