مقالات

علي محمد زيد وترجمة كتاب "الدولة والقبائل في تاريخ اليمن الحديث" (2)

01/01/2025, 11:01:42

لا بُدَّ مِنْ الإشارة إلى الإنجاز البحثي والعلمي الذي حققه الدكتور بول دريش في التنقيب والبحث عن «قواعد الملازم»،، التي كانت مرجعًا للعديد من الدراسات والأبحاث؛ ومن أهمها رسالتا الدكتوراة لكُلٍّ مِنْ: الدكتور فضل أبو غانم، والدكتور رشاد العليمي.

«قواعد الملازم»، أو «قواعد السعبين»، كما تُسمَّى، هي المرجع الأساس، والتشريع للعرف القبلي السائد في المناطق القبلية؛ وبالأخص في همدان بن زيد: حاشد، وبكيل. 

وتُشَكِّل قواعد الملازم خلفيةً ومرجعًا لكتاب بول دريش المرجع المهم عن الدولة والقبائل في تاريخ اليمن. يتكون الكتاب من مقدمتين؛ أُشِيرَ إليهما سابقًا، وعشرة فصول، وملاحق، ومراجع.

الفصل الأول مُكوَّنٌ مِنْ مدخل عن اليمن، وموقعه، ويربط بين التاريخ والأثنولوجيا؛ ليبيِّنَ الهُوِّية القبلية ومكانها في العالم الحاضر.

ويرى مُحِقًّا أنَّ اليمن ليس معروفًا بما فيه الكفاية. ويُقدِّم صورةً عن الجغرافيا الطبيعية والمفهومية، ويدرس تميُّز اليمن عن بقية أجزاء شِبْه الجزيرة العربية بطبيعتها ومكانتها في التاريخ، وانشغالها بالزراعة، وتقسيم العرب في التاريخ القديم، كما يتناول حضارة اليمن، وانهيار السدِّ، ولفظ قبيلة، والانتقال من القبيلة إلى الدولة.

ويدرس ثُنائية «الزيود والشوافع»، والقبائل، والمزارعين، والبدو والقبائل، ويتناول المتوكلية اليمنية، وثورة سبتمبر، وحرب الجمهورية اليمنية، والحدود مع السعودية. 

ويقرأ المكونات: قحطان، وعدنان، وتفرُّعات قحطان، وما ذكره الإنجيل عن أسلاف سبأ، ويشير إلى إمكان المطابقة بين حمير، و Homerite عند بعض المؤلفين: اليونان، والرومان؛ فكلا الاسمين يشيران إلى واحدةٍ من الدولتين المتعاقبتين اللتين حكمتا الجزء الأكبر في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام. يشير محقًّا إلى أنَّ القبائل تحتل الجزء الفقير شبه القاحل من البلاد نحو الشمال والشرق؛ في حين أنَّ المناطق الواقعة خارج الأراضي القبلية إلى الغرب والجنوب أغنى زراعيًّا. وينظر إلى العلاقة بين قطبي البلاد باعتبارها تُشكِّل تعارضًا بين الشمال والجنوب؛ بين اليمن الأعلى واليمن الأسفل.

والباحث بول دريش من أكثر الباحثين الذين درسوا البيئة اليمنية، وقرأ القيم والتقاليد من خلال قراءة قواعد الملازم؛ وهي القواعد والقوانين والأعراف الحاكمة في هذه المناطق.

ويشير إلى اعتماد البلاد على الأمطار والسيول، ووجود موسمين للأمطار؛ ويتناول بالتفصيل المواسم وكمياتها في المناطق، والزراعة والمحاصيل، ويدرس الطبيعة القبلية وخصائصها وموقعها. 

ويدرس التغيرات الاقتصادية الحديثة، ويذكر حكم الإمامة الزيدية، وأنَّ سُكَّان اليمن في العام 1975 كان خمسة ملايين وثلاثمئة ألف؛ منهم خارج البلاد 63.0000، وأنَّ اليمن أقل بلدان العالم نموًّا. 

ويتناول تدفق النقد والازدهار النسبي في سبعينات القرن الماضي، كما يأتي على التقسيمات الإدارية الحكومية، والقبائل الرئيسية. يدرس الطبيعة الاستقلالية، والنظام الإداري، ودَوْر التعاونيات حينها في سبعينات القرن الماضي، والتعدد القبلي، واختلاف الأنساب القبلية. ويقدم وصفًا دقيقًا للأنساب القبلية والتركيبة المجتمعية، والقرى والمناطق الزراعية واختلافها بين الشرق والغرب، وطبيعة التربة، ومدى الخصوبة.

ويقف إزاء الطرقات، ويُقلِّل من أهمية تأثير وسائل النقل والتلفاز، ثم يُقدِّم ملخَّصًا للفصول الثلاثة. فالفصول: الثاني، والثالث، والرابع مكرسة للعمل الميداني، وفيها إشارات إلى الماضي. أمَّا الخامس، والسادس، والسابع فتتناول التاريخ، كما أنَّ الفصول: الثامن، والتاسع، والعاشر فمكرَّسة للحاضر. يناقش الفصلان: الثاني، والثالث بعض الآراء البارزة التي تنتظم عالم القبائل. فيتناول الفصل الثاني أساسًا لغة «الشرف»، كما تطبق على الأفراد.

والواقع أنَّ مفردة أو مصطلح «الشرف» في العُرْف القبلي، وحسب قواعد السبعين، والممارسة الفعلية- هي التعبير عن الالتزام الأخلاقي؛ وهي تجمع كل معاني ودلالات مصطلحات الحلال والحرام، والكفر والإيمان في الفكر الإسلامي.

فكلّ القوانين العرفية لها ارتباط وثيق بالشرف. فالشرف القيمة العظيمة التي يحمي بها القبيلي «القطير»، والمستأمن، والنزيل، والمرأة، والطفل، وأبناء الخُمُس؛ وهو ما تناوله الباحث بول دريش في فصول الكتاب، وفي قواعد الملازم. يضيف: "وغالبًا ما سكنَ هذه المناطق من ينتسبون إلى النبي، وتنتظم من حولها مجموعة القيم التي قام عليها التاريخ الزيدي، وكتابة هذا التاريخ. وهذا موضوع الفصل الخامس. وهي فترة طويلة تمتد من سنة 896 إلى سنة 1962".

يضيف: "لكن الملامح المشتركة فيها؛ أي بنية الأفكار التي تشكل ما أنجز، وتكتب كتاريخ زيدي، وليس أي شيء آخر".

ويرى أنَّ القبيلة والزيدية (خلال فترة موضوع الدراسة) متداخلتان دائمًا؛ مع أنه يمكن الإحاطة بكلٍّ منهما مفردة لأغراض من التحليل. 

وكثيرًا ما أفردت إحداهما منفصلة عن الأخرى بوضوح لأغراض الجدل. ويرى أنَّ هناك نموذجين، كل منهما يُلقِي بثقله على الملامح التي يقبلها الخصوم (على الأقل في بعض الظروف)، وإن قلَّلوا منها على نحو قد يزيد أو ينقص؛ وقد يلتقط آخر (في مناسبةٍ ما) ملمحًا من مخطط لِذمِّه أو مدحه.

في الفصل السادس، يتتبع التاريخ منذ الفترة التي تلي العصور الوسطى حتى خمسينات القرن العشرين؛ ليوضح المكانة التي كانت للقبائل في شؤون البلاد بعامة. وسيكون من الصعب فهم نشوء الدول، وصعود الزعامات القبلية وسقطوها دون الإشارة إلى اليمن الأسفل (خارج الأراضي القبلية تمامًا)، والضريبة المفروضة على الزراعة، والغزو الأجنبي.

ويتناول الفصل السابع القضاء النهائي على الإمامة، واشتراك القبائل في الحرب الأهلية الطويلة في ستينات القرن العشرين، حينما اصطرعت القوى الأجنبية والأفكار المتعارضة حول الجمهورية والملكية فوق الأراضي القبلية.

ففي الفصل الأول، يُقسِّم الفترة الزمنية من القرن السابع إلى القرن العشرين؛ في حين تقتصر الثانية (الفصل السابع) على تناول العقود القليلة التي وُجِدَ فيها الخطاب النقيض للإمامة أو التحديثي أو التقدمي؛ وكلا الفصلين يشملان مناقشة أرضية الأحداث والأحداث نفسها.

ويرى أنَّ الفكرة المشتركة المنقولة من الأنثروبولوجيا الإفريقية القديمة إلى أنثروبولوجيا الشرق الأوسط، التي اتضح منها أنَّ الأفكار الماضية تُجدَّد أساسًا بواسطة اهتمامات الحاضر، ويرى أنَّ العمل الطويل للتقسيمات القبلية حقيقة أثنوغرافية رئيسيِّة.

ويتناول في الفصل الثامن القُرَى، التي تشكل أساس بُنية الحياة القبلية، وتفوق معظم الأحداث في قدرتها على الاستمرار.

ويخلص الفصل التاسع لنوع الكيان القبلي من وجهة نظر الأنماط غير الزمنية، ومن وجهة نظر التعاقب الزمني.

ويتناول الفصل العاشر مكان القبائل والقبيلة فيما أصبح الآن عالم دول وطنية وقومية وتنمية وأفكار عن التقدم.

ويقدم هذا الفصل الأخير بعض النتائج التي تحاول التقاط إمكانيات التغيير. ويرى -مُحقًّا- أنَّ التغيير الاجتماعي كان اهتمامًا غالبًا، ويرى أنَّ لليمن تاريخًا طويلاً موثَّقًا، ومنه تنبثق قواعد بدونها لا يمكن إعطاء الحاضر وأرقامه الكثيرة أيَّة قيمة مفيدة.

فقد تبقى أشكال التغيير غامضة، وتعزل القبائل بصورة مصطنعة عن محيطها، ويصل إلى القول إنَّ حاشد وبكيل ما تزالا تسكنان رُبع البلاد. 

يهتم الباحث كثيرًا بالشرف، ويكون عنوان الفصل الثاني. ويدرس التوازن الأخلاقي، والسلام الشخصي، وحالة النزاع العنيف، ويعنون الفصل الثالث للعمل الجماعي، والقبائل كعناصر في لغة الشرف، وبالفعل الجماعي، والمسؤولية، ومشايخ الضمان، وجميع القبائل، والمسؤولية الثانوية، واللجوء.

والعنوان الرئيس للفصل الرابع «فئات اجتماعية تحت ظل السلام القبلي»، والحلاقين، والبائعين، وضمان القبائل للأسواق والمدن الصغيرة في الأراضي القبلية. ويتناول القضاة والسادة، ويدرس في الفصل الخامس تاريخ السادة، وكتابة التاريخ: سادة، وأئمة، وقبائل، وبداية التاريخ الزيدي، وأشكال كتابة التاريخ. ويتناول إدانة الإمامة للعُرْف القبلي.

أمَّا الفصل السادس فيتناول التاريخ من القاسميين إلى بيت حميد الدين، والتوسع القاسمي في القرن السابع عشر والثامن عشر، وأصول عائلات كبار المشايخ. ويتناول الاحتلال التركي الثاني 1872- 1918، ثم بيت حميد الدين 1918.

ويكرس الفصل السابع لثورة سبتمبر 1962، ومعارضة الأحرار، ونشوب الحرب الأهلية، ومحاولات التسوية، وتنقُّل القبائل بين طرفي الصراع، ودراسة ما بعد الحرب.

وفي الفصل الثامن، يدرس حياة القرية، ووسائل العيش، وروابط الزواج، وإنتاج المحاصيل، واقتصاد القرية.

والفصل التاسع يتحدث عن بنية التعريف الذاتي القبلي، واقتصاد القرية، وأشكال تغيير الجغرافيا التاريخية، والمُوْآخاة، والارتباط بالأرض، والتحالف، والتماسك، والهويات الثابتة.

والفصل العاشر عن علاقة القبائل بأحداث العالم، ويتناول إزاحة الغشمي، واجتماع «بير المهاشمة»، ويتناول قضايا الهدايا، والحدود الأخلاقية، والتصورات القبلية والوطنية، والملاحق والمراجع.

ربَّما أنَّ في هذه القراءة العجلى والمقتضبة قدرًا من القصور في التعمق في مباحث تصل صفحاتها إلى الأربعمئة، وبُذِلَ في إدراكها والإحاطة بها، وتحليلها وتدوينها عدة أعوام؛ فقد انغرس بول دريش في البيئة القبلية في حاشد، وتنقل في عدة مناطق، وقدَّم عملاً من أهم الأبحاث عن القبيلة والدولة في اليمن.

وحقًّا، فإنَّ المترجم الدكتور علي محمد زيد قد أدركَ أهمية الكتاب؛ فقضى أعوامًا في ترجمته. وهذا الكتاب إلى جانب الكتاب الآخر، الذي قام بترجمته؛ وهو «اليمن المعاصر»، يُعدَّان من أهم الأبحاث العلمية عن اليمن تاريخًا، واجتماعًا، واقتصادًا، وثقافةً.

فالتحية للباحِثَين: بول دريش، وعلي محمد زيد، والاعتذار لهما وللقراء عن أيِّ قصور.

مقالات

ورحل سلطان الأغنية الكبير

سلطان سعيد الصريمي فارس الأغنية، وأبو نشوان؛ "الأغنية" التي صدحت بها حناجر الجماهير لعقود طويلة ولا تزال، واحدٌ من أبناء الفلاحين، أحب البحر، وغنّى للثورة والأرض، وكل جميل في الحياة.

مقالات

أبو الروتي (15)

"كنت أفرح بالمظاهرات أكثر من كل أترابي، ومن كل زملائي في المدرسة، ولم يكن سبب فرحي بها لأني أكثر وعيا، أو لأن حسي الوطني أعلى من حسهم، وإنما لأني كنت أكره الدراسة"

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.