مقالات
طوفان الطلاب في مواجهة سلطة اللوبي
الاحتجاجات الطلابية المتصاعدة في أمريكا المساندة لفلسطين لها وقعُ الثورة في الدولة العظمى بالنظر إلى حالة الهيمنة الصهيونية على حياة الأمريكيين.
تبرز آثارحركة التمرّد الطلابية الواسعة هذه في صورة حالة الجزع التي انتابت قادة الدولة المصنوعة وهم يشاهدون أحد المعاقل، التي طالما ظلت فضاءً محتكراً للخطاب الصهيوني، يتحوّل إلى ساحات رفض، ليس لروايته فقط بل وللكيان برمّته.
يستنفر ثلاثي الإرهاب في حكومة الكيان المحتل (نتنياهو، يو آف غالانت، وبن غفير)، فيطلقون تصريحات عن ما يجب أن تفعله السلطات الأمريكية لضرب هذه الاحتجاجات، وكأنهم يرسلون الأوامر إلى أتباعهم هناك!
وفي الأمم المتحدة، يخرج مندوب إسرائيل هناك، وقد بلغ به الهوس مبلغه، ليقول بطريقة لا تخلو من سخرية من العقل الأمريكي رغم حنقها البادي: "إن حماس لا تختبئ فقط في المدارس في غزة، بل إنها تختبئ أيضا في الجامعات الأمريكية".
"هل سيكون على إسرائيل قصف هذه الجامعات وتفجيرها كما حدث في غزة؟"، تساءل أحدهم.
في الجانب الآخر، تسري رعشة شديدة في أوصال المؤسسة الأمريكية الحاكمة من أعضاء الكونجرس إلى البيت الأبيض، مرددين نشيداً واحداً: ما يحدث معادٍ للسامية، ويستدعون كل المغالطات التي تجلب عليهم المزيد من السخط الداخلي والانكشاف.
هنا تبدو انحيازات المؤسسة الأمريكية الحاكمة لصالح إسرائيل فاقعة - وهذا ليس بالأمر المستغرب بالنسبة لسياستها التقليدية في المنطقة - لكن ما هو خارج ومألوف أن أمريكا "الديمقراطية" تقف إلى جانب مزاعم ما يفترض أنها حكومة أجنبية، وتدخلات في شأنها الداخلي ضداً على حق مواطنين أمريكيين في التعبير عن آرائهم!
يهرع ما يك جونسون -رئيس مجلس النواب- إلى جامعة كولومبيا في نيويورك وهو يتحدّث للطلاب اليهود عن ما يجري باعتباره معاداة للسامية كما فعل الأسبوع الماضي، متوعداً باستدعاء قوات الحرس الوطني لإنهاء الاحتجاجات، وطرد الطلاب.
وفي الأيام الأولى للاحتجاجات، قال جونسون: إن الكونغرس الأمريكي "لن يقف صامتاً إزاء التهديدات التي تستهدف الطلبة اليهود".
تستخدم تهمة "معاداة السامية" في الغرب الاستعماري كهراوة لتغطية انحيازهم الكونيالي لإسرائيل وحروبها وجرائمها الوحشية؛ باعتبارها قاعدة عسكرية غربية متقدِّمة في المنطقة العربية، أو بالتعبير الأمريكي حاملة طائرات على البر!
وكما تخفي التهمة حالة الهيمنة الصهيونية على بنية المؤسسات السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية والأكاديمية هناك، فإنها تشير إلى خرق يتّسع في الديمقراطية الغربية العليلة والمسيطر عليها.
هذه الحالة تبدو لصيقة بأمريكا بصورة أكبر، وأكثر رسوخاً مقارنة بأوروبا، لكن هذا التفاوت المحدود لا يميِّز بين الخطوط الرئيسة لسياسة أمريكا وأوربا فيما يخص احتلال فلسطين.
المشكلة أن رئيس مجلس النواب الأمريكي، وهو يتبنّى بصورة كاملة الخطاب الإسرائيلي، يذهب أبعد من ذلك في تملّق مُذِل للصهاينة، إذ يعتبر الاحتجاجات "تهديداً للطلبة اليهود"!
وكانت المفارقة أبلغ في فضحه، فالرجل، الذي غلف حديثه بالحرص على حياة "اليهود"، لم يكن يريد أن يرى مئات الطلاب "اليهود" وهم يشاركون اعتصامات زملائهم في الجامعات فعلياً ضد الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل، وكانوا يتعرضون مع رفاقهم لهجمات وأعمال عنف على أيدي طلاب الحركات الصهيونية الموالية لإسرائيل في أمريكا!
لقد استخدمت السلطات الأمريكية أشكالاً مختلفة من العنف المفرط ضد التحتجاجات: من الغازات المسيلة للدموع، ورش الطلاب بالمياه الساخنة، إلى الرصاصات المطاطية، وإحراق خيام المعتصمين، واعتقال المئات.
أسوأ من ذلك، مارست السلطات أفعال دولة عالم ثالث بامتياز، عندما أطلقت يد البلطجة لطلاب وناشطين صهاينة موالين لإسرائيل للاعتداء على المعتصمين، وكأن لديهم تفويضاً مفتوحاً من جهة خارج المحاسبة بمهاجمة كل من يصدح برأيه الرافض للإبادة الإسرائيلية في غزة وفلسطين منذ أكثر من 6 أشهر!
إن ما يجري في الجامعات الأمريكية، في أعقاب الاستجابة الواسعة للشارع الأمريكي في مختلف الولايات بالتظاهر ضد حرب الإبادة الإسرائيلية المدعومة أمريكياً وغربياً بصورة عامة، يدفع البعض لاستحضار احتجاجات مشابهة في حقبة سابقة، وهو قول مفارق للحقيقة.
هذه الاحتجاجات ربما تكون هي الأولى في تاريخ أمريكا، التي تحدث بدوافع غير أمريكية مباشرة!
في نهاية الستينات، اندلعت احتجاجات طلابية في الجامعات الأمريكية، بدأت في جامعة "هوارد" في واشنطن العاصمة، عندما احتل طلاب أمريكيون من أصول إفريقية المبنى الإدراي للمؤسسة؛ احتجاجاً على ممارسات عنصرية، وللمطالبة بالاعتراف بتاريخهم وثقافتهم، وجعلها جزءاً من المنهج التعليمي للجامعة.
وبين عامي 1968 و1970، ستتواصل الاحتجاجات الطلابية المتقطعة لتطال جامعات النّخبة، وكانت تحركها مطالب داخلية تتعلق بالتعليم في الجامعات، أو متأثرة بحركة الحقوق المدنية المناهضة للتمييز العنصري ضد السود، أو مناهضة للحرب الأمريكية على فيتنام، وأحياناً ضد ممارسات حكومة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
وفي كل الأحوال، فإن جميع الحركات الاحتجاجية الطلابية الأمريكية، في تلك الحقبة، كانت إما جزءا من التفاعلات مع مشكلات بنيوية في المجتمع الأمريكي أو متأثرة بتناولات الإعلام والانقسام الداخلي حيال الغزو الأمريكي لفيتنام، وما خلفه من خسائر كبيرة في صفوف أفراد جيش القوة العظمى.
عملياً، ظلت المؤسسات السياسية والإعلامية، والحياة الأكاديمية الأمريكية، مسنودة بأخطبوط من المصالح الاقتصادية الضخمة، فضاءً مغلقاً لمصلحة الرواية الإسرائيلية حصراً منذ تأسيس كيان الاحتلال عام 1948م على حساب الشعب والدولة الفلسطينية.
وعندما كان يحاول البعض الاقتراب لسماع وجهة النظر الفلسطينية، أو الدعوة لمناقشتها، كانت أمريكا الرسمية تصاب بالذعر.
في هذا السياق، تكشف حكاية عضو الكونجرس الأمريكي الشهير، بول فندلي، كيف أن أمريكا واقعة تحت قبضة اللوبيات الموالية لإسرائيل المتغلغلة في تفاصيل الحياة الأمريكية، وكيف أن لها سطوة مروِّعة للساسة، وهي من تشكِّل وجه السياسة الخارجية الأمريكية تجاه فلسطين.
يتحدّث بول فندلي، الذي ظل عضوا في الكونجرس خلال الفترة من "1961- 1983"، عن نفسه بأنه انحاز إلى إسرائيل معظم الوقت، لكنه عندما بدأ بالاهتمام بالقضية الفلسطنية والسعي لفتح محادثات مع منظمة التحرير الفلسطينية، برئاسة عرفات، كان ذلك يضعه في خانة "العدو الأول لإسرائيل".
وبالمناسبة، فإن انخراط فندلي أكثر في فهم القضية الفسطينية، والتعمّق في طبيعة السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة العربية، يعود إلى مصادفة طارئة نتج عنها رحلة إلى عدن، ولقاء الرئيس اليمني الجنوبي، علي سالم ربيع علي، عام 1974.
وقتها قدم في مسعى للإفراج عن نجل صحفية أمريكية من مدينته، حُكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة التجسس في العاصمة اليمنية الجنوبية، وقد فتح له ذلك طريقاً لاهتمام أوسع بشوؤن المنطقة.
لقد دفع السيناتور الأمريكي ثمن مواقف لم يكن فيها بأية حال منحازاً إلى فلسطين، بل إن مثلبته الوحيدة هي دعوته إلى رؤية الفلسطينيين والاستماع إليهم، وتلك -في نظر اللوبيات الإسرائيلية- "جريمة" تستحق العقاب، وشن حرب بلا هوادة ضد الرجل طيلة أربع سنوات.
خلال هذه المدة، واجه صنوفاً من المضايقة على تحركاته بصورة مباشرة من خلال أعمال التشويش، وإبعاد أصدقائه المقرّبين منه، ثم انتهى الأمر بإزاحته من عضوية مجلس النواب بعد ضخ أموال طائلة للحملة الانتخابية لمنافسه.
كانت اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة (آيباك) أهم اللوبيات، ذات النفوذ العميق في أمريكا، هي من يقف خلف الإطاحة بفندلي.
بعد أيام من الانتخابات، وقف توماس داين -المدير التنفيذي لآيباك- أمام اجتماع يهودي في "تكساس" ليدلي بتقرير قال فيه: إن رجاله "أحضروا 150 طالباً من جامعة الينوي (مدينة فيندلي) ليدقوا الأرصفة ويقرعوا الأبواب... لقد تغلبنا على العقبات، ودحرنا فندلي".
تقف آيباك على رأس عشرات المنظمات اليهودية الناشطة في أمريكا، أشهرها "لجنة مكافحة الافتراء" و"اللجنة الأمريكية اليهودية" و"الصندوق اليهودي"، وهذه المنظمات لديها مئات الآلاف من الأعضاء في جميع الولايات الأمريكية.
يقول فندلي إن آيباك هي من تتحكّم في كل تصرّفات الكونجرس بشأن السياسية الخارجية لبلاده في الشرق الأوسط، وإن جميع أعضاء الكونجرس، بلا استثناء، يطيعون أوامرها، ويتعاملون معها باعتبارها الممثل المباشر للكونجرس، تمنحهم الفرصة لكسب الانتخابات، أو القضاء عليها.
إن لوقع هذه المنظمة في نفوس أعضاء الكونجرس، عندما تُذكر، تأثيراً يصنع على وجوههم "التجَهّم إن لم تمتقع" كما يصف فندلي.
بعبارة مختصرة يقول: إن المنظمة الصهيونية "رديف السلطة، السلطة الباغية المرعبة"ـ أما زميله عضو الكونجرس السابق، بيت ماكلوسكي، فيقول إن آيباك "بصراحة أكثر تُرهب الكونجرس".
لقد ألهمت هذه التجربة القاسية فندلي كتابة "من يجرؤ على الكلام"؛ الكتاب الشهير الذي يوثّق كيف تعمل اللوبيات الصهيونية في الحياة الأمريكية، وهو مزيج من السرد لوقائع عاشها، وشهادات لسياسيين ودبلوماسيين كانوا جزءا من المؤسسات الأمريكية، التي تبدو وكأنها مجرد مساحات فارغة تديرها اللوبيات الإسرائيلية.
إن الحياة الأكاديمية لا تختلف كثيراً عن حياة أعضاء الكونجرس، والنخبة السياسية الواقعة تحت سيطرة تامة للوبي الصهيوني، ثم إن الأحداث في المنطقة العربية ضاعفت من جهود المنظمات الصهيونية لخنق المجتمع الأكاديمي خشية أي تأثيرات قد تؤدي إلى تمكين المجتمع الأمريكي ونخبه من الإصغاء للمأساة الفلسطينية، أو مقاربة المشكلة وفقاً لمصالح الشعب الأمريكي.
لقد أدت حرب 1973 في المنطقة، ومارافقها من ارتفاع أسعار البترول التي مسّت حياة الأمريكيين بصورة مباشرة، إلى زيادة الوعي الشعبي والحكومي والأكاديمي بالشرق الأوسط وفقا لفندلي، لذلك وضعت المنظمات اليهودية، وعلى رأسها آيباك، خططاً لمجابهة انتقاد إسرائيل في الأروقة الأكاديمية والمعاهد العليا.
في عام 1979، صممت آيباك برنامجاً لضمان مضاعفة النفوذ الإسرائيلي في الكليات والجامعات الأمريكية؛ من خلال تنمية القدرات السياسية للتنظيمات الطلابية، وتمكّنت من اجتذاب أكثر من خمسة آلاف طالب في 350 كلية وجامعة في جميع الولايات الأمريكية في عضون 4 سنوات. يشير هذا إلى أن الصهاينة لا يعبثون، ولديهم ما يفعلونه حيال كل تحدٍ.
وهناك منظمة يهودية تنشط في الجامعات بصورة خاصة تُدعى "لجنة مكافحة الافتراء بالحقيقة"، وهي في حقيقتها منظمة لصياغة الافتراءات الصهيونية ضد أي أستاذ جامعي أو أنشطة طلابية تحاول قول شيء مختلف عن الرواية الإسرائيلية لما يحدث في فلسطين، والمنطقة العربية.
كتاب فندلي، الذي يغطّي العقود السابقة لتسعينات القرن الماضي، يصوّر -في أحد فصوله- بالوقائع كيف أن هذه المنظمات تحاصر الأساتذة والطلاب على السواء، بطريقة تنم عن تنظيم خطير يرصد كل شيء، وفي حالة جهوزية ويقظة دائمة للمجابهة، واستخدام مختلف أشكال المغالطات والأساليب الملتوية.
كما تلجأ لإخراس الجميع باستخدام وسائل مختلفة: التشغيب على محاضرات الأساتذة، أو المحاضرين الزوار غير المرغوب فيهم، الذين تستقدمهم جمعيات طلابية، أو إدارات علمية في الجامعة، الشتائم، واستخدام الاتهامات الفضفاضة: معاداة السامية، التحريض على العنف والكراهية.
لكن أخطر تلك الوسائل على الإطلاق هي التهديدات بالقتل من خلال المكالمات الهاتفية والرسائل، والنبذ من الوسط الأكاديمي حد الفصل من الوظيفة، ووقف الإعلانات التجارية عن المطبوعات الطلابية. إنها خليط من الوسائل التي تستخدمها أيضا في الحياة السياسية.
إن عالماً يهودياً ومفكراً أمريكياً شهيراً وأستاذا جامعياً -كنعوم تشومسكي- لم ينجُ هو الآخر من تلك الاتهامات والمضايقات، إلى الحد الذي صار فيه منبوذاً من الإعلام الأمريكي.
وقد عُرف الرجل بالتعاطف مع الشعب الفلسطيني، والتنديد بالجرائم والإرهاب الإسرائيلي، فضلاً عن مواقفه القوية المنددة بالإنحياز الأمريكي الدائم لإسرائيل.
ينقل فندلي عن تشومسكي قوله: "عندما ألقي محاضرة في جامعة، أو غيرها، تقوم مجموعة عادة بتوزيع منشورات لا تحمل أي توقيع فيها حملات شتّى عليّ، تتخلها مقتبسات مختلقة عموماً عمّا يزعمون أنني قلته هنا أو هناك، ولا يخامرني شك في أن المصدر هو رابطة مكافحة الافتراء.. هذه أعمال خبيثة غايتها ترويع الكثيرين..".
على أن هذا الترويع، وهو يكبر ويشتد مع مرور السنوات مظفوراً بهيمنة سياسية واقتصادية وسرد إعلامي مقولب، كان دائما قادراً على تمرير الرواية الإسرائيلية وضمان الإذعان والدعم الأمريكي المفتوح بلا سقف لدولة الاحتلال طيلة عقود.
بيد أن "صناعة الإجماع"، التي أتقنها الإعلام الأمريكي المنحاز لإسرائيل باعتباره هراوة الدولة الديمقرطية، وفقاً لتشومسكي، لم تعد قادرة على الصمود في زمن الشبكات الاجتماعية والتنافس الدولي، رغم محاولات حجب المحتوى الذي يعرض جرائم الإبادة الإسرائيلية، وعكس السرد الأمريكي والإسرائيلي إلى فضائح تصبّ في خانة الشعب المضطهد.
اليوم، على وقع حرب الإبادة التي تشنّها دولة الاحتلال بحق سكان غزّة والأراضي الفلسطينية المحتلة، نشاهد انهيار الأسطورة الصهيونية في الأوساط الأمريكية بصورة غير مسبوقة، كما أن الصورة الذهنية المزوّرة، التي رسمتها إسرائيل لنفسها عبر الإعلام الغربي، تتمزّق بشدّة.
زالت كل الأقنعة الزائفة، وبقيت حقيقة إسرائيل عارية ككيان استيطاني إحلالي يقوم على الإرهاب وحروب الإبادة.
كل يوم نشاهد وقوف الطلاب الأمريكيين بثبات في وجه الغطرسة الصهيونية المسنودة بسلطة بلادهم المسلوبة، وهم يهتفون من أجل حرية فلسطين، ينادون بلا تعب بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية من النهر إلى البحر. إنهم يرفضون أن تتحول جامعاتهم إلى مجرد مختبرات لخدمة الكيان الصهيوني وأبحاثه في الأسلحة، ويطالبون بقطع العلاقات الأكاديمية، ووقف أي تعاون معها وشركاتها.
وللمرة الأولى، نشاهد المتظاهرين الأمريكيين وهم يذهبون إلى مقرات "آيباك"، المنظمة الصهيونية النافذة هناك، وكأنهم يضعون أصابعهم في عيون أعدائهم مباشرة، وذلك ما يثير ذعر العقل الصهيوني في واشنطن وتل أبيب.
هذه ليست مجرد احتجاجات بالمعنى المتعارف عليه في القاموس الأمريكي، وهي ترقى إلى أن تكون ثورة فعلية في الوعي، حيث تضع الأمريكي وجهاً لوجه أمام واقعه بلا سواتر أو أقنعة.
إن الأمريكيين، وهم يفعلون ذلك تضامناً إنسانياً خالصاً، يكتشفون في طريقهم حقيقة نظامهم الديمقراطي، ومنظومته الإعلامية، التي تتجاهل وجودهم، وتنظر إليهم بازدراء.
وهم يدركون قطعاً ما الذي فعلته أحداث غزة بهم، سواء على المستوى الشخصي أو الجمعي.
"لقد حررتنا غزة"، هكذا قال محتجون أمريكيون كُثر مراراً وهم يهتفون بحياة الفلسطيني، ويكافحون بصلابة من أجل قضيّته.
والحق أن مد "طوفان الأقصى" فاض إلى جنبات وزوايا الوعي الأمريكي في الجامعات، كما الشوارع، وبلغ العالم، معلياً من القيم الإنسانية المشتركة في بلد تنهض تجربته على التعدد والتنوع الإثني والديني.
إنه وعي جيل شاب متمرّد، لا يبدو أنه سيُهادن قبل أن يتخلّص من عبء الصهيونية الثقيل على كاهله.