مقالات
غزة في قلب اليمن المتشظي
ثمة إجماع وطني في اليمن على امتداد خارطة البلاد لا يختلف عليه اثنان حول وجوب دعم القضية الفلسطينية والتنديد بجرائم العدوان الصهيوني الغاشم على غزة، ولم تتوقف الفعاليات والتظاهرات الشعبية في مختلف مناطق البلاد رفضًا للعدوان الإسرائيلي ودعمًا للشعب الفلسطيني، ربما يبدو الأمر أقل وضوحا على صعيد الخارطة السياسية، في ضوء الانقسامات التي يشهدها اليمن منذ الانقلاب واشتعال فتيل الحرب في البلاد والتدخلات الإقليمية والدولية التي ألقت بظلالها على مواقف القوى والكيانات اليمنية حسب ارتباطاتها وولاءاتها الإقليمية. لكن رغم ذلك، لا يزال موقف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا ثابتًا وواضحًا في رفض العدوان والتنديد بجرائم الإبادة في غزة وكذلك بالنسبة للقوى والأحزاب السياسية المؤيدة للحكومة المعترف بها، التي أصدرت بيانات تندد بجرائم العدوان وتدعو إلى دعم نضال الشعب الفلسطيني، عدا المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات الذي يبدو موقفه نشازًا في هذه القضية، كونه تبعًا لمواقف أبو ظبي وسياسات التطبيع التي تنتهجها مع المحتل الصهيوني، حتى مع اعتباره جزءًا من الحكومة المعترف بها.
إن الوقوف مع غزة واجب إنساني وأخلاقي وقومي وديني، ولا يعذر أحد بالتخلف عن مساندة الشعب الفلسطيني بكل ما بوسعه، لكن في ظل الظروف الراهنة وحالة التشظي والانقسامات في اليمن، لا يمكن التعويل على موقف فاعل ومؤثر لليمنيين، حتى بالنسبة للتحركات الحوثية فإنها تبدو مجرد فقاعات ولم تلحق أي ضرر ملموس بالكيان الصهيوني حتى هذه اللحظة.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن التنديد بهجمات الحوثيين على خطوط الملاحة الدولية ليس المقصود منه منع الوقوف مع شعبنا الفلسطيني في غزة، ولكن لأن تحركات الحوثيين بنظر اليمنيين مجرد ذريعة لتدويل المياه الإقليمية اليمنية والإضرار بمصالح مصر في قناة السويس، كما هو واضح الآن، بالإضافة إلى جلب الاحتلال الإسرائيلي إلى منظومة أمن مائي جديدة أعلنت عنها الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا، ويبدو أن مساعي واشنطن ماضية في هذا السياق.
ناهيك عن ذلك، فإن الهجمات الحوثية ليست أكثر من إنفاذ لرغبة إيرانية ومحاولة للتكسب من وراء مزاعم دعم القضية الفلسطينية والتحشيد المحلي وحصد منافع سياسية وابتزاز للمجتمع الدولي للاعتراف بالحوثيين كسلطة ومنحهم حوافز للانخراط في التسوية المرتقبة في إطار المبادرة السعودية المطروحة.
خلاصة القول، إن اليمن لم يشهد في تاريخه حالة من الاستلاب ومصادرة القرار الوطني كما هو عليه الآن، كما أن اليمنيين فقدوا قدرتهم على إدارة قضاياهم بفعل هذا الواقع الذي أفرزته الحرب وتداعيات الانقلاب وتفكيك الدولة اليمنية، لكن ما يتعلق بالقضية الفلسطينية لا تزال الحكومة اليمنية المعترف بها والقوى السياسية المؤيدة لها على موقفها في دعم ومساندة كفاح الشعب الفلسطيني وإن كان هذا الموقف دون المستوى المطلوب، إذ يجب على الحكومة أن تبادر إلى اتخاذ قرارات أكثر جرأةً وشجاعة في هذا السياق وليس الاكتفاء بمجرد البيانات.