مقالات
مؤامرة وراء الأكمة!
حين ألتأمنا - نحن الصحافيين اليمنيين - يوم 9 يونيو 1990 في صنعاء؛ لنعقد المؤتمر التأسيسي (أو التوحيدي) لنقابة الصحافيين اليمنيين، عقدنا العزم (مجموعة قليلة من منتسبي نقابتَيْ الشطرين) على عرض مشروع قرار على المؤتمر للموافقة عليه وإصداره، ولم نكن نتوقّع أنه سيؤلّب علينا سخط السلطات..
كان مشروع القرار ينص على كشف ومحاسبة "زملائنا" الذين تواطأوا - بوسائل شتى - مع أجهزة المخابرات (في الشطرين قبل الوحدة)، ما أدّى إلى إلحاق الضرر بعدد من زملاء الحَرف والمهنة - وقتها - بالمطاردة أو الاعتقال أو التعذيب أو التصفية الجسدية!
غير أن سطوة الأجهزة تدّخلت للضغط دون وضع القرار حيز التنفيذ.. وقد خضعنا لصنوف من محاولات الإقناع بأن "الوحدة تجُب ما قبلها"، ولا بُد من طيّ صفحة الماضي التشطيري، تَلَتْها صنوف من محاولات الترغيب، ثم الابتزاز والتهديد.. وفي الختام ذاب القرار في حمض السلطات!
لم أندم يوماً على تفريطنا بموقف مثلما ندمت بعدها.
حفنة "الزملاء"، التي كانت مُستهدَفة بهذا القرار يومها، عادت بعدئذٍٍ لتؤدي الوظيفة نفسها والأدوار ذاتها، وربما بصورة أكثر حقارة وخسّة، بل هي كذلك!
والمشهد الأكثر تراجيدية: أنهم خرجوا بها من دهاليز السرية، إلى منابر العلنية... وفي أيديهم مشاعل!!
تذكَّرتُ هذا المشهد - الموقف، الآن، بعد العودة الشرسة للمخطط التجزيئي للبلاد، الذي تتناطح لتنفيذه أُسرتا آل سعود وآل نهيان:
مخبرو الأمس كانوا يشتغلون لصالح أنظمة وطنية أو محلية - سمِّها كما شئت - وكانوا يُمعنون الضرر بفئة محدودة. أما مخبرو اليوم فيشتغلون لصالح أنظمة أجنبية وأجهزة معادية، ويضرُّون بالشعب والوطن اليمني بأكمله. وهم بالأمس كانوا حفنة من الصحافيين المتخاذلين، أما اليوم فهم عصابة ممن يحكموننا ويُطلق عليهم: رجال دولة!
المخطط الجهنمي لا يرمي إلى الشطرنة أو الانفصال، بل إلى نشوء دويلات عدة داخل، أو على هامش الدولة اليمنية الواحدة. أي إعادة إحياء مشروع تركه الاحتلال البريطاني، ومضى يوم 30 نوفمبر، ليأتي عيال وزملاء وأصحاب الشهداء اليوم - وبعد هذي العقود والسنين كلها - ليُطبّقونه كما هو، أو بتعديلات جديدة!
إذا نجح هذا المخطط التفتيتي (البريطاني سابقاً والسعوسي القماراتي حالياً) فلن تكون الدويلة الواحدة من هذه الدويلات مؤلفة من بضع محافظات، بل لعمري ستغدو غداً مجموعة حارات، وشوارع ليس إلاَّ!!
فلسطين قضية كبرى لليمنيين. نعم. ولكن اليمن - بوحدتها واستقلالها وسيادتها واستقرارها وأمنها وسؤددها - هي قضيتنا الكبرى، وهي التي تستحق اليوم الحذر والتنبُّه واليقظة أكثر من أيّ زمن مضى، فثمة مؤامرة خطيرة وخسيسة وراء الأكمة، وجميعنا بلا استثناء ندركها جيداً.