مقالات

لو أنت تحبني اخرج من الحزب (6)

03/08/2025, 06:47:24

كانت تغريد تستيقظ عند الفجر وتمتطي قاربها وتدخل البحر، وكل يوم كانت أمها تظل تنتظر عودتها على قلق. وذات يوم تأخرت في العودة على غير العادة، وتفاجأتُ بأمها تدخل عليّ في العُشة وهي خائفة وتخبرني بأن تغريد لم تعد من البحر، وطلبت مني أن أفتح الكتاب لأعرف سبب تأخرها!!

وحتى أهدئ من روعها، تناولت كتابًا من تلك الكتب التي اشتريتها من "مكتبة الثقافة" في "باب مُشرِف" وفتحته، وقلت لها إن ابنتها بخير، وليس ثمة ما يدعو إلى القلق والخوف. 

وصادف أن ابنتها تغريد عادت يومها من البحر ومعها صيد وفير، وبمجرد أن رأت قاربها يقترب من الشاطئ فرحت وأيقنت أنني سيد ورجل مقدّس، واندفعت نحوي وراحت تقبّل ركبتيّ. 

ويومها زعلتُ منها، وكانت هي مستغربة من زعلي ومن ردود فعلي الغاضبة على تقبيلها ركبتيّ.

ومن بعد توقفت، وصارت تكتفي فقط بتقبيل رأسي عند دخولها إلى عُشتي، ومثلما تعاملت معي كما يتعامل العامة مع من يعتقدون بأنه شخص مقدّس، تعاملت الطريقة نفسها مع كتبي. 

وكانت حين تبصر كتابًا في الأرض تلتقطه وترفعه وتقبّله وكأنه قرآن، وتُظهر احترامًا له، وتمسح ما لصق به من غبار وتعيده إلى مكانه. وكثيرًا ما كانت تقول إن الله هو من أرسلني إليهما.

ويوم استلامي الراتب، أعطيتها عشرة ريالات إيجار العُشة بدلًا من خمسة، لكنها رفضت رفضًا قاطعًا، وأقسمت أنها لن تأخذ مني ريالًا واحدًا. 

وفي اليوم التالي، وكان يوم خميس، اشتريت المقاضي حق أسبوع، واشتريت لحمة وفاكهة و"قات"، وفي المساء عزمتُهما على سينما، وفرحت تغريد، لكن أمها رفضت وقالت إنه من العيب، وقد كبرت، أن تدخل السينما.

قلت لها إن هناك نساء أكبر منها بكثير يذهبن إلى السينما، وراحت تغريد تحاول معها لتقنعها بالمجيء، وفي الأخير اقتنعت الأم وذهبنا إلى السينما ثلاثتنا.

ولم أعد أذكر اسم الفيلم، أذكر فقط أن أم تغريد جلست على يمين بنتها، وأنا على يسارها، وهي في الوسط. 

وأذكر أن كفي - بعد أن راح البطل يقبّل البطلة - زحفت مثل عنكبوت نحو كف تغريد ولامستها، ثم ما لبثت أصابعنا أن تعانقت وتشابكت.

وكان حديث أصابع تغريد أحب إليّ من الحديث الذي يدور في الشاشة. 

ولشدة ما كنت مستمتعًا بحديث أصابعها، تمنيت لو أن الفيلم من دون نهاية، لكن الفيلم انتهى. 

وليلتها جفاني النوم، وكنت كلما أسترجع أصابع تغريد وهي نائمة في كفي ومستسلمة، يطير النوم من عيوني.

وفي الفجر، خرجت من العُشة وذهبت إلى الشاطئ، وشردتُ مع البحر، ومع الحب الذي شرّد نومي، وفجأة سمعت صوتًا من الخلف يخرجني من شرودي ويقول لي: "صباح الخير".

وحين التفتُّ ناحية الصوت، تفاجأتُ بأنها تغريد.

"صباح النور" – قلت لها.

وبعد أن جلست بجانبي، حدث ما حدث في السينما نفسه، لكنها هذه المرة هي التي بادرت ووضعت كفها في كفي، ولحظتها اضطرب قلبي مثلما تضطرب السمكة لحظة وقوعها في الشبكة.

ولشدة خوفي من أن يبصرنا أهل القرية في ذلك الصباح الباكر ونحن معًا، نهضت وفي نيتي أن أعود إلى العُشة، لكنها استغربت وسخرت من مخاوفي، وقالت لي إن سكان قريتها ليسوا سيئين كسكان المدينة، ثم إنهم يوم الجمعة يستيقظون متأخرين.

ولحظتها عدت إلى الجلوس، وسألتها عن رأيها في السينما، وكان ردها هو أن السينما جَنّة، وأنها من سنوات تحلم بدخولها، وشكرتني لأنني حققت لها حلمها. 

وبعد كلامها عن السينما، تصرفت مثل أي انتهازي، وقلت بيني ونفسي: "الحزب مقابل السينما".

وطلبتُ منها أن تدخل الحزب الديمقراطي، لكن الصيادة تغريد سألتني عن الحزب الذي أريد منها أن تدخله، وهل هو مثل السينما؟

ورحت أشرح لها الفرق بين الحزب وبين السينما، وقلت لها إن الحزب الديمقراطي يدافع عن الفقراء والمظلومين وعن حقوق العمَّال والصيادين، لكنني كنت صادقًا معها، وقلت لها الحقيقة، وهي أن "حزبنا مغضوب عليه من الحكومة، وأن من يدخل/تدخل فيه قد تقبض عليه/ها الحكومة وتدخله/ها الحبس".

وبمجرد أن قلت لها ذلك، حتى أطلقت تغريد صرخة رعب، وقالت لي إن أمها فيما لو دخلت الحزب وقبضوا عليها وأدخلوها الحبس سوف تُجن، وقد تموت من الجوع. 

وبعد أن أعلنت رفضها، أعلنتُ عليها الحب، وقلت لها: "أنا أحبك يا تغريد، ومن حبي لك أحب أن أضمك إلى الحزب الذي أنا عضو فيه".

وكان في ظني أن حبي لها سيغريها بالدخول لنكون معًا، لكن الصيادة تغريد قبلت حبي ورفضت حزبي، ولخوفها من أن يقبضوا عليّ ويدخلوني الحبس، قالت لي: "لو أنت تحبني، اخرج من الحزب".

مقالات

العلوم والتكنولوجيا.. جامعة تحت القيد الحوثي

في مسار الأحداث التي مر بها اليمن خلال السنوات الماضية، تكاد لا توجد مؤسسة واحدة لم تطلها أيدي جماعة الحوثي، سواء بالتفكيك أو التوجيه أو إعادة التشكيل. ومنها جامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء بوصفها حالة خاصة، تمثّل نقطة تقاطع دقيقة بين المعرفة والسيطرة، بين التعليم كقيمة، والتعليم كأداة.

مقالات

غزة.. صبر وعناد أسطوري

لا أعتقد أنَّ مُنظراً أيديولوجياً، أو قائداً عسكرياً، أو مناضلًا في حرب تحرير شعبية، أو حتى زعيمًا سياسيًا، هو من قال: «إنَّ شعبًا صغيرًا يمتلك إرادة التحرر من الاستعمار لا تستطيع أقوى قوة في العالم أن تَكسِرَ إرادته».

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.