مقالات
عن "القاعدة" والحوثي
تحدث تقرير الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي عن علاقة المليشيا الحوثية بتنظيم القاعدة وتنظيم الشاب في الصومال وهي العلاقة التي وصفها التقرير بـ "الانتهازية والمؤقتة".
والواقع أنه على الرغم من التباين الأيدلوجي بين مليشيا الحوثي وجماعات مثل تنظيم القاعدة وحركة الشباب في الصومال، إلا أن التقارير تتحدث منذ سنوات عن تنسيق وتعاون بين الحوثيين والقاعدة في اليمن، بما في ذلك إطلاق سجناء القاعدة لدى الحوثيين وغيره، وهي وإن بدت علاقة براغماتية مؤقتة بدافع العداء المشترك لبعض الأطراف المحلية والإقليمية والدولية بما في ذلك العداء للنظام السعودي مثلًا، لكنها تجسد السلوك الانتهازي الذي يطبع الجماعة الحوثية، فهذه الجماعة نفسها هي التي رفعت شعار "القاعدة صناعة أمريكية" وأعلنت الحرب على من تسميهم "التكفيرين" و"الدواعش" إبان الانقلاب وإعلان الحرب واجتياح المدن من أجل استجلاب التعاطف الغربي وخاصة الأمريكي وهو التعاطف (أو التخادم) المستمر حتى الآن من وجهة نظري باعتبار أن المقاربة الأمريكية للمشكلة اليمنية لم تبارح الصيغة التقليدية المبنية أساسًا على أمرين: الهواجس الأمنية لدى دوائر القرار الأمريكي من الإرهاب "السني" المحتمل القادم من اليمن وإمكانية مواجهته بالإرهاب الحوثي "الشيعي"، واللعب على وتر التوازنات ودعم الأقليات والصراعات الثنائية في المنطقة "سنة وشيعة"، لضمان إدامة الصراع واستمرار النفوذ والتحكم في المشهد وتوظيفه لخدمة المصالح الأمريكية.
وهناك بعد آخر في هذه العلاقة يتمثل في محاولة استفادة كل طرف من خبرات الطرف الآخر وإمكانياته لا سيما في ظل العزلة المحلية والإقليمية والدولية التي يعاني منها كلاهما على حدٍ سواء؛ القاعدة والحوثيون.
ناهيك عن رغبة الحوثيين في تأمين جبهتهم الداخلية ومحاولة استعطاف القاعدة أو التصالح معه خوفًا من أي هجمات محتملة على غرار الهجمات التي نفذها التنظيم في أوقات سابقة في صعدة والجوف، بما فيها استهداف موكب تشييع الأب الروحي للجماعة بدر الدين الحوثي في نوفمبر 2011 ، خصوصًا في ظل حديث عن احتمال توجيه ضربة عسكرية للحوثيين تسهم في انتزاع مدينة الحديدة من قبضتهم وبالتالي تستبق مليشيا الحوثي هكذا ضربة باستخدام أوراق جديدة لإرباك المشهد برمته.
بالنسبة للحوثيين أعتقد أن ذهابهم نحو صيغة للتصالح مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أو الشباب في الصومال أو التنسيق معهما هو في الأصل سياسة إيرانية اتبعها النظام الإيراني في أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان واستضاف عددًا من قيادات القاعدة لسنوات.
ما يتعلق بتأثير هذه العلاقة بين الحوثيين والقاعدة والشباب المجاهدين، أعتقد أنه في ظل حالة الاحتقان الشعبي السائدة في العالم العربي بسبب جرائم حرب الإبادة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة وسط عجز تام للمجتمع الدولي وللنظام العربي الرسمي عن وقف المذابح بل ودعم غربي واضح، فإن المنطقة مهيأة لمرحلة من الاستقطابات الحادة لصالح جماعات العنف بمختلف أشكالها وتوجهاتها وسيكون لإيران القدرة على تحريك هذه الجماعات كأوراق ضغط يمكنها توظيفها و/ أو المقايضة عليها أيضا للوصول إلى اتفاقاتٍ ما مع الغرب لحماية مصالح الجميع وتقاسم النفوذ.