مقالات

عاجزون عن وداع أحبابنا!

08/03/2024, 13:59:11

مات أبي، أمس ظهراً، ودُفن جثمانهُ عصراً في القرية بعد سنتين من المرض والتّعب وجلطة حوَّلت حياته الطويلة، مع قيام الفجر والذهاب إلى عمله في كل المدن التي ارتادها - وما أكثرها، إلى ألم نفسي، مما وصل إليه حال البلاد أكثر مما وصل إليه  جسده.

لم يمهلني الخبر الفاجعة أي فرصة للتفكير بالسفر لإلقاء النظرة الأخيرة على أحب الوجوه إلى قلبي، وأحب الناس إلى روحي، بل هو "روح الروح"؛ رحمة الله تغشاه.

ما أكثر اليمنيين الذين يشاركوني هذه اللحظات، وقد تحوَّلت حياتنا إلى مأساة، يتحكّم بها قُطاع طُرق أكثر حداثة من بين لصوص العالم القديم والأقدم.

لصوص من الجانبين على أعلى مستوى من التخطيط والتدبير، كتجار حروب ومجرمي حرب ومصاصي دماء، وبردقان،  وخزائن أموال لا تشبع، ولا ترحم، بل تزداد سعيراً ولظى للحجر والبشر في هذه الرقعة الجغرافية، التي حباها الله بجمال جغرافي ساحر، ولم تتحرك ضمائرهم، طوال عشر سنوات، تجاه ما يجري من مآسٍ إنسانية في طول اليمن وعرضه.

يموت أحب الناس إلينا ولا يكون بينك وبين من تحب سوى ساعة، أو دقائق لتضع قُبلة وفاء، وتسكُب دمعة حقيقية عليهم، ولكنهم حوَّلوها إلى أيام وليالٍ حالكة السواد والمصير، ونقاط تفتيش ليس لها أول وليس لها آخر، وجبايات وتفتيش وشخط ونخط.

السفر إلى من نحب أصبح بالعملة الصعبة، والسعودي والدولار، وتلزمك -كمسافر- خطة مالية وحسابية، وأدعية مأثورة، وغير مأثورة؛ لتصل إلى وجهتك بسلام؛ بسيارات كانت تُستخدم قبل خمسين عاماً بالضبط في اليمن.

كانت كل قرية يمنية في متناول أي مسافر من كل أنحاء اليمن، على بُعد بيجوت، أو باص "هيس"، وبضع مئات من الريالات، كنا نصلي الظهر في صنعاء، ثم نصلي المغرب في أحضان القرية من أرياف تعز، كنت نصطبح في القرية ونتغدّى ظهراً في قاع العلفي، أو التحرير، أو باب اليمن، فما الذي حدث لنعيش فواجع السفر طوال عشر سنوات قابلة للزيادة، بلا شك ما لم تتحرك إرادة شعبية وجماهيرية..

كنت عزمت كتابة مقال عن الجبايات، التي ليس أنهكت الشعب فقط وإنما تكاد تقتله، ولكن مصيبتي غلبتني مؤقتاً  برحيل والدي، وعجزي عن الوصول إليه في القرية لإلقاء نظرة وداع أكحل بها ما تبقى لي من أيام حتى ألقاه.

هذه ليست قصتي إنها قصة الكثير الكثير من اليمنيين، ربما يوجعني أكثر أنني داخل الوطن الممزق إلى كانتونات، وجبايات، سواء كان لصالح المليشيات أو ما يسمى بالحكومة الشرعية الرخوة العاجزة كل العجز، التي تزداد كل يوم عجزا على عجز...

لقد كان ميناء الحديدة على مرمى حجر من الشرعية، لكن قد رأينا ما حدث، وتم تسليم مئة كيلو متر للمليشيات كهدية لم يذق أهل هذه المئة متر سوى المزيد من الألغام، التي حصدت الأطفال والنساء، وتم تقطيع أوصال اليمن كذا على مزاج "السيّد" وأعوانه وزبانيته..

قرأت قبل فترة مقالاً منشوراً، منذ سنتين، مليء بالسخرية من حصار تعز، كتبه عبد القادر الجنيد، يتحدث فيه عن العسكري القبيلي، الذي يحاصر تعز، سألخصه لكم بطريقتي: لديه حفرة ومدفع صغير ومدفع متوسط وسلاح قنص، كل ما يستهلكه هذا القناص هو عدد من الكدم، وحرضة سلتة، وكيسين "قات"، يخزن بالكيس الأول حتى المساء، ثم يقوم ليرسل قذيفة من مدفعه الصغير على مدينة تعز، ويتناول العشاء، ثم يبدأ بكيس القات الثاني حتى قريب الفجر، ومع أول تباشير الصباح يتناول سلاح القنص ليروي رغبته ورغبة سيّده الدموية بقنص طفل، أو امرأة، أو شيخ عجوز، ثم يذهب إلى النوم ليصحو ظهراً؛ ليتناول الغداء، ثم يخزِّن وهكذا

هذا هو من يحاصر تعز، ومثله في كل الأطراف المقطَّعة بين المدن اليمنية، لكن تعز مشكلتها ليس فيمن يحاصرها، بل فيمن يحكمها من الفاسدين، وحيتان الجبايات.

مقالات

الرؤية الرومانسية للمصير...!

"يبدو المجال واسعًا لدراسة الشعر الذي ارتبط بالمصير الإنساني، والتعرف على وجود رومانسيته باعتبار الموت أحياناً يكون ملاذاً آمناً أكثر من الحياة، وهو ما أثبتته الحروب والصراعات والأمراض اليوم، وكما قال المتنبي: كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكُنَّ أمانيا".

مقالات

عندما يكون اليمنيون مجرد كرة!

لا شيء يشير إلى أن اليمنيين يتحرّكون بمحض إرادتهم. لا السلام يتدحرج إلى الأمام ضمن مسار أولويات يمنية، ولا الحرب وضعت أوزاها تحقيقاً لرغبة ومصالح داخلية.

مقالات

حكاية غرام

كان الوقتُ عصراً، حين انتهى أعضاء فريق المشي وتسلّق الجبال من تناول طعام الغداء في مخيمهم، الذي أقاموه عند منابع المياه الدافئة في "عيون سردد" بمحافظة المحويت.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.