مقالات

شمال الحوثي .. جنوب الانتقالي

18/09/2025, 15:31:05

لا تكمن المشكلة في تصرفات المجلس الانتقالي، بل في الذين يتوقعون منه أن يكون كيانًا عاقلًا ومسؤولًا لديه التزامات تجاه أتباعه وشركائه. النقطة الحرجة التي تدحرج منها الانتقالي، ليكون هذا الذي هو عليه الآن، ليست قرارات عيدروس في 10 سبتمبر الجاري، بل قرار الفاعل الإقليمي برعاية الانقلاب الثاني في 10 أغسطس 2019.

لم تكن المشكلة في تجاوز صلاحيات رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، بل جذرها في الانقلاب على الرئيس عبد ربه منصور هادي وطرد قواته من عاصمته المؤقتة، والسيطرة العسكرية والأمنية والسياسية للمنقلبين.

ما تلى ذلك هو تحصيل حاصل ونتيجة طبيعية للحدث الجلل وقتها. كل ما في الأمر أن الفاعلين الإقليميين أرادوا تقسيط الصدمات، مستلهمين التجربة "الصنعانية"، إذ كانوا شركاء فيها مع الحوثي: انقلاب، ثم رعاية اتفاق سلم وشراكة لشرعنة الحوثي داخل صنعاء، ثم ذهبت الميليشيا بسرعة إلى الخطوة الأخيرة: التهام كل شيء ونشر قبضتها الخشنة في كل اتجاه.

الانتقالي خُلق في بيئة الفوضى ومن الجلبة التي تأسس منها بدعم صريح من التحالف.

لم يتشكل إلا ليكون الصورة المقابلة للحوثي جنوبًا. مهمة الحوثي في الشمال إحياء أسوأ أشكال الحكم، إعادة تقسيم المجتمع، وتمزيق ما تبقى من الروابط الوطنية.

لا يختلف الانتقالي عن الحوثي كثيرًا في الأهداف، فهو منشغل بمواجهة الجنوبيين، وبعث الصراعات القديمة، وإحياء السلطنات والمشيخات، وتكريس الامتيازات والسياسات ذات البعد المناطقي حتى وهو يرفع شعار استعادة الجنوب!

في النتيجة النهائية، الانتقالي يخدم أجندة تمزيق البلاد كما الحوثي. كما نسف انقلاب الحوثي وحدة البلاد، منهمكًا في التمزيق الاجتماعي والسياسي للشمال، يفعل الانتقالي، ماضيًا في مسار خطي لتفتيت الجنوب، واستعادته كما كان فعلاً قبل 14 أكتوبر!

ليس بالضرورة أن يعلن ذلك، فهو يفعل لتحقيق الهدف دون هوادة.

في الجنوب، لم يواجه الانتقالي الشمال، لأن حدود الشمال كانت قد رُسمت معالمها الحرب في سنتها الأولى. في عدن، تشكلت سلطة جنوبية محضة، أفضل ما كانت تفعله هو أنها تقدم ما يشبه قاعدة لوجستية لمساعدة الشماليين في مواجهة الحوثي.

لم يكن الأمر مرضيًا لأصحاب قرار الحرب. كان على الكيان الجنوبي الذي يتشكل في عدن برعاية التحالف، أن يواجه السلطة الشرعية التي يُفترض أنها مدعومة من نفس التحالف. حكاية مشابهة لطريقة التعامل مع الحوثي!

واجه عيدروس الزبيدي، الجنوبي أحمد عبيد بن دغر في 2018، وسيطر أنصاره على قصر المعاشيق في جولة ثانية لطرد الجنوبي عبد ربه منصور وحمايته الرئاسية في أغسطس 2019، بسلاح التحالف. في تلك المعركة، كان المطرودون من عدن أحمد الميسري وصالح الجبواني، وكثير من القيادات الجنوبية الرافضة لكيان الزبيدي. كأنها كانت استدارة للزمن، وكانت أقرب إلى أحداث يناير 86 ثانية. لاحظوا أن الجنوبيين الذين يمثلون امتدادًا لصراع 86 أو لثأره غادروا عدن جميعًا، وعاد "الشمالي" معين عبد الملك. هذه الصيغة ستكون القفلة المناسبة التي سيتبعها الرعاة الإقليميون للحرب، لتنفيذها في موقع الرئاسة بإكراه هادي على نقل سلطته المعطلة بعد القضاء عليها في عدن.

انتهى موقع عبد ربه منصور إلى مجلس ثُماني، صار فيه المجلس الانتقالي، بتشكيلاته، هو صاحب السلطة الفعلية على العاصمة. كانت وصفة مثالية لتدمير أي وحدة مؤسسية لمصدر القرار الأول. حتى المتفائلين كانوا يراهنون على حسن النوايا، وليس الإلزام الدستوري والقانوني. في الواقع، صار الانتقالي والزبيدي يحكمان عدن فعليًا ومعظم الجنوب من موقع نائب الرئيس (3 نواب)، وحصل "الشمالي" العليمي على سلطة امتلاك الختم وحق إصدار القرارات، ليس إلا من مكتبه في الرياض، أو غرفته المستأجرة بنادي التلال!

الآن، يريد عيدروس إنهاء كل ذلك، يريد أن يكون الرئيس حتى بصفته نائبًا!

لا علاقة للأمر بالشراكة، لأن مقتضياتها الشكلية تقول إن مكونًا واحدًا لديه 3 نواب في المجلس الرئاسي، صار إلى غول في المؤسسة. فوق سيطرته التامة على عاصمة الرئيس المؤقتة، حيث يقع نادي التلال وتقع غرفة الرئيس فيه، هو من يجب أن يُطالب بالشراكة!

في عدن، لا يمارس الرئيس "الشمالي" صلاحياته بل من الرياض. إذ قرر العودة، تستبقه التهديدات بالمنع!

وفي الحقيقة، يواصل عيدروس، الرئيس الفعلي لعدن، معركته جنوبًا، وليس ضد العليمي. العليمي بالنسبة لعيدروس ليس له وجود فيزيائي في عدن، لا هو ولا سلطته.

لذلك، من غير المستغرب أن السطو على صلاحيات العليمي، كان ضحيته جنوبيين آخرين مثل سالم العولقي والأستاذ حسين بن سليم نائب وزير الإعلام. العولقي وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع أذرع عيدروس في هيئة الأراضي، فانتهى إلى شخص غير مرغوب فيه، رغم أنه من مؤسسي الانتقالي، لكن المصالح لا ترحم أحدًا.

في هذا السياق، أدرك جنوبيون كثر أن السيطرة المناطقية على الجنوب هو الصراع الصامت الذي انفجر بلا مواربة مؤخرًا، وهو مثل كرة الثلج يكبر، حتى إن عيدروس يريد التخلص من الشبواني أحمد لملس من محافظة عدن، بعد أن أطاح به من أمانة الانتقالي العامة.

إذن، لا فروق كثيرة بين الانتقالي والحوثي. قبضة الحوثي المشددة تقتضي الاعتماد على مشرفين من صعدة، وتشديد قبضة النواة الصلبة للميليشيا على السلطة في جوهرها الطائفي، مع هوامش ودوائر تتسع بصورة محدودة بحسب الولاء.

أما قبضة الانتقالي في الجنوب، فتقتضي تركيز السلطة في يد عصبية مناطقية محدودة. لن تتفاجأ إذا اكتشفت أن يحيى غالب الشعيبي هو مشرف الانتقالي على محافظة كبيرة كحضرموت، وأن قادة المحاور العسكرية في أبين ينتمون لنفس منطقة رئيس الانتقالي!

إجمالًا، ما من طريق سالك أمام دولة الانتقالي غير استعادة جنوب ما قبل ثورة 14 أكتوبر، في وضع لا تسمح تفاعلاته بالوصول إلى وجهة معلومة ناجزة.

والمشهد كالتالي: شمالًا، يسعى الحوثي لتشديد قبضته على الشمال والانفراد به، مستفيدًا من الاستراتيجية التي اتبعها التحالف في إدارة الحرب.

وفي الجنوب، ثمة مسطرة تضع حدود تمدد الانتقالي، ومساحة جغرافية هائلة يتنازعها حليفان لدودان، مصلحتهما تقتضي مساعدة عيدروس لاستعادة الجنوب الذي يحدده له حلفاؤه، وليس الجنوب الذي يتمناه!

مقالات

ما بعد القمتين؟

في الرابع عشر والخامس عشر عُقِدت في الدوحة قمتان: عربية إسلامية، وقمة خليجية، كردٍّ على الهجوم الإسرائيلي على دولة قطر في التاسع من هذا الشهر.

مقالات

أزمة مجلس القيادة الرئاسي في اليمن وانعكاساتها السياسية

تشهد الساحة اليمنية منذ أسابيع تصاعدًا ملحوظًا في حدة الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي، الذي شُكّل في أبريل 2022 بدعم سعودي–إماراتي، ليكون مظلة سياسية وعسكرية لإدارة المرحلة الانتقالية ومواجهة التحديات الأمنية والعسكرية، غير أن تضارب الأجندات الإقليمية وتباين مصالح القوى اليمنية المشاركة سرعان ما انعكس على أدائه، لتتحول مؤخرًا إلى أزمة تهدد تماسك المجلس نفسه.

مقالات

ثلاثُ ليالٍ بقيتُ ضيفًا على جُنودِ المظلّات

كنتُ صباح كلّ يومٍ أذهب إلى الكليّة الحربيّة لأداء امتحانات القبول، وقبل إعلان النتائج بيومين كان المبلغُ الذي جئتُ به من الحُديدة قد تسرَّبَ من جيوبي. حتّى إنني في صباحِ اليومِ الذي ذهبتُ فيه لمعرفةِ النتيجة، ذهبتُ وأنا بلا عشاءٍ ولا صَبوح.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.