مقالات

عن التهمة الجاهزة: مُعاداة الساميّة..

24/05/2021, 11:04:33

قبل أيام قرأت كلاما للرئيس الأمريكي، يقول إن تصريحات أوردغان ضد إسرائيل هي معاداة للسامية، وبالأمس قرأت إعلانا -نشرته إحدى المنظمات العالمية في مجلة "نيورك تايمز"- تتهم فيه ثلاثة مشاهير: فنانات عالميات، وعارضات أزياء، بأن مواقفهن المؤيدة للفلسطينيين "مُعادية للساميّة".

لعلّ "مُعاداة الساميّة" أكبر مصطلح ترهيبي استخدمه العالم طوال القرن العشرين، بحيث أضحى المفهوم بمثابة غطاء تبريري للعنصرية الصهيونية أكثر منه مكافحة للعنصرية ضد اليهود.
لقد تحول المصطلح لتابوت سياسي، لا يتجرأ أحد على الاقتراب منه، خشية الوقوع بتهمة "مُعاداة الساميّة"

في البداية، من المُهم التفريق بين مُعاداة الساميّة والموقف المناهض للصهيونية، فالصهيونية هي حركة عنصرية استعمارية وليست دينا أو عرقا، والعداء لها ليس عداءً لليهود.
هذه الفكرة المبدئية يتم إغفالها في كثير من المواقف، حيث تُرفع تهمة "مُعادة الساميّة" في وجه كل من يعترض على السياسة الإسرائيلية الاستيطانية في فلسطين.. وكأنّ مناهضة "مُعاداة الساميّة" تقتضي الصمت عن كل ما تصنعه 'إسرائيل'؛ كي ينجو المرء من التّهمة.

تستخدم 'إسرائيل' ذاكرة المظلومية اليهودية؛ لممارسة الابتزاز السياسي ضد كل من يناهضها، إنها دولة متطفلة ومُدمنة للبكائِيات، مهما بلغت من القوّة تحب الاحتفاظ بدور الضحيّة، تحتمي بمحرقة "الهولوكست"؛ كي تمارس التنكيل بأبناء الأرض، وتتخذ من الماضي الحزين رافعة لمشروعها الفاقد للمشروعية.

لعلّ من المفاجئ للبعض القول: إن أول من بدأ مناهضة الصهيونية كانت جماعات يهودية، حيث كانوا يرون أن الصهيونية لا تعكس العقيدة اليهودية ولا تعبّر عنها، فالصهيونية هي مشروع علْمنة للعقيدة اليهودية، وهي فكرة مفصولة عن العقيدة اليهودية الأصلية بل ومنحرفة عنها.
فاليهودية لا ترى أن خلاص اليهود دِنيوي، بإقامة دولة، وإنما خلاص غيبي بانتظار مخلّص قادم من عالم آخر.

كانت التيارات اليهودية الأصلية ترى أن الصهيونية حركة علْمانية سياسية لا تمثلهم ولا علاقة لها بأهداف الدِّين اليهودي وهموم الإنسان اليهودي المشرّد؛ لكن هذا الموقف تعرّض للتغيُّر التدريجي، طوال العقود الممتدة من عشرينيات القرن الماضي، مرورا بلحظة إعلان قيام 'إسرائيل'، وصولا لكل المحطات اللاحقة المتعلّقة بالصراع العربي - الإسرائيلي حتى يومنا هذا.

ما سبق يُؤكد أن مُعاداة الصهيونية هي موقف لا علاقة له بكراهية اليهود وغير ذي صلة ب"معاداة السامية"، فلو كان الأمر كذلك لكان اليهود المناهضين للصهيونية هم مُعادين للسامية أيضا.
أما ما جرى لاحقا من تطابق بين الموقف الدِّيني اليهودي والمشروع الصهيوني هو تقارب ناتج عن نجاح المشروع الصهيوني في بناء دولة لليهود، وليس لأن الصهيونية هي ذاتها حركة متطابقة مع اليهودِية.

إن "مُعاداة الساميّة" موقف عنصري نشأ قبل ميلاد الصهيونية واستمر بعدها، لكنه لا يتصل بأي شكل من الأشكال بمعاداة الصهيونية، فاليهود كانوا يعيشون في فلسطين كأقليّة، ويحظون بكامل حقوقهم، ولم يعترض على وجودهم أحد، بل اتّصف وجودهم جوار الأغلبية العربية بتعايش وانسجام كبير.

من هنا يتأكد لنا أن رفض الوجود اليهودي في فلسطين لم يبدأ إلا عندما بدأ المشروع الصهيوني، أي أن الرّفض هنا كان رفضا لليهود المستوطنين، ومَن جرى استقدامهم من دول العالم وتوطينهم داخل أرض فلسطين، وليس رفضا لليهود المواطنين الذين كانوا يتواجدون من قبل. وعليه يكون الاعتراض على المشروع الصهيوني اعتراضا سياسيا وحقوقيا، وليس عنصرية ضد اليهود (مُعاداة الساميّة).

من المُهم كشف هذه المُغالطة، ووضع حدٍ للتلاعب العالمي بالمصطلح، وبما يمنع 'إسرائيل' من مواصلة دور الضحيّة، والاحتماء من جرائمها الراهنة بجلباب الذاكرة الجريحة.

الخلاصة: لو جِئنا إلى المنطق القِيمي والأخلاقي، فمصطلح "مُعادة الساميّة"، بعد تحويله من معناه الخاص لفكرة عامة، أي لو اعتبرنا معناه: العداء والعنصرية ضد الآخر، سنجد أنه ينطبق على الصهيونية قبل أي طرف آخر، حيث المشروع الصهيوني مشروع عنصري، يطفح بالعِداء العِرقي للعرب، عَرب فلسطين وسكانها الأصليين.

وعليه فإن محاربة من يعادون الساميّة تكون بمحاربة العنصرية ضد الآخرين، في كل مكان، ومن أي طرف كانت صادرة. محاربة العنصرية سواء كانت ضد المسلمين والعرب أو ضد اليهود، ضد السُّود أو البيض، فكل من يمارس سلوكا عنصريا هو معادٍ للسامية، بدلاً من تحويل المصطلح لبُعبُع ترهيبي تحتكره 'إسرائيل'؛ لممارسة عبثها بالآخرين كما تشاء، وكأنّ ما تعرّض له اليهود من كراهية ومحارق في الماضي هو صك مفتوح أمام نتيناهو ليُمارس عربتدته ضد الفلسطينين كما يشاء.

مقالات

أبو الروتي ( 14 )

كان المعهد العلمي الإسلامي يتبع الشيخ محمد سالم البيحاني -خطيب وإمام مسجد العسقلاني في كريتر- وكان مدير المعهد هو الأردني ناظم البيطار، الرجل الذي كان مجرد ظهوره يثير فينا الرعب.

مقالات

ما العمل؟

عندما قرأ مقالي «ماذا ننتظر كيمنيين؟»، عَقَّبَ الأستاذ المفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير بسؤال: «ما الحل؟»، و«ما المخرج؟»؛ وهو «سؤال العارف». وقد وردَ في الأثر: "ما المسئول بِأعلمَ مِنْ السائل".

مقالات

"أيوب طارش".. اسم من ذهب

ما أكثر ما تعرَّض أيوب طارش لعداوات ساذجة من بعض المحسوبين -بهتانا- على رجال الدين، وخطباء المنابر المنفلتة، ليس آخرهم عبد الله العديني، الذي أفسد دينه ودنياه وآخرته بإثارة قضايا هامشية لا تهم أحدا سواه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.