مقالات
لعنة الجغرافيا اليمنية…!
ليس هناك شعبٌ على وجه الأرض به من المنغِّصات ما باليمنيين، وبه من المعضلات المستعصية على أي حل -في القريب العاجل- أكثر من هذا الشعب الذي توالت عليه المصائب والمؤامرات والأحقاد والأطماع من كل اتجاه، وتوالت وتتابعت عليه المشاكل الاجتماعية، التي يصعب وضع الحلول لها؛ لأنها أصبحت من صميم كيان الإنسان اليمني والشعب اليمني مثل ظاهرة "القات" والفساد، الذي هو سبب لصيق بهذه الشجرة الخبيثة، وهناك ظواهر اجتماعية كثيرة يصعب حصرها، وتستعصي حتى على علماء الاجتماع في العالم كله.
أما المشاكل الاقتصادية فهي صميمية من الرأس حتى الأساس، لا توجد أي حلول؛ لأن اللصوص أكثر من كل موارد الدولة، وبالمعنى الواضح أن اليمن لا تعاني من نقص في الموارد بل من كثرة مفرطة في اللصوص.
كلما ذهب لصوص جاء لصوص أعظم منهم، وكلما ذهب عملاء جاء عملاء أخطر منهم، وكلما ذهب مرتزقة جاء مرتزقة أرخص منهم، والجميع منطوون تحت مظلة العمالة الإقليمية والدولية بأبشع صورها.
فبمجرد دخول اليمن في نفق الحروب لا يخرج منه بتلك البساطة التي دخل منه.
في الظاهر نعتقد أن دول الإقليم والعالم هم السبب، والحقيقة العميقة أن تُجار الحروب اليمنيين هم السبب الأول والأخير، فالحرب تفتح آفاقا للفاسدين واللصوص بكافة هوياتهم ومشاربهم بدعاوى كثيرة طائفية أو سلالية أو غيرها.
المثير للسخرية والغرابة أن كثيرا من اليمنيين لديهم استعدادات فطرية لركوب كل الأمواج والتيارات، ومناصرة كل منتصر، والعزيمة مع كل مهزوم، والوقوف بصف كل غالب، والتخلِّي عن كل مغلوب بغمضة عين دون أن يرف لهم جفن، والدليل ميدان السبعين، الذي جمع النقائض كلها، والأشتات كلها، والخصومات كلها، والخصوم جميعا، بتراب الفلوس، وليس غريبا ولا مضحكا أن تلك الحشود جميعا تخرج جائعة طاوية، وأظمأ من رمل.
الشخصية اليمنية تشبه الشخصيات العربية في جوانب، وتختلف عنها في جوانب أخرى، الشخصية اليمنية شخصية متناقضة وتحتاج إلى دراسات اجتماعية معمَّقة منذ بداية التاريخ وحتى اليوم، لقد زادت الشخصية اليمنية تعقيدا بالضبط كما هي تعقيدات جغرافيا اليمن.
فهل اليمن واليمنيون ضحية الجغرافيا، أم أن الجغرافيا ضحية اليمنيين والعالم المحيط والدول الطارئة على التاريخ مثل الإمارات والسعودية؟
هل الجغرافية هي التي جنت على اليمنيين، أم أن اليمنيين هم الذين تنكّروا للجغرافيا العظيمة التي أعطاهم إياها الله ولم يحافظوا عليها، كما يفعل الرجال الأفذاذ، ووقوعهم ضحايا للمشاريع الصغيرة، التي تجعلهم جُناة وقتلة ومتواطئين مع العالم ضد بلدهم وهويتهم وحياتهم وحاضرهم ومستقبلهم؟
ولعلَّنا لا نذهب بعيدا حين نشير إلى بعض من كتبوا عن عبقرية الجغرافيا اليمنية التي لم يستفد منها أبناؤها، ولم يسخِّروها لبلدهم بقدر ما سخروها لأعدائهم، فتحول هذا العنوان الجذاب (عبقرية الجغرافيا) إلى عنوان آخر وهو "لعنة الجغرافيا"، التي أصابت اليمنيين جميعا، وخاصة وقد تفتحت عيون العالم على هذه الجغرافيا، وكذلك عيون دول الإقليم النفطية، التي تحاول أن تلعب دور الدول الاستعمارية الكبرى، فبدت أسوأ من كل المستعمرين القدماء والجدد في كل شيء.
وهذا بالضبط ما يحدث عندما يستعبدك عبد سابق، كما هو حاصل في اليمن، حيث تتحكم بمصيره دول كانت رهينة تحت أحذية الاستعمار البريطاني والفرنسي على الخليج العربي، ولم تنل حريتها بفضل أي ثورة أو حركة تحرر بل حصلت على حريتها المشروطة كهِبة، أو منحة لتبقى راكعة ذليلة رهن إشارة مستعمرها السابق وصاحب الفضل في حريتها المشروطة والمقيدة، لتبقى شرطيا رخيصا تنفذ أجندة أسيادها حسب الطلب.
هذه هي السعودية والإمارات وإيران التي تعبث باليمن وجغرافيَّته واقتصاده بمباركة أمريكية وبريطانية ودولية أخرى.
لذلك سيبقى اليمن يرزح تحت نير المؤامرات الدولية حتى تُولد معطيات جديدة، وهذه أكبر المنغِّصات، والمقدِّمة التي يجب أن تكون في أي كتاب حول "لعنة الجغرافيا اليمنية".