مقالات

قراءة في "أغنية راعي الرِّيح"

04/06/2025, 11:37:52

يعد الشاعر عامر السعيدي، الشاب القادم من أعالي جبال حجور بمحافظة حجة اليمنية، واحدا من أهم الأصوات الشعرية التي تتصدّر المشهد في الساحة الأدبية اليمنية الراهنة، بل إن حضور الإبداعي مُمتد إلى المحيط العربي  عموما.

ولم يكن ديوانه الأول "أغنية لراعي الريح" إلا تأكيدا عمليا لذلك الحضور.

هذا الدِّيون يعكس لنا عبقرية شاعر فذ مليء بالتوهّج والعنفوان، القريب من هموم بلده، والبعيد عن المهادنة أو المداهنة مع مصاصي عرق الإنسان ودمه والمتاجرة بالأهل والوطن.

عامر لمن يعرفه عن قُرب هادئ ودود، لطيف المعشر، متدفق بالعطاء إنسانيا وإبداعيا، لكن وراء ذلك الهدوء الرَّصين ثورة تعتمل فكرا ووجدانا، هطلت كموسيقى ثورية في "أغنية لراعي الريح".
   
ولا أجد هنا أنسب من بيتين وجدتهما في صدر الغلاف الأخير للدِّيوان: 
"يا ليتني في الحب 
قلت قصائدي 
لكنني بمصائبي مشغول 
إن الحياة هي البلاد 
وحظنا 
فيها قليل يا حبيب.. قليل".

من هنا ينطلق الشاعر؛ من الذاتي إلى الإنساني، ومن الخاص إلى العام. 

فحبيب هو ابن الشاعر.. و قد تكون الحبية هي المخاطبة، وقد يكون حبيب" هو الشاعر العملاق، حبيب بن أوس الطائي (أبو تمام)، حيث لا يجد الشاعر إلا شاعرا مثله يبوح له بوجعه. أو قد يكون المخاطب عامَّا كل إنسان مكتمل الإنسانية في هذا العالم.

لهولاء جميعا وجَّه عامر شكواه، وسطر لهم أغنيّته المبثوثة في ست وعشرين قصيدة؛ احتواها الدِّيوان من الغلاف إلى الغلاف.

في هذا الدِّيون المشتعل، استحضر الشاعر الوجع كاملا؛ وجع الوطن الممزّق والمقهور، وما الحب والمحبوب إلا جزء من مشهد مثخن ومتعب وتائه. مشهد ملوَّث بالحرب يتصدّره الفساد واللصوص.

فكانت أغلب القصائد غاضبة وحادة كرؤوس الحِراب، لعلَّها توقظ الحس الجمعي للنضال من أجل استعادة الوطن المسلوب والمُستباح.

تلك الثيمة تقف بارزة في عتبة الكتاب الأولى، حيث العنوان بخط بارز متموِّج "أغنية لراعي الريح". 
الأغنية عزف القصائد، و"...راعي الريح" كلمتان مفتوحتان على قراءات متعددة، قد يكون المعنى في نظر المستعجل أن الراعي هو الشاعر الذي يستنهض وطنه وشعبه، ويقسو على معاول الهدم والخراب.. والرّيح جهد مهدور، ونفخ في فضاء مثقوب، أو كالقابض على الريح. لكن المعنى الأعمق أن تلك القصائد ما هي إلا جمرات مُحرقات يسوقها راعي الريح المتحكِّم في اتجاهها نحو مكامن الإجرام وكتل الفساد لتحيلهما رمادا تذروه تلك الرِّياح.

وفي نظري، أن الشاعر قد اختار عنوان ديونه بذكاء بالغ. فهذا الراعي هو الشعب الكادح البسيط، لكنه القوة الحقيقية القادرة على الفعل الثوري وسوق ريح التغيير العاتية: 
"متخففين من الحياة 
نسير في دمنا 
ومن دمنا الخفيف نسيل 
متخففين نسير 
في خطواتنا وجع 
وفي أسمائنا تعديل 
ونسير 
فوق ظهورنا وطن 
وفي طرقاتنا مستقبل مقتول"،
هذا لسان الشعب المغلوب والمقهور، نراه حينا يعترف بقلة حيلته وكثرة خذلانه:
"في هذه الأوطان 
ما من ليلة 
إلا تحت ثيابها مخذول".

لكن هذا الراعي النبيل المسكون ببلاده، وواثق من وثبة أبطاله، مهما كانت الأحلام مجهضة، والمستقبل مسمول العنيين: 
"سامح بلادك 
إن قلبك مصحف 
وحمامة حمراء فيك ترفرف
سامح بلادك ما استطعت
لعلها يوما من الأيام 
باسمك تهتف".

وعلى القارئ أن ينصت مليا لكلمة "حمراء"، ويضع تحتها ما شاء من الخطوط. فالحمامة الحمراء هذه هي مرادف الحرية كما قال شوقي: "وللحرية الحمراء باب.. بكل يد مضرجة يُدق".

*
وبالمجمل فأنت حين تقف على قصائد ديوان "أغنية لراعي الرِّيح" فأنت تقف على ملخص عام لبلاد كبيرة تجتمع فيها الأضداد والمفرِّاقات.

ففي هذا الدّيوان ستجد الغناء للطبيعة كما في قصيدة "مديح الغمام"، والغناء للإنسان والمساواة بين البشر كما في قصيدة "طين وماء"، كما تلمس الشاعر الوجع للرجل والمرأة كما في قصيدة "الجائعة"، فضلا عن التعبير المموسق للثورة، الغضب، والرفض.. رفض الخنوع وبيع البلاد، ورفض التطبيع مع الأعداء بكل أشكالهم.
 
إذا هي قصائد تتحدث بلسان المواطن... مقاتل وثائر، جائع وشهيد، نازح ومشرد ومهاجر.

قصائد تعشق هذا الوطن حد الثمالة، وتهجوه في آنٍ.

وفي هذا الدِّيوان البديع اجتمع في ذات الشاعر (عامر السعيدي) الزبيري بثوريته وصوفيته وتوحده مع بلاده، والبردوني ببلاغته وفلسفته وعُمقه وسخريته وحزنه، والمقالح بوجوديته وعزف كلماته الطروبة.

عامر نقل لنا في دوانه وجعنا النازف، وأحلامنا المقموعة والمستبشرة، مستخدما قوة العِبارة، المقابلة، المباغتة، والصورة الذكية اللمّاحة. 

ويقينا أن قراءة واحدة لهذا الدِّيون لا تعطيه حقه كاملا. 
ولكن...: "إن كنت معصية فسوف أعيدها وأجاهرُ".

مقالات

الخيانة بلباس الجمهورية

يتشدّق أتباع طارق صالح "بالجمهورية"، كما لو أنهم استيقظوا فجأة ذات فجر على صوت المعركة، وقرروا أنهم أرباب الدولة وورثتها الشرعيون، وأن الشعب لا يُؤتمن على تاريخه، ولا يحق له أن يحدد هوية من يمثله، أو من يتكلم باسمه. يتحدثون عن الجمهورية كما يتحدث الكهنة عن كتبهم المقدسة، لكنهم ينسون أو يتناسون أن أول خنجر غُرس في جسد الجمهورية لم يكن بيد الحوثي، وإنما بيد من تربّى طارق في بيته، ورضع من ثدي سلطته، وتكوّن في دهاليز خياناته.

مقالات

أساليب حوثية تعزز ما يفعله سلاحها

لا تستند الحركة الحوثية في استمرار هيمنتها وسيطرتها في صنعاء إلى السلطة والقوة العسكرية وحدها، فالسلطة وقوة السلاح لا يكفيان لضمان استمرارها في موقع الهيمنة، من دون اتباع أساليب وحيل من شأنها إنهاك المجتمع، وإشغال الناس، وإغراقهم في قضايا كونية ومعارك وهمية كبرى تُفرض عليهم دون أن يخوضوها فعلياً. لكنها، من ناحية أخرى، فعالة في صرف الناس عن التفكير أو الاهتمام بمسائل حياتهم اليومية، وما يتصل بشؤونهم الشخصية والعائلية والمهنية والعلمية والاقتصادية، وتأخذهم بعيداً عن القيام بأي نشاط أو فعل مستقل عن الجماعة، أو حتى معها، ما لم تكن هي من حددت فكرة النشاط وطبيعته وحجمه ومجاله والحاجة إليه.

مقالات

حق المرأة في الولاية وحقها في الدية ( 1-2)

هذا هو الجزء الثاني من الندوة التي أقامها «منتدى التنمية السياسية»، و«منظمة صحفيات بلا قيود»، في صنعاء، فندق «تاج سبأ»، في 27 / 5/ 2007. والجزء الثاني مكرسٌ للرد على أوراق الأساتذة: عبد الملك التاج، والشيخ عارف الصبري. في البدء ألقت الأستاذة توكل كرمان- رئيسة «منظمة صحفيات بلا قيود»، كلمةً حَيَّتْ الحاضرين، وتحدثت عن التخلف في البلدان الإسلامية، وأنَّ خروج المرأة مسئولية المرأة والرجل مَعًا. داعية كُلَّ صاحبِ فقه، ومِنْ أوتي حظًا من العلم الشرعي إلى دعوة المرأة للمشاركة في الحياة والنهوض، وإلى نهج واجتهاد جديدين يرفدان إعلان حقوق الإنسان والعهد الدولي؛ تنير الطريق، ولا ترى في الانتخابات بدعةً وَضَلالاً، ولا في مشاركة المرأة فِسْقًا وفجورًا.

مقالات

تعز... الوجه الذي كان يودّعنا!

لم يكن أيُّ مسافرٍ يطيب له السفر إلَّا من خلال مدينة تعز، أو أن تكون تعز آخرَ ما تقع عليه عيناه، يكحّلهما بها حتى تقرَّ نفسه في رحلة قد تطول أو تقصر، داخل اليمن أو خارجه.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.