مقالات
قراءة تحليلية: الحوثي والتصعيد الإقليمي في ظل تراجع إيران
من خلال قراءة الأحداث المتسارعة في البحر الأحمر وخليج عدن، أجد أن المشهد العام والتطوّر الأخير، في ضوء التصعيد الحوثي الأخير في البحر الأحمر وبحر العرب، ووسط التراخي الأمريكي النسبي، تتزايد دعوات إسرائيل لواشنطن من أجل استئناف الضربات الجوية ضد الحوثيين.
من خلال متابعة التطوّرات المتسارعة في البحر الأحمر وخليج عدن، يبدو أن المشهد الإقليمي يشهد تحولًا لافتًا، خصوصًا في ظل التصعيد الأخير الذي تقوده جماعة الحوثي في البحر الأحمر وبحر العرب، وفي ظل التراخي النسبي في الموقف الأمريكي.
هذا المشهد المتوتر دفع إسرائيل إلى تكثيف دعواتها لواشنطن من أجل استئناف الضربات الجوية ضد الحوثيين.
ويفتح هذا التصعيد بابًا لتحليل أكثر عمقًا بشأن:
1. موقع الحوثيين داخل معادلة محور المقاومة.
2. قدرتهم على خوض معارك إقليمية في ظل تقهقر إيران.
3. الاتجاهات الدولية تجاه التصعيد.
وعنوان المرحلة: ماذا بعد؟
في سياق الصراع بين إسرائيل وإيران، وذراعها مليشيات الحوثي الإرهابية - التي باتت تمثل خطرًا متصاعدًا على إسرائيل من جهة الجنوب- ترى تل أبيب أن الحوثيين أصبحوا تهديدًا مباشرًا، خصوصًا بعد تنفيذهم عمليات بحرية أثّرت على حركة السفن المرتبطة بميناء إيلات.
وتسعى إسرائيل للضغط على واشنطن من أجل استئناف استهداف الحوثيين، مروّجة عبر وسائل إعلامها أن "الردع لا يتحقق إلا عبر القصف الجوي الأمريكي المباشر".
وتُبدي إسرائيل مخاوف حقيقية من تحوّل الحوثيين إلى "حزب الله الجنوب".
والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه: هل الحوثي قادر فعلاً على التوسّع؟
الإجابة: نعم، ولكن بشروط.
أولًا، من الملاحظ خلال السنوات الأخيرة حدوث تغيّر لافت، إذ تراكمت لدى الحوثيين خبرات قتالية كبيرة، وأصبحوا يمتلكون ترسانة من الأسلحة المتطورة، تشمل: الصواريخ، المسيّرات، السونارات البحرية، وغيرها.
إضافة إلى ذلك، يتمتع الحوثيون بـ بنية أمنية محلية قوية، ويُجيدون تصدير خطاب أيديولوجي تعبوي منظّم، مستلهم من التجربتين الإيرانية واللبنانية (حزب الله).
ومع ذلك، فإن الحوثي الذي يعتمد بشكل كامل على الدعم اللوجستي والتقني من إيران، قد تتراجع قدراته في حال واجهت إيران تقهقرًا داخليًا أو عزلة خارجية، أو إذا تقلّصت شبكات التهريب التي يستخدمها الحرس الثوري الإيراني والمليشيات التابعة له.
كما أن أي توسّع خارجي للحوثيين قد يفتح عليهم جبهات داخلية كانوا يتجنبونها سابقًا.
تصعيد الحوثيين في البحر الأحمر ليس تهورًا عشوائيًا، بل تسعى من خلاله مليشيات الحوثي الإرهابية إلى إيصال رسالة إستراتيجية محسوبة.
يرى الحوثي نفسه أنه لم يعُد مجرّد مليشيا مسلّحة في جبال صعدة، بل أصبح قوة إقليمية فاعلة، مستقلة جزئيًا عن إيران.
ويعتبر نفسه طرفًا في معادلة الردع الإقليمي، ويستخدم العمليات البحرية كسلاح تفاوضي وأداة ضغط إستراتيجية، بهدف تحقيق مكاسب مستقبلية في حال تم التوصل إلى خارطة سلام في اليمن، تمكّنه من توسيع نفوذه وسيطرته.
الحوثي لا يستهدف فقط السفن الإسرائيلية، بل أيضًا الملاحة المرتبطة بالدول الداعمة لإسرائيل، معتمدًا على شعار "نصرة غزة وفلسطين" كمبرر شعبي عالمي، ويعمل في هذا الإطار ضمن تنسيق ضمني مع أطراف أخرى في محور المقاومة، مثل كتائب حزب الله، والفصائل العراقية الموالية لإيران، خاصة ضمن الحشد الشعبي.
وبالنظر إلى الموقف الدولي وشكل المرحلة القادمة، يتضح أن الولايات المتحدة مترددة في العودة إلى التصعيد الكامل، بسبب الانتخابات النصفية القادمة وأسباب أخرى. لذا، تميل واشنطن إلى الردع المحدود بالتنسيق مع بريطانيا، من دون التورّط في مواجهة مباشرة.
أما الاتحاد الأوروبي فيسعى إلى حماية مصالحه البحرية دون الانخراط في مواجهة مفتوحة.
في المقابل، تتابع الصين وروسيا المشهد بحذر، وتتجنّبان اتخاذ مواقف صريحة لأسباب متعددة، وربما تدعمان بقاء الحوثيين كأداة ضغط على النفوذ الغربي، دون إعلان ذلك رسميًا.
ومن وجهة نظر تحليلية، فإن مليشيات الحوثي الإرهابية، في حال استمرار تراجع إيران بشكل فعلي بعد قصفها، ستواجه ثلاثة مسارات محتملة:
1. التحول إلى لاعب مستقل بالكامل، مع توثيق العلاقات مع روسيا أو الصين أو تركيا.
2. الدخول في مرحلة استنزاف بطيء داخليًا وخارجيًا، إذا فقدت دعمها التقني.
3. اللجوء إلى مفاوضات سياسية إستراتيجية لإعادة التموضع، بدلاً من التورّط في مواجهة طويلة الأمد.
الخلاصة الإستراتيجية:
الحوثي اليوم ليس كما كان في عام 2015، بل أصبح فاعلًا سياسيًا وعسكريًا بصيغة هجينة.
تراجع إيران سيؤثر حتمًا، لكنه لن يُسقط الحوثي ما لم تُفتح عليه جبهات داخلية حقيقية.
أما المصلحة الدولية فهي ليست في هزيمته الكاملة، بل في احتوائه دون إزالته، لخدمة توازنات وغايات جيوسياسية.