مقالات
للحديدة ربٌّ يحميها..!
مهما تعاقبت الأنظمة السياسية والعسكرية في اليمن، فإن مدينة الحديدة، وتهامة عموما، تبقى في آخر اهتماماتهم؛ لسبب مجهول وغريب، على ما في تهامة من خيرات، وما يمثله ميناء الحديدة من شريان حيوي، يُدِر أموالا طائلة لخزينة الدولة وجيوب المتنفِّذين.
السؤال الذي يَطرح نفسه: ما مصير المَزَارع والعُشش الفارهة التي تم استحداثها في رُبوع تهامة، وكثبانها الرّملية الساحرة ليلا، والمجهّزة بأحدث المسابح والمصابيح والمفروشات؟ هل كان مصيرها مثل كل ما صار لتهامة خلال اليومين الماضيين؟!
مَن لأناس تهامة وأهلها الذين يعيشون في لهيب الصيف، وقد باغتتهم السماء بأمطار جرفت كل شيء في طريقها إلى البحر؟! تهامة التي تمد صنعاء بالمواشي والأغنام والثروة الحيوانية، التي -لا شك- لاقت مصيرا بائسا مثل أهل وساكني تهامة.
ما الذي جعل الناس تتوسّع في مساكنها إلى حد المجازفة والبناء في ممرات السيول وبطون الأودية على خطورتها؟
مازالت تهامة، وأغلب أريافها، تعتمد على سكن العُشش البسيطة المتواضعة، التي تقيها حر الصيف الطويل، لقد رأينا السيول تجرف الثروة الحيوانية؛ من أبقار وعجول وأغنام وماعز وضأن، إلى البحر، وحتى اليوم لا توجد أي تقديرات للخسائر البشرية والاقتصادية والحيوانية.
وليس هناك من مغيث، أو واعظ، أو دولة، أو سلطة أمر واقع تقوم بواجباتها تجاه الكارثة الكبيرة، التي حدثت، ومازالت قائمة.
ومعروف، من سنوات طويلة، أن مدينة الحديدة تفتقر إلى أبسط مقوِّمات البنية التحتية، وهي المدينة الهشَّة التي لا تحتمل أمطارا بهذه الضخامة، وسيولا بهذا القدر.
كانت المجاري متهالكة من سنوات طويلة، وكان الكثيرون يتحدثون عن ضرورة عمل حل لذلك، ولكن ما مِن مجيب.
وإلى قبل سنوات قليلة، ومع قدوم حمران العيون، انفتحت شهيتهم للقيام بمشروع فاشل تشهد عليه شوارع الحديدة جميعا لتصريف مياه الأمطار، وكون المشروع فاشلا من البداية، ولأن العقل المفكر، الذي خطط له قادم من الكهف، قام بربط هذا المشروع بالمجاري المتهالكة، فتم صرف مئات الملايين عبثا، ونخر الشوارع طولا وعرضا.
ولأن السماء شحت وبخلت بعد إنجاز هذا المشروع الفاشل لسنوات، ظل المشروع بعيدا عن الفضيحة حتى اليوم.
قال المطبلون إن المشكلة سببها انسداد ممرات تصريف المياه بالأتربة والقراطيس من سنوات، والحقيقة غير ذلك، وهو أن المشروع فاشل، ومن قاموا به؛ من مهندسين وخبراء، يعرفون أنه فاشل من البداية، لكنهم مجرد موظفين ينفذون ما يُؤمرون به، ولا يعصون للمشرف أمرا..
كان شارع صنعاء سابقا، وهو الشارع الرئيس في المدينة، يحتوي كل مياه الأمطار في الشوارع المتفرِّعة منه، لكن ما حدث بالأمس أن شارع صنعاء تحول إلى بحيرة كبيرة، وأعاد مياه الأمطار كلها إلى الأسواق والشوارع المتفرِّعة ناحية المِطراق وغيرها، فغرقت المحلات التجارية والأسواق، وتعرَّض الناس والسكان لكارثة هائلة، فقد دخلت المياه إلى البيوت والمحلات، وتعرّض الناس جميعا لكارثة يصعب تخيّلها عند مَن لم يعشْ في تلك المدينة.
حارة اليمن وسوق الهنود والدهمية والحوك الأعلى والأسفل بيوتها غالبا عبارة عن أحواش أرضية وأزقة متلاصقة، تغرق في شبر ماء كما يقول المصريون؛ فكيف بمطر بهذا الكم الهائل، ولساعات متواصلة؟!!
الغريب جدا، هو أن الناس لم يشعروا للحظة واحدة بأن هناك دولة يمكنها تقديم العون والمساعدة… لا توجد أبجديات وسائل الإنقاذ، ولا دفاع مدني، ولا يحزنون.
مدينة الحديدة بين غضب البحر وغضب السماء، مدينة اليتامى والمساكين والبسطاء..
أناس يعيشون على قارعة القرن الواحد والعشرين،
مدينة مسالمة ومتسامحة، طال ركوعها للظلم.
مدينة الحديدة اجتمع عليها الغربان والسيول والجباة والحر والمطر والفساد، وحدِّث ولا حرج.
وليس هناك بلاد فتكت بها المصائب والفقر والجوع والجهل والمرض كتهامة..
الله يكون في العون.