مقالات

عن خمسة أيام في بيروت (2-2)

17/03/2023, 17:56:57

بين جلستي اليوم الأول، أردت تغيير 13 دولاراً متفرّقة تبقت في محفظتي بالليرة، وعند أول صرافة بالقرب من الفندق ناولت المحاسب المبلغ، فناولني  مقابلها عشرين ورقة  فئة خمسين ألف ليرة، وأردفها بقوله هذه مليون ورقة!! تفاجأت  من سماع الرقم؛ لأن دماغي لم تتجاوز عملة الريال بعد، فظننت أنه يقول لي مليون ريال!!.. وحين انتبهت  ضحكت، وقلت له: مبلغ المليون عندنا  كبير جداً.

وحينما عرف أني من اليمن استغرب كثيراً، فكيف لبلاد تلفها الحرب منذ ثماني سنوات، ولم تزل فيها العملة أقوى من العملة اللبنانية.
أنهى حديثه  القصير معي بشتم الساسة  الذي أوصلوا بلداً كلبنان إلى هذه النقطة المميتة.

مرَّ اليوم الأول من الملتقى بسلاسة متناهية، أما الأفكار الكثيرة والموضوعات المتنوعة، التي عرضت في جلستي الصباح والمساء (الاشتباك مع الوضع الاقتصادي، وعن أي ثقافة نتحدث)، فقد كانت تحيل إلى حيوية التنوَّع بأفقها المفتوح على عمل صحافة مستقلة، تنحاز إلى صوت الناس وقصصهم، تقودها صحفيات وصحفيون شبان متخففون من سطوة الأبوة وقداسة الأسماء وإرث المنابر التقليدية.

صباح الأربعاء 22، قررت اكتشاف منطقة بيروت الشرقية، ومن منطقتها الأشهر "الأشرفية"، التي كانت واحدة من مثبتات السماع والقراءة طيلة سنوات الثمانينات، حين كانت بيروت منقسمة إلى جهتين جغرافيتين متحاربتين، وتعبران عن الانقسام الطائفي العميق فيها.

ففي الزيارة الأولى لم يتسنَّ لي جمع صورة تفصيلية عنها، بسبب أن زيارتها تمت ليلاً.

شاهدت شوارع الأشرفية نظيفة جداً، وأغلب شرفات المباني مكسوة بالخضرة، حتى إني رأيت شرفة في بناية حديثة، تطل منها أشجار برتقال مثمرة، وظننت للوهلة الأولى أنها أشجار زينة، قبل أن اتحقق من طبيعيتها بالاقتراب أكثر من المبني والتدقيق في الشرفة.

الحركة في شوارع  المنطقة الرئيسية كانت تزداد مع اقتراب الوقت من موعد الوظائف، والمدارس، غير أن العمال السوريين كانوا هم الأكثف حضوراً في الشارع، إما منتظرين سيارات معلميهم، كما قال لي أحدهم، لنقلهم إلى مواقع العمل، أو الانتظار بالقرب من بنايات قيد الإنشاء يعملون في تشييدها، ولم يحن بعد وقت عملهم.

كان البعض منهم يتجمع حول "تكاتك"  و"موتوسيكلات" ملحقة بها عربات صغيرة، محمّلة بأنواع متعددة من المخبوزات الرخيصة، وتتدلى من جنباتها برادات قهوة اسطوانية، وأكواب ورقية، وشاهدت بعد ذلك الكثير من هذه البرادات أمام الأكشاك والمحلات في المناطق الشعبية، تقدم القهوة لشعب يفتتح صباحاته بها -نصحني سائق تاكسي فيما بعد بعدم شرب القهوة إلا بالأماكن المضمونة، ولم أسأله عن السبب!!

أما تحلقهم حولها إنما كان لتناول الإفطار الأرخص وقوفاً بهذه الطريقة، التي تقترب من تناول الإفطار من عربات الفول والطعمية المنتشرة في مصر.

بعد مشي منهك ولذيذ لم أرغب بالعودة من الطريق ذاته، فقد شدني أمر الانحدار باتجاه البحر من أعلى الأشرفية، عبر شوارع ضيقة مبلطة ونظيفة وهادية، ولم اكتشف نفسي إلا وأنا في منطقة بعيدة قليلا عن الصيفي، حيث يقع الفندق الذي أقيم فيه، وعندما استدليت على المكان تماماً، عبر سؤال المارّة، واصلت المشي حتى وصلت إلى الفندق.

كانت الساعة هذه المرّة تشير إلى التاسعة والنصف، بتوقيت الهاتف، أي الثامنة والنصف بتوقيت بيروت، حينما وصلت الفندق ووجدت باب المطعم مفتوحاً منذ أكثر من ساعة، وكنت جائعاً بشدة.
في جلسة اليوم الثاني، قدمت الكثير من الأفكار حول: الملفات الاستقصائية المشتركة والمؤسسات المشاركة ووعد اليوتوبيا، والمؤسسات ووعود الاستدامة.

في المساء، ذهبت برفقة الصديقين حسن عباس وعمر الجفال وآخرين إلى منطقة الحمراء، بعد أن أقنعنا عمر بتناول العشاء هناك، بدلا من مشاركته مع المجموعة  في بيت 'غاردين كافيه"، فأخذنا تاكسي أوصلنا إلى مطاعم بربر المشهور، وتناولنا هناك سندويتشات الشاورما اللبنانية المميزة، ثم انتقلنا إلى مقهى ومطعم مجاور يقدم بطاطاً محمراً ومأكولات شعبية أخرى.

في يوم الخميس 23 فبراير، طلبت من الصديق حسن عباس ترتيب لقاء مع الأستاذ حازم الأمين - رئيس تحرير موقع درج- وزوجته ديانا مقلد مديرة التحرير، أما رئيسة مجلس إدارة الموقع الصحافية علياء إبراهيم فقد التقيتها في جلسة الملتقى المسائية، بعد أن قدمت ورقة مهمة عن تجربة درج في الاستدامة، أما عن الالتقاء بقيادة درج سببه أن الموقع أحد شركاء منصة "خيوط" الرئيسين والفاعلين.

والأهم أن الأستاذ حازم واحد من الأقلام الصحافية المرموقة، التي تستهويني كتاباتها من سنوات طويلة، ويهمني الالتقاء به.

زرنا موقع درج ظهر اليوم الأخير، حسن وعمر وأنا، الذي كان في شارع "الجميزة" ذاته ، ووصلناه سيراً على الأقدام، عبر تطبيق الأمكنة (لوكيشن) الذي قادنا إلى مبنى متواضع وصغير، أطل حازم من شرفته مرحباً بناء بعد أن أشعره حسن بوصولنا المكان.

مكاتب متقاربة جدا وصالة مفتوحة للمحررين والتقنيين محشورة بالأجهزة، تثير في ذهن الزائر سؤلاً: هل من المعقول أن تأثير الموقع الكبير ينطلق من هذا المكتب المتواضع؟.. تواضع المكتب وبساطته هو انعكاس لتواضع إدارة الموقع، حين استقبلونا بحميمية كبيرة، وكأننا نعرف بعضنا من وقت طويل.


استضافنا حازم على الغداء في مكان قريب، وتحدث بتفاصيل دقيقة عن زياراته السابقة إلى اليمن، حين عمل على تحقيقات استقصائية عن الجماعات الدينية، وصدرت لاحقاً في كتابه المهم "السلفي اليتيم"، الصادر في 2011.. تحدث مع عمر الجفال عن تفاصيل دقيقة عن وضع العراق، الذي يتابع حالته بشكل تفصيلي منذ 2003.


اختتمنا الملتقى، مساء الخميس، بنشاط مميّز، إذ قدّم طلاب "الأكاديمية البديلة للصحافة العربية"، من الصحافيين الشبان فقرات مسرحية بسيطة؛ لكنها عميقة، فقد قاموا بتحويل بعض المقالات الصحافية إلى مشاهد مسرحية هادفة عن السفر والهجرة.


كان أمامي نهار كامل في الجمعة 24 فبراير، فقلت استغله بطريقة مثالية.. وهي اللف على أهم مناطق بيروت ومعالمها بواسطة التنقل عبر التاكسي. ومع أول "سيرفيس" توقف بجواري في منطقة الصيفي، سألته إن كانت الروشة في طريقه، فصادف أن عاملاً سوريا سيذهب هو الآخر إلى نواحي الحمراء، فوافق السائق على توصيلنا عبر امتداد واحد.


أوصلني إلى مقابل الصخرة الشهيرة.. كان الجو بديعاً، والمكان غير مزدحم، مطلقاً إلا من قليل من "المتريضين" والمشائين.. قطعت مسافة لا بأس بها من الكورنيش مشياً، استنشق هواء منعشاً، وحين عدت إلى المكان، الذي انطلقت منه، وجدت سائق السيرفيس واقفاً.. أشار لي، وحين اقتربت منه سأل إن كان باستطاعته الانتظار لإعادتي، فخطرت ببالي فكرة أن اعتمد عليه في كل مشاوير التعرف على المدينة، خصوصاً وأن ملامحه بدت لي وادعة.


انطلقنا باتجاه الرملة البيضاء، بعد أن تجاوزنا "فندق موفنبيك" الروشة، فطريق صيدا، قبل أن نعود من الاتجاه الآخر إلى الحمراء، حيث كنت مخططاً لزيارة مكتبة بيسان، التي وصلت إليها مباشرة أثناء فتحها.. بقيت أتجول في المكتبة لنصف ساعة؛ أتصفح العناوين، وأقرأ أسعارها المثبتة بالدولار، وخرجت دون أن اشتري شيئاً؛ بسبب ارتفاع أثمانها..

طلبت منه أن يوصلني إلى طريق الشمال، فهبطنا من رأس بيروت، من جوار الجامعة الأمريكية العتيقة، وصولاُ إلى الكورنيش، فمررنا بالقرب من فندق فينيسيا التاريخي عبر شارع فخر الدين بالقرب من كورنيش بيروت، وصولاً من الطريق البحري إلى بوابة المرفأ، ثم عدنا من منطقة "مار مخايل" من جهة الشرق فالأشرفية، هبوطا إلى منطقة "السوليدير" أو وسط البلد، حيث قلب بيروت الحي.

مررنا بساحة النجمة، حيث برج الساعة الشهير، والمتحف اللبناني، والأهم مبنى البرلمان، الذي صار محاطاً بالأسلاك الشائكة من كل الاتجاهات، للحيلولة دون دخول المحتجين، ومنها خرجنا إلى حي زقاق البلاط حيث مقر السراي الكبير (مقر رئيس الحكومة اللبنانية).

طلبت من السائق بعدها أن يوصلني إلى منطقة "عين الرمانة"، التي اندلعت منها شرارة الحرب الأهلية في أبريل 1975، ومنها وصلنا بعبدا إلى حدود مناطق "عالية" في الجبل، ثم طلبت في طريق العودة أن يعرِّفني على منطقة "البسطة" التاريخية.

عدت إلى الفندق ظهراً، ثم بدأت بتجهيز حقيبتي استعداداً للمغادرة؛ وفي الرابعة من بعد عصر الجمعة 24 فبراير، كان "باص فادي" في باب الفندق على أهبَّة الاستعداد؛ لنقل المغادرين عبر مطار رفيق الحريري على رحلة مصر للطيران (رقم 712) المتجهة إلى القاهرة في السابعة والرُّبع، وكنت واحدا منهم.

مقالات

ترامب ونتنياهو وصفقة القرن

ربما كانَ من الأنسب أن يكون عنوانَ هذا المقال «نتنياهو وترامب وصفقة القرن». فنتنياهو مؤلف كتاب «مكان بين الأمم»، والذي تُرجِمَ إلى «مكان تحت الشمس» هو الأساس. فـ«صفقة القرن»، وما تشربه ترامب منها، وصرّح به هي المبادئ الأساسية لـ«السلام من أجل الازدهار»؛ فمصدرها كتاب «مكان تحت الشمس»، وفي 28 يناير أعلن الرئيس الأمريكي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، نص الصفقة.

مقالات

حلفاء أم محتلون؟

الأوضاع الاقتصادية الكارثية، التي نعاني منها اليوم، ليست سوى انعكاس أكثر بؤسًا وكارثية لوضع سياسي مخجل.

مقالات

أبو الروتي (8)

بعد أن وصلتني رسالة جدتي الغاضبة، التي تطلب مني فيها أن أخرج من المعهد العلمي الإسلامي وأدخل مدرسة النصارى، بقيت حائراً لا أدري كيف أتصرف!! ولا ماذا أفعل!!

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.